بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله والصلاه والسلام على حامل وحيه محمد المصطفى واله الهداة الابرار.
مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمه الله وبركاته واهلا بكم في برنامج القصص الحق.
ايها الاحبه فى هذه الحلقة من البرنامج نواصل الحديث عن قصة نبي الله ابراهيم الخليل وما جرى له بعد ان قام بتحطيم الاصنام وذكرت هذه القصة في سورة الانبياء من الاية الثامنة والستين الى الاية السبعين.
فتابعونا ايها الكرام ضمن الفقرات التالية:
بداية ننصت خاشعين الى تلاوة هذه الايات، ثم نتعرف على معاني المفردات ونقدم شرحا للعبارات القرانية، بعدها نستمع الى الحوار القراني الذي اجري بشان الايات مع خبير هذا اللقاء سماحة السيد عبد السلام زين العابدين استاذ العلوم القرانية من مدينة قم المقدسة حول حقيقة المعجزة التي تحولت من خلالها نار نمرود بردا وسلاما.
ثم نستمع الى الحكاية بتفاصيلها التي ذكرت في التاريخ.
ثم ننتقل لكم بعضا من الاحاديث الشريفة في فقرة من هدي الائمة –عليهم السلام- المروية بشان هذه القصة.
ومسك الختام مع باقة من الدروس والعبر المستقاة من هذه الحكاية القرانية
فاهلا ومرحبا بكم والى فقرات هذا اللقاء.
*******
المقدمة
احبة القران، تحدثنا في الحلقات الماضية كيف أنّ عبدة الأوثان اُسقط ما في أيديهم من الدلائل في اثبات عقيدتهم بالنسبة لعبادتهم الاصنام، وذلك نتيجة إستدلالات إبراهيم العلمية والمنطقية، واعترفوا فى أنفسهم بهذه الهزيمة، إلاّ أنّ عنادهم وتعصّبهم الشديد منعهم من قبول الحقّ، ولذلك اتخذوا قراراً صارماً وخطيراً فى شأن إبراهيم، وهو قتله عليه السلام بأبشع صورة، أى حرقه وجعله رماداً.
ايات هذه الحلقة تتحدث عن هذا الجانب، نستمع معا الى تلاوة هذه الايات ثم نعود الى حضراتكم وفقرة المفردات...
*******
التلاوة
"قالُوا حَرِّقُوهُ وانْصُرُوا آلِهَتَكمْ إِنْ كنْتُمْ فاعِلِينَ (٦۸)
قُلْنا يا نارُ كونِى بَرْداً وسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ(٦۹)
وأَرادُوا بِهِ كيداً فَجَعَلْناهُمُ الاْخْسَرِينَ (۷۰) "
*******
المفردات
يقول القرآن الكريم: "قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ"، فقالوا واشاعوا بين الناس وهم يحاولون تحريك عواطفهم: إنّ آلهتكم ومقدّساتكم مهدّدة بالخطر، وقد سُحقت سنّة آبائكم وأجدادكم، فأين غيرتكم وحميتكم؟! لماذا أنتم ضعفاء أذلاّء؟ لماذا لا تنصرون آلهتكم؟ احرقوا إبراهيم وانصروا آلهتكم.
والخلاصة، فقد قالوا الكثير من أمثال هذه العبارات وأثاروا الناس ضدّ إبراهيم بحيث إنّهم لم يكتفوا بعدّة حزم من الحطب تكفى لإحراق عدّة أشخاص، بل أتوا بآلاف الحزم وألقوها حتى صارت جبلا من الحطب ثمّ أشعلوه فاتّقدت منه نار مهولة كأنّها البحر المتلاطم والدخان يتصاعد إلى عنان السّماء لينتقموا من إبراهيم أوّلا، وليحفظوا مهابة أصنامهم المزعومة التي حطّمتها خِطّته وأسقطت اُبهّتها.
لقد كتب المؤرّخون هنا مطالب كثيرة، لا يبدو أيّ منها بعيداً، ومن جملتها قولهم: إنّ الناس سعوا أربعين يوماً لجمع الحطب، فجمعوا منه الكثير من كلّ مكان، وقد وصل الأمر إلى أنّ النساء اللاتى كان عملهنّ الحياكة فى البيوت، خرجن وأضفن تلاًّ من الحطب إلى ذلك الحطب، ووصّى المرضى المشرفين على الموت بمبلغ من أموالهم لشراء الحطب، وكان المحتاجون ينذرون بأنّهم يضيفون مقداراً من الحطب إذا قضيت حوائجهم، ولذلك عندما أشعلوا النّار في الحطب من كلّ جانب إشتعلت نار عظيمة بحيث لا تستطيع الطيور أن تمرّ فوقها.
من البديهى أنّ ناراً بهذه العظمة لا يمكن الإقتراب منها، فكيف يريدون أن يلقوا إبراهيم فيها، ومن هنا اضطروا إلى الإستعانة بالمنجنيق، فوضعوا إبراهيم عليه وألقوه فى تلك النّار المترامية الأطراف بحركة سريعة.
وعلى كلّ حال، فقد اُلقي إبراهيم فى النّار وسط زغاريد الناس وسرورهم وصراخهم، وقد أطلقوا أصوات الفرح ظانّين أنّ محطّم الأصنام قد فني إلى الأبد وأصبح تراباً ورماداً.
لكنّ الله الذي بيده كلّ شيء حتى النّار لا تحرق إلاّ بإذنه، شاء أن يبقى هذا العبد المؤمن المخلص سالماً من لهب تلك النّار الموقدة ليضيف وثيقة فخر جديدة إلى سجل إفتخاراته، وكما يقول القرآن الكريم: "قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ".
والمعروف أنّ النّار قد بردت برداً شديداً إصطكت أسنان إبراهيم منه، وحسب قول بعض المفسّرين: إنّ الله سبحانه لو لم يقل: سلاماً، لمات إبراهيم من شدّة البرد، وكذلك نقرأ في رواية مشهورة أنّ نار نمرود قد تحوّلت إلى حديقة غناء. حتى قال بعض المفسّرين إنّ تلك اللحظات التي كان فيها إبراهيم في النّار، كانت أهدأ وأفضل وأجمل أيام عمره.
ويقول الله سبحانه في آخر آية من الآيات محلّ البحث على سبيل الاستنتاج بإقتضاب: أنّهم تآمروا عليه ليقتلوه ولكن النتيجة لم تكن فى صالحهم "وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ".
لا يخفى أنّ الوضع قد إختلف تماماً ببقاء إبراهيم سالماً، وخمدت أصوات الفرح، وبقيت الأفواه فاغرة من العجب، وكان جماعة يتهامسون علناً فيما بينهم حول هذه الظاهرة العجيبة، وأصبحت الألسن تلهج بعظمة إبراهيم وربّه، وأحدق الخطر بوجود نمرود وحكومته، غير أنّ العناد ظلّ مانعاً من قبول الحقّ، وإن كان أصحاب القلوب الواعية قد استفادوا من هذه الواقعة، وزاد إيمانهم مع قلّتهم.
*******
زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم، سؤال جميل ولطيف يعني هذا يفسر فيه المعاجز والكرامات الاهية والربانية خصوصاً للانبياء عليهم السلام "قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ" بالنسبة لأبراهيم عليه السلام في سورة الانبياء "قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ" هنا كوني برداً وسلاماً على ابراهيم هذا خطاب تكويني للنار، يتبدل طبعها الذي يحرق الى برد وسلام بالنسبة لأبراهيم يعني يانار كوني برداً وسلاماً على ابراهيم يعني على الاخرين لم تكن النار برداً وسلاماً ولهذا نمرود وجماعة نمرود كانوا بعيدين ومع ذلك كانت حرارة النار تصل اليهم فأذن النار لم تكن باردة الا على ابراهيم عليه السلام، هذا الخطاب الالهي الرباني التكويني على ابراهيم عليه السلام اما عن طريق خرق العادة او عن طريق خرق القانون يعني المعجزة فسرت بتفسيرين، هل المعجزة خرق عادة او خرق قانون؟ لأن بعضهم يرى ان المعجزة هي قانون، تأتي بقانون جديد ولكنه غير مألوف"إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" يعني حتى هذا الامر هو بأسباب ومسببات يعني هناك اتجاه يقول بأن تغيرت خاصية النار فتحولت الى برد وهي خاصية الحرارة والاحراق، هناك اتجاه ربما تؤيده بعض روايات اهل البيت ان الله البس من خلال جبرئيل عليه السلام، البس ابراهيم قميصاً بحيث هذا القميص لاتؤثر عليه النار بل يحول النار الى برد، نقرأ عن المفضل بن عمر عن الامام الصادق عليه السلام يقول المفضل بن عمر (سمعته يعني سمعت الامام الصادق يقول "أتدري ما كان قميص يوسف عليه السلام قلت لا، قال ان ابراهيم عليه السلام لما اوقدت له النار نزل اليه جبرئيل عليه السلام بالقميص وألبسه اياه فلم يضره معه حر ولابرد") كذلك هذه الرواية عن الواحدي ينقلها مجمع البيان عن انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه واله وسلم بأن نزل اليه جبرئيل بقميص من الجنة فألبسه القميص. اذن هناك اتجاهان في عالم التفسير الاتجاه الاول يقول ان الله عزوجل احدث البرد في النار بدلاً من الحر والاتجاه الثاني احداث حاجز ومانع يمنع النار من ان تحرق ابراهيم عليه السلام ولعل السياق يؤيد الثاني يعني "قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ" هنا كلمة على ابراهيم ربما فيها اشارة الى ان هذه النار لاتحرق ابراهيم "وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ" دائماً المعجزة لاتأتي في اول الطريق، تأتي بعد ان تستنفد كل الوسائل ولهذا عندنا في الرواية في علل الشرائع للصدوق عليه السلام عن الامام الصادق لما القي ايراهيم عليه السلام في النار تلقاه جبرئيل في الهواء وهو يهوي فقال يا ابراهيم ألك حاجة؟ فقال أما اليك فلا، كذلك في الدر المنثور عن الامام علي عليه السلام رداً للسيوطي يقول في قوله قلنا يانار كوني برداً قال بردت عليه حتى كادت تؤذيه، حتى قيل وسلاماً، قال لا تؤذيه، اذن هناك اتجاهان في عالم التفسير بالنسبة لله عزوجل يختلف عن البشر إ"ِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ".
*******
القصة
استشار (نمرود) قومه، في أمر إبراهيم "قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ". فحبس إبراهيم، وأمر بجمع الحطب، لقد كان في قليل من الحطب كفاية لحرق إنسان ـ لكن القوم من كثرة غضبهم على محطّم آلهتهم. أخذوا يجمعون الحطب من كل مكان، حتى صار الحطب كجبل عظيم.. ثم أشعلوا الحطب ناراً.. فانتشرت حرارتها في الفضاء بحيث لم يكن يحلّق طائر في تلك الأجواء، إلا سقط محترقاً.. ولم يتمكن ذو روح من الدنو.
حينذاك صعب عليهم الأمر، يا ترى كيف يلقون إبراهيم في تلك النار التي لا يتمكن من الاقتراب منها بشر؟ وإذ هم في حيرة من أمرهم. أشار شخص أن يصنعوا المنجنيق، وهي آلةٌ حربية، تقذف بما يوضع فيها من إنسان أو حجر أو غيرهما. فاستصوبوا رأيه، وأمر الملك الطاغي، بصنع الآلة......
فصنعت ثم وضعوا فيها إبراهيم. وهناك جاء (آزر) عمّه، فلطم إبراهيم، وقال له: ارجع عما أنت عليه.. إشفاقاً على إبراهيم من الحرق.
لكن (إبراهيم) كان أربط جأشاً، فلزم جانب الحق، ولم يرجع، بل أصرّ على مبدئه، وإن حرق بالنار.
وحينذاك أمر (نمرود) الرّماة، أن يقذفوا إبراهيم في النار! فحركوا عجلة (المنجنيق) فرمت بإبراهيم في الفضاء نحو النار.. وعند إطلاق إبراهيم، أمر الله تعالى النار: "قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ"، فانقلبت النيران بإذن الله تعالى روضةً غناءً، يغلب عليها البرد، فاصطكت أسنان إبراهيم من البرد (وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين).
فنظر نمرود وأصحابه، من بعيد إلى هذه المعجزة متحيرين!! وفلتت من لسان نمرود كلمةٌ، ما أراد أن يقولها.. ولكنها في غمرة التعجب، أخذت مكانها في الفضاء، قال: من اتخّذ إلهاً، فليتخذ مثل إله إبراهيم! لكن أحد المتملقين أراد تدارك الأمر، ليقربه إلى نمرود زلفى.. فقال: إني عزمت على النار أن لا تحرقه. فتطاير شررٌ من النار إلى ذلك المتزلّف.. حتى أبان كذبه: فإن من لا يقدر على أن يرد الشرر عن نفسه، كيف يتمكن أن يعزم على النار أن لا تحرق أحداً؟
ونظر نمرود إلى آزر، عم إبراهيم.. وقال: يا آزر، ما أكرم ابنك على ربه؟ ثم خرج إبراهيم من النار، وجاء إلى نمرود، ليدعوه إلى الله من جديد.
*******
من هدى الائمة _عليه السلام_
قال أبو عبد الله _عليه السَّلام_: لما ألقي إبراهيم _عليه السَّلام_ في النار تلقاه جبرئيل في الهواء وهو يهوي فقال: يا إبراهيم أ لك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا.
وهنا إقترح عليه جبرئيل فقال: فاسأل ربّك، فأجابه: "حسبى مِن سؤالي علمه بحالي".
وفى حديث عن الإمام الباقر _عليه السَّلام_: إنّ إبراهيم ناجى ربّه في تلك الساعة: "ياأحد ياأحد، ياصمد ياصمد، يامن لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، توكلت على الله".
*******
دروس وعبر
هناك علاقة عكسية بين القوّة والمنطق عادةً، فكلّ من إشتدّت قوّته ضعف منطقه، إلاّ رجال الحقّ فإنّهم كلّما زادت قوّتهم يصبحون أكثر تواضعاً ومنطقا وهذا ما لاحظناه في موقف القوم المعاندين عندما اقروا في انفسهم انهم هم الظالمون ً.
عندما لا يحقّق المتعصّبون شيئاً عن طريق المنطق، فسوف يتوسّلون بالقوّة فوراً، وقد طبّقت هذه الخطّة فى حقّ إبراهيم تماماً كما يقول القرآن الكريم: "قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ".
نستنتج من كلمة (قالوا) في الاية الشريفة "قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ" أنّ المتسلّطين المتعنّتين يستغلّون نقاط الضعف النفسية لدى الناس لتحريكهم واثارتهم ـ عادةً ـ لمعرفتهم بالنفسيات ومهارتهم فى عملهم! وكذلك فعلوا فى هذه الحادثة، وأطلقوا شعارات تثير حفيظتهم.
الدرس الاخر هو القول المأثور لا مؤثر في الوجود الا الله، فيقول عزوجل "وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ " وهذا تجسيد حقيقي لارادة الله تعالى فهو يقول يوماً للسكين التي في يد إبراهيم: لا تقطعي، ويقول يوماً آخر للنار: لا تحرقي، ويوماً آخر يقول للماء الذي هو أساس الحياة أن يغرق فرعون والفراعنة وهكذا....و لم يكن قوله الا التنفيذ، فإذا أراد الله أمراً فإنه يقول له كن فيكون.
*******