لكن ما يميزها هذه المرة أن التصريحات جاءت عبر قناة تلفزيونية يمنية تبث من الرياض، ومن مسؤول في حكومة الهارب هادي ما يدعي انه محافظ المحويت صالح سميع الذي عينه الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي.
وفي حديثه القوي والجريء، استخدم سميع أوصافا قوية ضد أبو ظبي لم تستخدم من قبل مسؤول يمني آخر من أولئك الذين كشفوا سوء العلاقة بين حكومة الهارب المستقيلة والإمارات، حيث أطلق عليها أوصاف اللئيمة والغبية والرعناء والمصابة بجنون العظمة.
وقال سميع -الذي كان يتحدث من الرياض- إن على الرئيس اليمني (الهارب) الاستغناء عن خدمات الإمارات إذا قررت الاستمرار في غيها، مضيفا أن هادي طلب دعم السعودية ولم يطلب دعم أي دولة أخرى، وواصفا ما قال إنه طرف في تحالف (العدوان) بأنه أرعن ويتصرف تصرفات غبية، مؤكدا أن القضية وصلت لمرحلة كسر العظم.
أما الأمر الآخر فتأكيده في اللقاء أكثر من مرة أن السعودية هي من تضغط على الهارب منصور هادي من أجل تأجيل أي خطوة ضد الإمارات، بحجة أنها ما زالت حتى اللحظة تستفيد من وجود وحضور الإمارات كحليف في اليمن.
ولم يخف الرجل تبرم الحكومة المستقيلة والرئيس اليمني المستقيل من الضغط السعودي لحماية أبو ظبي من أي إجراءات ينوي هادي القيام بها لإنهاء تلك العلاقة بشكل قانوني وإخراج الإماراتيين من اليمن، ملوحا بورقة مجلس الأمن الدولي والأطر الدولية في حال قرر هادي ذلك.
وبغض النظر عن كون الرجل ليس من الصف الأول في حكومة الهارب إلا أنه محافظ عينه الرئيس اليمني لمحافظة المحويت ووزير سابق للكهرباء بحكومة المستقيل الهارب هادي، بالإضافة إلى أنه مقيم بشكل دائم في الرياض.
وهذا ما يطرح أسئلة عدة مهمة بشأن خروج مسؤول يمني عرف بعلاقته الطيبة مع هادي وحكومته المستقيلة والمسؤولين السعوديين المكلفين بالملف اليمني.
رسالة سعودية أم انقسام؟
هناك من يتحدث عن نفاد صبر سعودي من تصرفات حليفتها الأولى في العدوان على اليمن أبو ظبي عقب سيطرة الأخيرة على الموانئ في الجنوب والغرب وإنشائها عشرات الآلاف من المليشيات في عدن وأبين وشبوة وحضرموت وجنوب البلاد، وانفرادها بملف الساحل الغربي، وإنشاء قوة عسكرية كبيرة لطارق محمد عبد الله صالح ابن أخ علي عبد الله صالح ودعمها بشكل غير محدود، والاستمرار في دعم وتعزيز قوة المجلس الانتقالي الانفصالي الجنوبي عسكريا وسياسيا.
وكذلك منعها ما تسمى بـ"الحكومة" من ممارسة عملها، ومنع الرئيس الفار من العودة إلى عدن، وهو ما يحمل السعودية أعباء إضافية على أعبائها الاقتصادية والعسكرية، سواء داخل اليمن أو على حدودها.
كما أن هناك من ينظر إلى خروج مثل هذه التصريحات القوية من قبل "مسؤول" في حكومة الهارب من داخل الرياض إلى أنها تعبير واضح عن انقسام داخل مؤسسة الحكم السعودي بشأن تحالف الرياض وأبو ظبي المستمر، سواء في ملف اليمن أو في ملفات أخرى.
وقد يبدو ذلك في شكل صراع صامت غير معلن بين الدولتين، خاصة في الملف اليمني، لكن نظرة عميقة في المشهد قد توحي بذلك.
فعدد من الكتاب السعوديين عبروا عن ضيقهم عبر وسائل الإعلام من دعم أبو ظبي للمجلس الانتقالي الانفصالي الجنوبي معتبرين تلك الخطوة تهديدا لما اسموه بـ"الشرعية".
وكانت صحيفة غارديان البريطانية قالت إن ثمة مؤشرات متزايدة على خلاف محتمل بين ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، موضحة أن الخلاف برز أثناء زيارة الملك مؤخرا إلى مصر للمشاركة في القمة العربية الأوروبية، والقرارات التي اتخذها ولي العهد أثناء غياب والده.
وهذا قد يؤكد حدوث انقسام داخل مؤسسة الحكم السعودي، سواء ما يتعلق بشؤون الحكم أو التحالفات أو إدارة الملف اليمني الذي يقبض عليه محمد بن سلمان.
سباق على اليمن وتململ سعودي
في جانب آخر، يمكن تأكيد حقيقة كهذه إذا ما تم النظر إلى السباق المحموم بين الدولتين داخل اليمن، فالسعودية وبعد غياب طويل تفضل الحضور العسكري لقواتها بدلا عن أبو ظبي، وهذا ما فعلته في سقطرى حين قامت بالاستعاضة عن قواتها بالقوات الإماراتية العام الماضي، بعد الخلاف بين أبو ظبي وحكومة الهارب.
وفي الوقت نفسه، أنزلت الرياض قواتها العسكرية وعتادها وطائراتها في محافظة المهرة، مفضلة ذلك الوجود الذي حملها الكثير من النقد من قبل أبناء المهرة واليمنيين بدلا من أبو ظبي، في حين تسعى حاليا للحضور في القسم الصحراوي من حضرموت، وبالتحديد في سيئون، حيث المنطقة العسكرية الأولى التي تخضع لسلطة حكومة الهارب، وهذا الحضور يبدو مرادفا لحضور القوات الإماراتية في ساحل حضرموت، حيث النخبة الحضرمية التي أنشأتها أبو ظبي.
وقالت مصادر خاصة أن اللجنة المشرفة على "الائتلاف الجنوبي" المناهض "للمجلس الانتقالي" التابع لأبو ظبي أطلعت المسؤولين في اللجنة الخاصة السعودية على ذلك قبل القيام بعقد اللقاء والترتيب له، إلا أن أبو ظبي اعترضت لدى الخارجية المصرية وأوقفت عقد اللقاء بالفعل.
ويرى مراقبون أن هناك حركة داخل الدولة العميقة في السعودية تتململ من المشهد الحالي، ومن إدارة ولي العهد السعودي التي منحت ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد كامل الصلاحية للتصرف في الملفات السعودية، خاصة ملف اليمن، وأن ذلك يعبر عنه بشكل أو بآخر داخل الأسرة الحاكمة مع تلقي الرياض العديد من الضربات القوية وتشويه سمعتها، سواء تعلق ذلك بملف الصحفي جمال خاشقجي أو الملف اليمني الذي يلاحق الرياض بانتهاكاته في العالم أجمع، باعتبار أن الرياض هي قائدة تحالف العدوان على اليمن.
ويرى المنتقدون أن أبو ظبي تكسب تعزيز نفوذها في اليمن عبر سيطرتها على الجزر والموانئ وعبر أذرعها العسكرية والأمنية المسيطرة على معظم أجزاء الجنوب وساحل اليمن الغربي، في حين تدفع الرياض الكثير سواء في حربها المستمرة والمباشرة على الحدود، والتي يستمر نزيفها بشكل يومي من خلال ارتفاع أعداد القتلى من جنودها، أو التكلفة الاقتصادية التي تقدرها مراكز الأبحاث بمئات المليارات مع دخول الحرب عامها الخامس.
والسؤال الأهم هنا هو عن المأزق الذي وضعت الرياض فيه نفسها وحيدة بمنح أبو ظبي شيكا على بياض للتصرف في اليمن، مقابل تحملها الأعباء الإنسانية والسياسية والعسكرية لهيمنة أبو ظبي وتصرفاتها في البلاد.
وقد قامت حملة شعبية في مواقع التواصل الاجتماعي ضد سياسة مليشيات الإمارات في عدن وانتهاكاتها في مناطق الجنوب، وكذلك تزايد الغضب الشعبي في المهرة إثر التمدد السعودي في المحافظة، مما ينذر بتطور الصراع هناك إلى اشتباكات.
الجزيرة نت