البث المباشر

العقل خط التوازن بين المعرفة والإيمان

الثلاثاء 26 سبتمبر 2023 - 17:51 بتوقيت طهران
العقل خط التوازن بين المعرفة والإيمان

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ}[الزّمر: 9].

يريد الله سبحانه وتعالى أن يؤكِّد هنا أنَّ العقل هو الَّذي يحقّق للإنسان خطَّ التَّوازن في المعرفة والإيمان، فلا إيمان إلَّا من خلال العقل، لأنَّ العقل هو الَّذي يميِّز بين الحقِّ والباطل، وبين الهدى والضَّلال، وبين الخير والشرّ، لينطلق اختيار الإنسان من موقع الرّشد.

ومن خلال العقل، ينطلق العلم ليفتح للإنسان آفاق الحياة، بأسرارها العميقة، وقضاياها المعقَّدة، وشؤونها المتنوّعة، وحساباتها الدَّقيقة، بحيث يملك الإنسان من خلال العلم وضوح الرؤية للأشياء، فيفكِّر في نور، ويتحرَّك في نور، بينما يمثِّل الجهل الأفق الضيِّق، والظَّلام الدَّامس، والتخلّف والقلق والغموض في وعي الأمور.

وهذا هو الّذي يمنح الإنسانَ القيمة عند الله وعند الناس، وهو الذي يُعطي للعبادة قيمتها أيضاً، فقد ورد عن رسول الله (ص)، أنّه أتاه قومٌ فأثنوا على رجل، فسألهم: «كيف عقلُ الرّجل؟ قالوا: يا رسول الله، نخبرك عن اجتهاده في العبادة وأصناف الخير وتسألنا عن عقله؟ فقال: إنَّ الأحمقَ يصيب بحُمْقِه أعظم من فجور الفاجر، وإنّما يرتفع العباد غداً في الدَّرجات وينالون الزّلفى من ربّهم على قدر عقولهم» .

وعن عليّ (ع): «على قدْرِ العقل يكون الدِّين» ، و«لا دين لمن لا عقل له» .

وعن الإمام عليّ الهادي (ع)، أنّه سأله ابن السِّكِّيت: ما الحجّة على الخلق اليوم؟ فأجابه (ع): «العقل، يُعرف به الصَّادق على الله فيصدّقه، والكاذب على الله فيكذّبه» .

وعلى هذا الأساس، فإنّ الإسلام لا يقبل أن يأخذ النّاس بأسباب الخرافة والتخلّف في ما يعتقدونه أو يقومون به، بل لا بدَّ من أن ينطلق المسلم في عقيدته وفي عمله على أساس العلم لا الجهل.

ونلاحظ أنَّ ثمة أناساً في الأمَّة، وفي خارجها أيضاً - من أجهزة المخابرات وغيرها - ممن يريدون أن يصوِّروا الإسلام بأنّه دين الجهل والتخلّف، وأن يَظهر المسلمون، سواء كانوا سنّةً أو شيعةً، ولا سيَّما في الفضائيّات، بالصّورة الجاهلة المتخلّفة والمتعصّبة التي تبعد النّاس عن الإسلام.

ولذلك، فإنَّ مجتمع العقل هو الّذي يعيش النَّقد لذاته ولأفكاره، وقد ورد عن عليّ (ع): «على العاقل أن يحصي على نفسه مساويها في الدّين والرَّأي والأخلاق والأدب، فيجمع ذلك في صدره أو في كتابٍ ويعمل في إزالتها» .

أيّها الأحبَّة، هذا هو الإسلام الّذي يريدنا أن نعيش الحياة على أساس العقل، وأن نرتفع بها على أساس العلم، وأن ننطلق لنغني الحياة من خلال ذلك.

 

السيد محمد حسين فضل الله

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة