بسم الله الرحمن الرحيم
مستمعينا الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أهلاً بكم في حلقة أخرى أيها الأحبة من برنامجكم هذا حيث نستنطق فيها الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة للحصول على إجابة عن سؤال يتردد في أذهان الكثيرين هو:
هل أن إتخاذ الدنيا مزرعة للآخرة يعني الإعراض عن التمتع بالنعم الدنيوية.
نسعى معاً مستمعينا الأفاضل للتدبر في النصوص التالية سعيا للحصول على الإجابة، كونوا معنا.
تأملوا أحباءنا في قول الله عزّ وجل في الآية الثانية والثلاثين من سورة الأعراف، وهو يشير بلطف الى حب المنعم لجميل الإستفادة من نعمه، قال تبارك وتعالى: "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ".
ويقول تبارك وتعالى في الآيات الرابعة من سورة المائدة: "يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ".
ثم يؤكد ذلك في الآية الخامسة من هذه السورة وبعد نزول آية إكمال الدين وإعلان الولاية العلوية: "الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ".
- ونقرأ أحباءنا في الآية ۱٥۷ من سورة الأعراف أن تحليل التمتع بالطيبات من مظاهر الرحمة الإلهية التي جاء بها الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وآله وسلم- حيث يقول عزّ وجل في مقام مدح المؤمنين: "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".
وقال الله تبارك وتعالى في الآيات العاشرة الى الثالثة عشر من سورة الرحمان المباركة وكنموذج لكثير من الآيات النعم الإلهية التي تذكر النعم الإلهية التي جعلها لعباده: " وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ * وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ".
المستفاد بوضوح من هذه الآيات وغيرها أن الله عزّ وجل جعل نعماءه والطيبات للأنام عموماً يتمتعون بها، وخص المؤمنين بأن هذه النعمة الطيبة هي لهم بالدرجة الأولى في الحياة الدنيا يشكرونه عليها فيجعلها خالصة في الحياة الآخرة دون الكفار الذين يتمتعون بها ولايشكرونه عزّ وجل فتكون لهم هذه النعم في الدنيا دون الآخرة.
مستعمينا الكرام، هذه الإجابة القرآنية نجد تفصيلاتها البليغة في أحاديث الثقل الثاني في كثير من النصوص الشريفة نقرأ لكم بعضها.
روي في الكافي ونهج البلاغة والإحتجاج وغيرها من المصادر المعتبرة أن أحد أصحاب أمير المؤمنين- عليه السلام- هو العلاء بن زياد شكى له أن أخاه عاصم بن زياد قد لبس العباءة الخشنة وتخلى عن الدنيا، أي عن التمتع بنعمها فإستدعاه أمير المؤمنين- عليه السلام- وقال له:
(يا عدي نفسه، (أي معاديها)، لقد إستهام بك الخبيث، (يعني الشيطان)، أما رحمت أهلك وولدك، أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكره أن تأخذها؟ أنت أهون على الله من ذلك).
ثم قال- عليه السلام- له: (أو ليس الله يقول "وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ" ؟ أو ليس الله يقول "مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ"، أو ليس الله يقول: "يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ". فبالله لابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه سبحانه من إبتذالها بالمقال، وقد قال الله عزّ وجل "وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ".
مستمعينا الأفاضل، ومعنى إبتذال النعم بالفعال هو الإستفادة والتمتع بها عملياً بصورةٍ صحيحة وهذا هو شكرها العملي وهو أحب الى الله عزّ وجل من شكرها بالقول أي إبتذالها بالمقال.
وقد جاء في تتمة هذا الحديث، أن عاصم بن زياد سأل أميرالمؤمنين – عليه السلام- عن سيرته هو فقال: يا أمير المؤمنين، فعلام إقتصرت في مطعمك على الجشوبة وفي ملبسك على الخشونة؟
فأجابه- عليه السلام-: إني لست كأنت، إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس، كيلا يتبيغ- أي لايؤذي- الفقير فقره.
وبعد أن سمع عاصم هذه الموعظة ترك ما كان عليه وعاد للتنعم بنعم الله عزّ وجل وشكره- عزّ وجل- عليها.
وروي، أيها الإخوة والأخوات، في الوسائل أن سفيان الثوري دخل على الإمام الصادق- عليه السلام- فرأى عليه ثياباً جميلة، فقال له: إن هذا اللباس ليس من لباسك.
فأجابه- عليه السلام-: (إسمع مني وع ما أقول لك فإنه خيرٌ لك عاجلاً وآجلاً إن أنت مت على السنة ولم تمت على بدعة)
ثم قال- عليه السلام-: ( أخبرك أن رسول الله- صلى الله عليه وآله- كان في زمنٍ مقفرٍ جدب، فأما إذا أقبلت الدنيا فأحق أهلها بها أبرارها لا فجارها ومؤمنوها لا منافقوها ومسلموها لا كفارها، فما أنكرت يا ثوري؟! فو الله إني لمع ما ترى ما أتى عليّ مذ عقلت صباحٌ ولا مساءٌ ولله في مالي حق أمرني أن أضعه موضعاً إلا وضعته).
إذن نخلص مستمعينا الكرام الى أن الله يحب لعباده أن يتمتعوا بنعمه في الدنيا قبل الآخرة والعمل للآخرة لايعني الإعراض عن التمتع بالطيبات في الدنيا ولكن بالصورة السليمة طبعاً.
وبهذه النتيجة ننهي لقاء اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. تقبل الله أعمالكم ودمتم في أمان الله.