تشير التصريحات الأخيرة للمسؤولين الأميركيين الذين يعتبرون واشنطن راعية لاتفاقيات التطبيع بين دول عربية و"إسرائيل"، إلى تخوفهم الواضح من نشاط المقاومة الفلسطينية بشكل خاص في الضفة الغربية، وما تسجله من عمليات ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي.
السفير الأميركي السابق لدى "إسرائيل" دانيال شابيرو، قال في جلسة استماع أمام الكونغرس، إنّ اتفاقيات التطبيع مع "إسرائيل" تواجه تحديات جديدة. ووفق موقع "atlantic council"، قال شابيرو إنّ أبرز التحديات تتمثل في الدعم المنخفض نسبياً للتطبيع وتراجع شعبيته حتى في الإمارات والبحرين، محذّراً من تداول الرواية التي تقول إنّ السعودية مستعدة "لتطبيع العلاقات مع إسرائيل غداً".
وأرجع شابيرو السبب إلى "تصاعد التوترات الإسرائيلية - الفلسطينية"، ودعوات بعض المسؤولين الإسرائيليين إلى اتخاذ خطوات قد ترقى إلى الضم الفعلي للضفة الغربية أو تحدي الوضع الراهن في الأماكن المقدسة في القدس، ما أثر في شعبية اتفاقيات التطبيع.
وتبني واشنطن آمالها على أن يتم توقيع اتفاقية التطبيع هذه قبل نهاية العام الجاري، بناءً على تصريحات إسرائيلية حيث ألمح رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، إلى أنّ "أحد أهدافه الرئيسة في الفترة المقبلة سيكون توقيع اتفاق تطبيع مع السعودية".
وفيما تعمد بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية المقربة من نتنياهو للحديث عن تطبيع وشيك مع السعودية، تتحدث وسائل إعلام إسرائيلية أخرى، بأنّ "السعودية لا تريد الآن التطبيع مع إسرائيل"، وحان الوقت "كي نفهم الإشارة".
يأتي ذلك في وقتٍ تتصاعد فيه عمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، مما يجعل الداخل الإسرائيلي يتخبط في الفوضى، ويحول دون إتمام الصفقات الخارجية، كاتفاقيات التطبيع على سبيل المثال.
لطالما سلطت وسائل الإعلام الإسرائيلية الضوء على مخاوف الاحتلال من تصاعد حدة عمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية على وجه الخصوص، حيث رأى موقع "والاه" الإسرائيلي أنّ "كمائن جنين المتطورة، وعمليات الضفة الغربية، غيّرت قواعد اللعبة"، مؤكداً أنّها تُعَدّ "ذروة جديدة في التصعيد في المنطقة".
وقال اللواء في احتياط الاحتلال، وعضو حركة "الأمنيين"، غرشون هكوهين، إن كميناً في جنين، ألحق أضراراً بمركبات عسكرية لقوات الاحتلال الإسرائيلي، أكد أنّ هناك "اصطفافاً يحارب إسرائيل بطريقة منظّمة".
وشهدت العمليات الفدائية الفلسطينية تصاعداً هاماً في وتيرتها ونوعيتها، منذ العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، ومع اندلاع "انتفاضة القدس" عام 2015، ازداد الحديث عن أنّ الساحة الفلسطينية تشهد مرحلة جديدة أقرب إلى انتفاضة ثالثة حقيقية، تستمر منذ 8 سنوات.
لذا، تخلق العمليات المباغتة للمقاومة الفلسطينية على قوات الاحتلال الإسرائيلي، حالة من الفوضى تجعلها تصب جلّ تركيزها على كيفية التعامل مع هذه العمليات وإيقاف خسائرها التي تلحق بقوات الاحتلال، وبالتزامن مع تصاعد حدة عمليات المقاومة، تصبح الملفات الخارجية بالنسبة لـ"إسرائيل" ليست أولوية، كملف "التطبيع".
ضباط إسرائيليون لفتوا إلى أنّ العمليات الفدائية الفلسطينية تثبت ضرورة العمل على إعادة "الردع الإسرائيلي" والذي أثبتت عمليات المقاومة أنّ "إسرائيل" فقدته، وبحسب قول اللواء في احتياط الاحتلال، ورئيس "الموساد" السابق، داني ياتوم، فإن "العمليات تشير إلى أنّه يجب القيام بعمل مُضنٍ لإعادة الردع".
مر أكثر من عامين على توقيع أول اتفاقية تطبيع بين "إسرائيل" ودولة عربية هي الإمارات التي جرت في 13 آب/أغسطس من العام 2020، ثم تبعتها اتفاقية تطبيع بين "إسرائيل" والبحرين، وذلك في 15 أيلول/سبتمبر، من العام ذاته برعاية الولايات المتحدة الأميركية.
ولا يغفل على من يتابع تطورات الساحة الفلسطينية أن العمليات الفدائية تصاعدت بشدة خلال هذين العامين، في وقتٍ توقعت فيه "إسرائيل" أنّ تخلق لها اتفاقيات التطبيع حاضنة في المنطقة، تسقط عنها صفة "العدو" الإسرائيلي.
وأثبتت المقاومة الفلسطينية خلال عملياتها الأخيرة، أن رقعة عملياتها تسمح لها باستهداف أماكن وجود العدو أينما حل، حيث سجل العام 2022 عمليات فدائية لا تنسى، مثل عملية "بئر السبع"، وهجوم "الخضيرة"، وهجوم "بني براك"، واستهداف حاجز للاحتلال في "شعفاط"، وعملية "سلفيت"، وغيرها من العمليات في الضفة والقدس المحتلة.
ومع بداية العام 2023، استمرت العمليات الفدائية الفلسطينية، من هجوم، وطعن، وإطلاق نار، باستهداف مستوطني الاحتلال، وحواجز قواته، مثل هجوم الشهيد خيري علقم في "بني يعقوب"، والهجوم المتكرر على حاجز "حوارة"، والهجوم على شارع "ديزنغوف" داخل "تل أبيب"، وغيرها من العمليات التي ألحقت الخسائر في صفوفه، كما وصف مسؤولو الاحتلال.
ويأتي تقارب إيران مع محيطها العربي بما تمثله طهران من داعم للمقاومة ليقف حاجزاً أمام "إسرائيل" في مسار التطبيع لا سيما فيما يتعلق بالتقارب الإيراني - السعودي، في وقتٍ كانت تسعى فيه "إسرائيل" إلى إنشاء جبهة موحدة ضد ما تسميه التهديد الإيراني لوجودها ومصالحها.
وجعل هذا التقارب "إسرائيل" في حالة من القلق، من جانب اشتداد جبهة المقاومة قوة، عبر داعميها، ومن جانب عرقلة مسار اتفاقيات التطبيع التي يرمي الاحتلال إلى إتمامها مع دول المنطقة.
تعتبر "إسرائيل" نفسها اليوم مع تصاعد عمليات المقاومة الفدائية، والفوضى الداخلية التي يعاني منها الاحتلال من انقسامات ومعارضة لحكومة نتنياهو وقراراتها، في موقف يجعلها غير قادرة على إتمام صفقات التطبيع.
وبدا واضحاً أنّ أهداف "إسرائيل" في خلق جو هادئ لها عبر التطبيع مع دول المنطقة لم تنجح، حيث استمرت عمليات المقاومة النوعية لا بل اشتد إزرها خلال العامين الماضيين اللذين شهدا توقيع اتفاقيات تطبيع مع دول عدة.
الميادين/رماح إسماعيل