ومن الصادقات المجاهدات على مستوى الكلمة في خط اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم المرحومة المجاهدة سودة بين عمارة الهمدانية، هذه المرأة المباركة سجل لها المؤرخون اعنف المواقف دفاعاً عن الحق عن الامام امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه.
دخلت هذه المرأة يوماً من الايام على معاوية طبعاً بعد استشهاد امير المؤمنين واستغل هنا الموقف معاوية لما يعرف لهذه المرأة من دور جهادي رائد يوم صفين في نصرة الامام امير المؤمنين صلوات الله عليه وكان معاوية كأحدى مهامه وطموحاته القوية هو الانتقام وملاحقة ومطاردة كل كمن ساهم في نصرة او دعم امير المؤمنين في اي مجال كان فلما ادخلت عليه استغل الفرصة وصار ينال منها ويأنبها على مواقفها يوم صفين وعلى اهازيجها وتحريضها على نصرة الامام امير المؤمنين فيبدو ان احضر هذه المواد من قبل ان تحضر اليه هذه المرأة المجاهدة وهي سودة بنت عمارة الهمدانية فأول ما فتح الحديث معها قال انت القائلة يوم صفين:
شمر كفعل ابيك يا بن عمارة
يوم الطعان وملتقى الاقران
وانصر علياً والحسين ورهطه
واقصد لهند وابنها بهوان
ان الامام اخو النبي محمد
علم الهدى ومنارة الايمان
فقد الجيوش وسر امام لواءه
قدماً بأبيض صارم وسنان
هذه المرأة بدلاً من ان تنهار واذا هي تفاعلت بمنتهى الجرأة امام الحضار وكلهم من اذناب وذيول معاوية والامويين وقالت: نعم والله انا قد قلتها، ما مثلي من رغب عن الحق واعتذر بالكذب فقال لها معاوية: ماذا حملك على ذلك؟
قالت: حملني على ذلك حب مولاي امير المؤمنين واتباع الحق والقول به.
فقال معاوية: والله ما ارى عليك من اثر علي.
قالت: انشدك الله نسيت ما مضى من موقف اخي وذكرته بموقف اخيها المجاهد فهنا صار معاوية يراوغ في الكلام.
فقال لها: نعم كان لأخيك مجداً كذا وكذا وكأنه يريد تلطيف الجو.
وقال: لافظ فوك، لم يكن اخوك خفي المقام، كان والله كقول الخنساء:
وان صخراً لتهتم الهداة
به كأنه علم في رأسه نار
قالت: يا معاوية ان الله مسائلك عن امرنا وما افترض عليك من حقنا ولا يزال يقدم علينا من قبلك من يسمو بمكانك ويبطش بقوة سلطانك فيحصدنا حصد السنبل ويدوسنا دوس الحرمل ويسومنا الخصم ويذيقنا الحتف فهذا عاملك بسر بن ارطاط قدم علينا فقتل رجالنا ونهب اموالنا وروع اهلنا فأن عزلته عنا شكرناك وان ابقيته عندنا كفرناك هنا توتر معاوية وبحالة متشنجة قال يا سودة تهدديني بقومك؟ لقد هممت ان احملك على قتب اشوس يعني ظهر الدابة فأردك اليه فينفذ حكمه فيك فأطرقت سودة هذه المرأة المجاهدة الى الارض وعيناها تدمعان ثم قالت:
صلى الاله على جسم تضمنه
قبر فأصبح فيه العدل مدفوناً
قد خالف الحق لايبغي به بدلاً
فصار بالحق والايمان مقروناً
هذا الرد والبدل والسجال كله كان يجري بشكل علني في مجلس معاوية المليء بأولئك الذين ذكرتهم قبلل لحظات واذا هذه المرأة هكذا تجيبه ثم تقرأ هذه الابيات:
صلى الاله على جسم تضمنه
قبر فأصبح فيه العدل مدفوناً
هذه قذائف تطلقها على عرش معاوية فقال لها: معاوية من هذا الذي تصفينه؟
قالت: ذاك مولاي امير المؤمنين علي بن ابي طالب.
فقال معاوية: وما صنع بك حتى صار عندك هكذا؟
قالت: اسمع لأقول: قدمت عليه اشكو عنده رجلاً كان قد ولاه علينا فجار فينا فلما شكوته عنده وكان الامام قائماً يهم بصلاته يعني يريد ان ينوي الصلاة، لما سمعني انفتل من صلاته ثم اقبل علي برحمة وعطف ورأفة وقال: الك حاجة يا امة الله فأخبرته بما جرى.
فقلت: هذا الوالي وهذه قضيته وهذا سلوكه معنا فبكى ورمق السماء بطرفه وقال: "اللهم انت الشاهد علي وعليهم واني لم امرهم بظلم خلقك".
ثم اخرج قطعة من جلد ثم كتب: «بسم الله الرحمن الرحيم، قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ».
فأذا قرأت كتابي هذا فأحتفظ ما بيدك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام يعني الخلاصة، فحوى الرسالة نصاً ومضموناً ان اخرج ويأتي البديل مكانك، هذه ترويها المرأة في مجلس معاوية والكل يسمع، طبعاً هذه تستحق ان يقتلها معاوية مئة مرة، معاوية لايستطيع ولاصدره يسع ان يسمع فضائل للامام امير المؤمنين ومن مرأة ضعيفة ورقيقة المشاعر وعيونها تدمع وهي تروي الحالة، تدمع عيونها على غياب ذلك العادل، ذلك الشفيق على الامة وهو امير المؤمنين فتقول فوالله ما ختمها بطين ولاحزمة يعني هي رسالة سرية لا، فأعطى الرقعة بيدي وما ختمها فجئت بالرسالة الى بلدنا واعطيتها الوالي فأنصرف عنا معزولاً.
تقول له: هذا علي وهذا انت، هذا اجراءك وهذا اجراء علي، انت تهددني وانا اشكو لك بسر بن ارطاط وانت تقول اكتب للوالي يضعك على حمار او دابة، الامام علي تفاعل معي وكان هذا موقفه من الوالي هنا اضطر معاوية وهو يعاني خزياً ويعاني انهزاماً فقال: ماذا اخذ منك بسر بن ارطاط لأرجعه لك؟
ثم التفت اليها وقال لها: يعني هو يوجه رسالة للكل ويقول لقد لمضكم بن ابي طالب بالجرأة على السلطان يعني علمكم الجرأة والشجاعة وان تتجرأوا على السلطان، اي سلطان؟
الامام (سلام الله عليه) في الواقع طبق الديمقراطية الحقيقية التي نشدها الاسلام، اعطى الشعب الحق الديمقراطي في محاسبة الحاكم، في مراقبة الحاكم وابداء رأيه في قراراته ومناقشة قوانينه، يقول لها: لقد لمضكم ابو طالب الجرأة على السلطان فبطيئاً ما تفطمون. فخرجت المرأة من مجلس معاوية منتصرة والبسته ثوب الفشل والخجل، هذه سودة الهمدانية وهذه احدى مواقفها.
*******