بسم الله وله الحمد والمجد على نعمائه،، ثم الصلاة والسلام على أشرف خلق الله سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.. تحية طيبة لكم وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء القرآني وحلقة أخرى من برنامج "نهج الحياة" حيث سنكمل فيها تفسير ما تبقى من آيات سورة المزمل المباركة..
بداية أيها الأفاضل ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيات الخامسة عشرة والسادسة عشرة من سورة المزمل المباركة..
إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً{15} فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً{16}
الشهادة، أيها الأفاضل، تعني أن الإنسان يرى الشيء ويسمعه بحواسه، واستناداً إلى آيات القرآن الكريم والروايات، فإن النبي الأكرم والأولياء المعصومين (ع) شهود على الأعمال كلها.
وتكررت كلمة (رسول) في هذه الآيات، لتشير إلى أن مخالفة الأنبياء كانت فقط بسبب مقام رسالتهم، وكذلك تكرار إسم (فرعون) كان للتأكيد على أن أعتى قدرة لاتقدر على الدفاع أو المواجهة في مقابل العذاب الإلهي. وأما كلمة "وبيل" أيها الكرام، فبمعنى الوخيم والثقيل.
ومن تعاليم هاتين الآيتين الكريمتين أولاً: النبي الأكرم (ص) عنده رقابة كاملة على أمته وهو شاهد عليها.
ثانياً: فلسفة بعث الأنبياء واحدة في كل الأزمنة.
ثالثاً: عند محاربتكم للمنكرات، أقصدوا رأس الفساد.
ورابعاً: عصيان أمر رسول الله، سبب للإبتلاء.
أما الآن، إخوة الإيمان، ننصت معاً خاشعين إلى تلاوة الآيات السابعة عشرة حتى التاسعة عشرة من سورة المزمل المباركة.
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً{17} السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً{18} إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً{19}
كلمة (هذه) في (إن هذه تذكرة..) أيها الكرام، قد يقصد منها الإشارة إلى نافلة الليل التي ذكرت في أول السورة، مثلما وردت في الآية التاسعة والعشرين من سورة الدهر بعد أن أمر عزوجل بالسجود والتسبيح الطويل في الليل؛ فقال تعالى (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً) أي أن العبادة في جوف الليل هي الطريق إلى الله، فمن شاء فليسلكه.
ومما نستقيه من معين هذه الآيات الشريفة أولاً: لم يستطع أصحاب النفوذ أن يمنعوا عذاب الله في الدنيا، فكيف بعذاب الآخرة.
ثانياً: الحزن والغم والمصاعب والفشل هي أسباب للشيخوخة المبكرة.
ثالثاً: تؤثر أخطار يوم القيامة على الإنسان، وكذلك على السموات.
ورابعاً: تقتضي ربوبية الله علينا أن نختار سبيله.
أما الآن، إخوتنا الأطائب، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآية العشرين وهي آخر آية سورة المزمل المباركة..
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{20}
أيها الأفاضل، تقول هذه الآية الكريمة: لا تغتروا إذا قمتم بأعمال حسنة من قبيل صلاة الليل وقراءة القرآن ومساعدة المحرومين؛ لأنكم مع هذا بحاجة للإستغفار أيضاً.
كما تبين هذه الآية كيف أن الإسلام دين جامع لدمع الليل وجهاد النهار، للإرتباط بالله ومساعدة الفقراء، لتلاوة القرآن والأسفار التجارية، وللقيام بأعمال الخير والإستغفار, كما تقول الآية: محاسبة هذه الأوقات أمر صعب لن تقدروا عليه؛ لذا فقد عفا الله عنكم، ومن الآن فصاعداً، قوموا للعبادة متى ما استطعتم وبالمقدار الذي تقدرون عليه وصلوا واقرؤوا القرآن وبالأخص إن كنتم مرضى أو مسافرين.
وقد نقل الإمام الرضا (ع) عن النبي الأكرم (ص) أنه قال في تفسير آية " فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ" : إقرأوا القرآن طالما امتلكتم الخشوع وصفاء القلب.
ومما تعلمه إيانا هذه الآية الكريمة أولاً: علم الله بأحوال عباده هو أحسن دافع للقيام بأعمال الخير.
ثانياً: ترك الله عزوجل الإنسان حراً في تعيين مقدار عبادة الليل، حتى يقدر أشخاص أكثر على أدائها، ويصلي كل شخص بمقدار استطاعته.
ثالثاً: من أفضل آداب إحياء الليل، تلاوة القرآن وإقامة الصلاة.
رابعاً: التكاليف الإلهية يسيرة ولا تلقي الإنسان في مشقة.
خامساً: كسب المال الحلال فضل من الله تعالى شأنه.
سادساً: يجب أن يعطى القرض بأسلوب حسن، بأن يعطى بإخلاص وبسرعة وبعيداً عن أي منة.
وسابعاً: لا يظنن أحد أنه بعيد عن القصور والتقصير؛ لأنه وإن أدينا كل التكاليف نحتاج أيضاً للإستغفار.
مع ختام تفسير سورة المزمل، إخوتنا الأفاضل، وصلنا الى ختام هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" فحتى الملتقى في حلقة قادمة وتفسير سورة أخرى من سور القرآن الكريم نستودعكم الباري عزوجل والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.