رُوِيَ عن الإمام علِيَّ ـ عليه السلام ـ أنه قال: "آفَـةُ الْأَمَـلِ الْأَجَـلُ".

إنه الأمل الخاصِّية الفِطرية الأصيلة في الإنسان، والمُحرِّك الأهم له في الحياة، والدافع الأكبر الذي يدفعه إلى العمل، والسبب الأهم من أسباب تطوره وتقدمه في مختلف مجالات الحياة، إن حياة الإنسان قائمة على الأمل ولولاه لما كانت حياة ولا نُمُوٌّ، إنه رحمة من الله بالإنسان بل بالخلق كله.

وقد ورُوِيَ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أنه قال: "إنَّمَا الأَمَلُ رَحمَةٌ مِنَ اللّهِ لِاُمَّتي، لَولَا الأَمَلُ ما أرضَعَت أُمٌّ وَلَداً، ولا غَرَسَ غارِسٌ شَجَراً" فإذا فقد الإنسان الأمل فلا أُمَّ تُنجِب، ولا تُرضِع، ولا تُرَبّي، ولا تصبر، ولا زارع يزرع، ولا بنّاء يبني، ولا مخترع يخترع، ولا باحث يبحث، ولا مكتشف يكتشف، ولا تاجر يتاجر، ولا مسافر يسافر، ولا أحد يعمل ويطمح ويضع لنفسه هدفاً يسعى لتحقيقه ولا غاية يروم أن يبلغها، ولا يتقدم المجتمع الإنساني خطوة واحدة نحو الكمال.

إن الإنسان مفطور على طلب الكمال، وقد وهبه الله الخَلّاق العليم طاقات فريدة يستطيع أن يبلغ بها كماله المنشود، والأمل واحد من تلك الطاقات الخلّاقة فإن تمكن المرء استثماره وتوجيهه وجهته الصحيحة لبلغ غايته. 

وبهذا نفهم أهمية الأمل بالنسبة إلى الإنسان، فالأمل كقوة دافعة له، مُولِّدة لطاقة عجيبة يحتاج إليها في سَيره نحو غاياته، الأمل شُعلة متوهجة  في النفس لا يخبو نورها، تمده بالتفاؤل والقوة والحيوية، ومتى ما كان الأمل فاعلاً، سيكون نِعم الرفيق ونِعم المُؤنس، رفيق رحمة وطمأنينة، ومن دونه لا تستقيم حياة المرء ولا يُنجِزُ شيئاً.

لكن للأمل آفة، آفة مُحَقَّقَة، آفة آتية لا محالة، إنها آفة الأَجَل، والأجل آتٍ بلا رَيب، فكم من مُؤَمِّلٍ شيئاً لا يُدركه، إذ يسبقه الأَجَل إليه، وكم من يروم أمراً يخطفه الموت قبل أن ينجزه، وما أكثر الآمال المدفونة مع أصحابها تحت التراب، وما أكثر الأماني التي ذهبت بها الآجال أدراج الرياح.

إن ذلك يُحَتِّمُ على الإنسان أن يعمل وفق القاعدة العملية الرائعة التي وصلتنا عن الأئمة الأطهار عليهم السلام: "اعْمَلْ لِدُنْيَاك كَأَنَّكَ تَعِيشُ أَبَداً، واعْمَلْ لآخِرَتِك كَأّنَّكَ تَمُوتُ غَداً" فيجب أن يعيش التوازن الفكري والعقائدي والرُّوحي والعملي في علاقته بالدنيا والآخرة، فيعمل لآماله في الدنيا كأنه سيعيش طويلاً، ويعمل لآماله في الآخرة كأنه سيموت غداً. يسعى في حاجاته الدنيوية كلها، ويسعى في واجباته الأخروية كلها، فإن طال عمره أدرك أمله في الدنيا، وإن جاءه أجله أدرك حاجاته في الآخرة، وهذه من أعظم المبادئ لحياة متوازنة حيوية فاعلة.

بقلم /الباحث في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي