قبل الحديث عن كميات الكهرباء التي تستهلكها صناعة البيتكوين، والسر في ارتفاعها، يجب أن نرصد أولا الوضع الحالي للقطاع.
تمر صناعة العملات المشفرة بأزمة كبيرة بعد توجيه تهم جنائية علنية إلى كبار الشخصيات المشفرة في جميع أنحاء العالم، من الولايات المتحدة إلى كوريا الجنوبية.
انهيار وفضيحة
بعد الانهيار الفاضح لـFTX، إحدى كبرى بورصات العملات المشفرة في العالم، صعد المنظمون حملة قمع ضد شركات العملات الرقمية.
بينما يواجه قطاع العملات المشفرة هجوما كبيرا في تاريخه القصير، فإن العديد من العملات المشفرة يتم تداولها حاليا عند مستويات أسعار مرتفعة بشكل ملحوظ.
قبل بضعة أسابيع فقط، أظهرت بيتكوين انتعاشا مذهلا حيث تم تداولها فوق 28 ألف دولار لأول مرة منذ يونيو/حزيران.
يرجع جزء كبير من الزيادة في أسعار العملات المشفرة إلى المستثمرين الذين يرون العملة الرقمية كبديل للنظام المصرفي التقليدي أو الذين يعتقدون أن الاحتياطي الفيدرالي قد يبطئ وتيرة زيادات أسعار الفائدة، وفقًا لتقارير من وول ستريت جورنال.
عودة كثيفة لعمال المناجم
استجابة لارتفاع أسعار العملات المشفرة، يتم جذب المزيد من عمال المناجم إلى الصناعة، ما يعني أن العملة المشفرة تسير الآن على الطريق الصحيح لتحقيق عام قياسي.
وفقا لمؤشر استهلاك بيتكوين للكهرباء بجامعة كامبريدج، فإن تقديرات بيتكوين للطلب على طاقة الشبكة في أعلى مستوياتها على الإطلاق، وهو ما يعني أن العملة المشفرة تتسبب في زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
يبلغ الطلب حاليا حوالي 16 غيغاواط، أو حوالي 138 تيراوات ساعة سنويا، أي ما يعادل استهلاك دولة باكستان بأكملها، التي يبلغ تعداد سكانها 231.4 مليون نسمة.
الصناعة مستمرة في النمو، تظهر آثارها السلبية والمتسارعة على المناخ، لذلك يبحث صناع السياسة عن طرق لتثبيط تعدين العملات المشفرة كثيف الطاقة.
في الشهر الماضي، أصدرت وزارة الخزانة إطار عمل للميزانية يتضمن ضريبة بنسبة 30% على الكهرباء التي يستخدمها عمال المناجم المشفرة.
الأرقام السابقة يمكن ترجمتها في قصة واقعية نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" حول مخاطر عديدة من إنتشار مناجم تعدين العملات المشفرة علي رأسها البتكوين في الولايات المتحدة.
كهرباء بلا حدود
وبعد أن كانت هذه الصناعة حكرا على الصين، إلا أن تكلفة استهلاك الكهرباء العالية دفعتها للخروج الى الولايات المتحدة ومناطق أخرى.
دمرت عاصفة الشتاء أوري محطات الطاقة في جميع ولاية تكساس، تاركة عشرات الآلاف من المنازل في ظلام تام وسط انتشار كثيف للثلوج دون تدفئة تذكر وبحلول نهاية 14 فبراير/شباط 2021، وتوفي ما يقرب من 40 شخصا أغلبهم بسبب البرد القارس.
لكن في هذه الأثناء، كان هناك مصنع على بعد ساعة خارج مدينة أوستن، يضم صفوف كثيرة من أجهزة الكمبيوتر لتعدين العملة المشفرة البيتكوين وهو يستخدم ما يكفي من الكهرباء لتشغيل حوالي 6500 منزل.
تجري هذه الأجهزة تريليونات من العمليات الحسابية في الثانية، بحثا عن مجموعة من الأرقام التي تحولها خوارزمية إلي البيتكوين.
يخمن الكمبيوتر كل 10 دقائق تقريبا الأرقام بشكل صحيح ويفوز بعدد صغير من عملات البيتكوين بلغت قيمتها في الأسابيع الأخيرة 170 ألف دولار.
استمرت أجهزة الكمبيوتر في العمل في يوم العاصفة بالولاية حتى بعد منتصف الليل بقليل ثم أمر مشغل شبكة الكهرباء التابعة للدولة بإغلاقها، بموجب اتفاقية تسمح باتخاذ هذا الإجراء إذا كانت الشبكات على وشك الانهيار.
تعدين العملات المشفرة
في المقابل، بدأت شركة الكهرباء تدفع لشركة "بيت دير" لتعدين العملات المشفرة ومالكة أجهزة التعدين في المتوسط 175 ألف دولار في الساعة تعويضا لإبقاء أجهزة الكمبيوتر غير متصلة بالإنترنت.
وبناء علي ذلك, حققت شركة "بيت دير"أرباحا بلغت أكثر من 18 مليون دولار لعدم التشغيل خلال 4 أيام وهي الرسوم التي دفعها في النهاية سكان تكساس الذين تحملوا العاصفة.
وحددت الصحيفة 34 عملية واسعة النطاق، تعرف باسم مناجم بيتكوين في الولايات المتحدة، وكلها تمارس ضغطا هائلا على شبكة الطاقة ومعظمها تجد طرقا جديدة للاستفادة من القيام بذلك.
ويمكن أن تخلق عملياتهم تكاليف بما في ذلك فواتير الكهرباء المرتفعة والتلوث الكربوني الهائل لكل من حولهم، ومعظمها لا علاقة لها بتعدين البيتكوين.
كان معظم تعدين البيتكوين في الصين حتى يونيو/حزيران 2021، ثم أخرجت عمليات تعدين البيتكوين على خلفية مشاكل تتعلق بحجم استخدامها للطاقة وأسباب أخرى، وسرعان ما أصبحت الولايات المتحدة رائدة الصناعة على مستوى العالم.
ومنذ ذلك الحين, لم يتم تحديد حجم الكهرباء الذي تستخدمه مناجم البيتكوين في أمريكا وكذلك تأثيرها على إمداد الطاقة كما أن تأثيرها البيئي غير واضح على وجه التحديد.
ووضعت الصحيفة أكثر التقديرات شمولا حتى الآن حول حجم استهلاك الطاقة لعمليات مناجم البيتكوين والآثار المترتبة لطلبه المفرط للطاقة وذلك اعتمادا علي السجلات العامة والسرية بالإضافة إلى نتائج الدراسات التي كلفت بها.