والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين. ومن عناصر الصادقين المتحركة والنشطة في عهد الامام زين العابدين (سلام الله عليه) هو التابعي الشهيد سعيد بن جبير الاسدي الكوفي (رضوان الله تعالى عليه). لا اعرف تاريخ ولادة هذا العالم الجليل لكن هو احد الذين ائتموا بالامام زين العابدين (سلام الله عليه)، وعالم من علماء الطائفة الامامية مشهور بالفقه والزهد والعبادة، ومشهور بعلم التفسير وهو متفاني في ولاء الامام امير المؤمنين، وبسبب هذا استشهد (رضوان الله عليه)، ضمناً اوكد هو من تلاميذ عبد الله بن عباس واخذ منه علم التفسير وعلوم القرآن، وسعيد بن جبير يحفظ القرآن بسلاسة وبتسلط، يسموه جهبذ العلماء في زمانه، هؤلاء كان انسهم، كانت لذتهم، نشوتهم في طاعة الله، في عبادة الله.
المصادر التي تترجم سعيد بن جبير تقول لا يوجد في زمانه احد من العلماء الا وكان محتاجاً الى علمه، قبره في منطقة واسط في العراق بين الكوت والحي وكان يزار، كانت الناس تترحم عليه كونه معلم من معالم التاريخ ومعلم من المعالم التي تكشف بطش بني امية وبطش القتلة من اتباع بني امية، هذا الرجل سعيد بن جبير (رضوان الله تعالى عليه) كان ينشر مودة اهل البيت وفضائل اهل البيت وهو لا ينقل عن زيد وعمرو وفلان حتى نحتاج الى ثبت ولن يثبت وانما ينقل مباشرة عن الامام زين العابدين، السلطة انذاك كان اقسى وامر شيء عليها من يقول شيئاً من فضائل اهل البيت، كانوا يصرفون ميزانية من خزينة الدولة على من يسرق فضائل اهل البيت وينسبها الى رجالاتهم والى من يعظموهم حتى قد تسمع انت في بعض المحطات من يذكر فضائل لفلان وفلتان وهي فضائل لأهل البيت سرقت، سرقوها بنو امية بعد ان ضخوا الاموال على الكتاب واشتروا الذمم واشتروا الضمائر وارشوا الكتاب والشعراء، كثرت فضائل فلان وفلان، اما تاريخ اهل البيت حاول بنو امية بكل وسائلهم طمسه ودفنه واذا ظهر احداً وهو يتحدث عن فضائل اهل البيت معناه يقوم بعمل انتحاري، يقدم نفسه الى حبل المشنقة، احد هؤلاء الابطال هو من الكوفة وقبيلته قبيلة مهمة في الكوفه بنو اسد منهم حبيب بن مظاهر، الكميت بن زياد الاسدي الشاعر المعروف والخ...، فكان يطارده الكيان الاموي وكان آخر المطاف ان قبض عليه لكن المصيبة هنا، بني امية لم يراعوا حرمة المكان ولا حرمة الزمان، ايام الحج كان خالد القسري حاكماً او قائداً، وايام الحج دخل الى البيت الحرام سعيد بن جبير، هذا المكان القرآن يقول«وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا» لكن نفس العملية التي خططوها للحسين (عليه السلام) يزيد بن معاوية ارسل ثلاثين شيطاناً يحملون السيوف تحت الاحرامات لقتل الحسين حتى ولو كان متمسكاً بأستار الكعبة، وكنا نحن عشنا الحالة كان ازلام دكتاتور العراق الهدام يمسكون العلماء والمجتهدين من داخل الحرم، داخل الضريح، عند الضريح يأخذون السادة والعلماء ويذهبوا بهم الى الاعدام والى القتل، على كل القوم ابناء القوم، الحجاج امر خالد القسري ان يقبض على سعيد بن جبير حتى ولو كان داخل الكعبة وفعلاً قبض عليه واقتيد مقيداً اسيراً الى الحجاج بن ابي يوسف الثقفي، والحجاج تاريخه غارق بالدم، هلك الحجاج وفي سجنه مئة وعشرون الف من اتباع اهل البيت ومحبي اهل البيت، هلك بعد ان قام بقتل جماعي ولو ان صدام انسانا كل هذه المذابح وهذا التاريخ الاسود بما ارتكب هو من فضائع. على كل آخر المطاف شاء الله سبحانه وتعالى ان تكون نهاية هذا المسلسل من الاجرام على رقبة وعنق هذا المظلوم سعيد بن جبير ولعله استجابة لدعاءه يقولون حين قتله دعا وقال: الهي لا تسلط الحجاج على احد من بعدي، سبحان الله يقولون بعده بخمسة عشر يوماً هلك الحجاج والخمسة عشر يوماً كان لا ينام فيها ولا يأكل يرتجف ويصيح مالي ولسعيد بن جبير قتلته، مالي ولسعيد بن جبير قتلته وهلك لعنة الله عليه وعلى كل ظالم، فلما اتوا به اسيراً الى الحجاج صار الحجاج يحاول ان يؤذيه بأشكال متعددة اول ما سأله قال له: ما اسمك؟ 
قال: سعيد بن جبير. 
قال: لا انت شقي بن كسير. 
قال: اسم سمته به امي. 
قال له: ما رأيك بفلان هل هو في الجنة ام في النار؟ 
قال: لا دخلت في الجنة لأ عرف وانظر فيها ولا دخلت النار حتى ارى من فيها.
قال له: هل تتبرأ من علي؟ 
قال: لماذا؟ دلني على دين خير من دينه!‌ 
قال: لماذا لا تضحك؟ 
قال: لا تستوي القلوب والابصار، كل وما في نفسه. 
قال: القرآن يقول: فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا، بعد ذلك قال له: اذا ما تبرأ من علي اقتلك.
قال: افعل ما شئت، انالي السعادة ان اقتل شهيداً في سبيل الله وستلقى الله بدمي. 
قال: كيف نريد أن أقتلك؟ 
قال: كما تحب ان اقتلك، لماذا؟ لان الله سبحانه وتعالى في يوم القيامة‌ يوم الفصل يقتص منك كما تفعل بي، لكن هذا الكلام لا يؤثر في قلوب ماتت، آخر المطاف قال للجلاد اقتله، فطرح على الارض فقرأ هذه الآية «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ». 
قال الحجاج: للجلاد غير اتجاهه، غير اتجاهه.
قرأ هذه الآية سعيد بن جبير «فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ» قال للجلاد: كبه على وجهه، لما كيه على وجهه قرأ هذه الآية «مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى»، طبيعة الحال كل هذه في الواقع رسائل تكشف لنا مدى قوة هؤلاء ومدى صلابة هؤلاء والروح الايمانية التي تمتع بها هؤلاء، نحن لا نعرف قيمة وثمن ولاء اهل البيت ومحبة اهل البيت وخط اهل البيت إلا حينما نقف على تاريخ هؤلاء لنعرف بأن الأمر أمر ضخم بحيث يستحق ان هؤلاء ارملت نساءهم وايتمت اطفالهم من اجل ولاءهم لاهل البيت (صلوات الله عليهم)، نحن نسأل الله ان يوفقنا بما تبقى من اعمارنا ان يجعلنا اوفياء موالين محبين لله وللرسول ولاهل البيت، استشهد ولكن اثناء قطع رأسه كان يصرخ الهم لا تسلط الحجاج على احد من بعدي واشخص الحجاج برأسه الى الطاغية الاموي، استشهاده كان عام 95 هجرية وعمره آنذاك 49 عاماً، وقلت: ان الله سبحانه وتعالى احياناً يجعل حركة بعض المظلومين نقطة انتقام، يقول المؤرخون بعد مصرع سعيد بن جبير اصيب الحجاج بمرض الزمهرير فكان يرجف فأحاطوه بمواقد من نار ويرتعش، تغمض عيناه ثم ينتفض ويصيح مالي ولسعيد بن جبير قتلته بلا ذنب، بعض المؤرخين يقولون كان يفتح عينيه ويصرخ ويقول هذا امامي سعيد بن جبير، وهلك الحجاج بعد استشهاد سعيد بن جبير بخمسة عشر يوماً ليلقيا الله سبحانه وتعالى فيحكم بينهما بعدله، أسأل الله سبحانه وتعالى لهذا التابعي المجاهد العالم الجليل سعيد بن جبير الاسدي المزيد من الرحمة والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*******