ولا سيّما أن بعض الناس يؤكّد أن الحيوانات المنزلية، التي تعيش في البيوت، تستشعر أي كارثة قبل وقوعها بثوان أو دقائق، بينما يؤكّد آخرون أنها لا تبدي أي إشارات قبل الزلازل أو الهزّات أو البراكين.
وفي 4 شباط/فبراير 1975، على الرغم من درجات الحرارة المتدنية، فإن عشرات الثعابين خرجت من أوكارها من أجل السبات في الأسابيع التي سبقت زلزالاً بلغت قوته 7.3 درجات، ضرب مدينة هايتشنغ الصينية. وساعد سلوك الزواحف، إلى جانب حوادث أخرى، على إقناع السلطات بإخلاء المدينة قبل ساعات من الزلزال الهائل.
وطوال عدة قرون، تحدّث الناس عن سلوك "غير عادي" للحيوانات قبيل الأحداث الزلزالية: الكلاب تنبح باستمرار، والأبقار توقف درّ حليبها، والضفادع تقفز من البرك. وحاول عدد من الباحثين إثبات وجود ارتباط بين حدوث الزلازل وسلوك الحيوانات.
دراسات بحثت عن إجابة
في دراسة أُجريت عام 2013، صوّر علماء ألمانيون نمل الخشب الأحمر، وهي حشرات لا تعرف معنى الراحة، تقوم ببناء أعشاشها في قاعدة الأشجار الصنوبرية في المستعمرات التي قد تتكون من أكثر من 300.000 نملة. وبعدها، وجدوا أن قبائل النمل غيّرت روتينها المعتاد قبل الزلزال، وأصبحت أكثر نشاطاً في الليل، وأقل نشاطاً خلال النهار، لكن أغلبية هذه الدراسات ومحاولات الحصول على جواب، اعتمدت، إلى حدٍّ كبير، على الأدلة القصصية والملاحظات الفردية، وفقاً لمراجعة جمعية علم الزلازل الأميركية عام 2018، والتي فحصت 180 دراسة سابقة.
وتمكّن باحثون في معهد "ماكس بلانك" لسلوك الحيوان الألماني، في دراسة، من قياس النشاط المتزايد بدقة في مجموعة من الحيوانات الأليفة قبل النشاط الزلزالي. وعلى الرغم من عدم إثبات الرابط النهائي بعد، فإن العلماء يقولون إن النتائج، التي توصّلوا إليها، هي خطوة مهمة في هذا الخصوص.
واستخدم الباحثون أدوات حساسة تسجّل حركات متسارعة، تصل إلى 48 في الثانية، في كل اتجاه. وخلال فترات منفصلة، بلغ مجموعها نحو 4 أشهر في عامي 2016 و2017، قاموا بتوصيل هذه المستشعرات البيولوجية وأجهزة استشعار GPS، بسِتّ أبقار وخَمس أغنام وكلبين تعيش في مزرعة في منطقة معرَّضة للزلازل شمالي إيطاليا.
وتبيّن أن أكثر من 18000 هزة حدثت خلال فترات الدراسة، مع تسجيل مزيد من النشاط الزلزالي خلال الفترة الأولى، عندما ضرب زلزال، بلغت قوته 6.6 درجات، وارتداداته، المنطقة. وأخذ التحليل الإحصائي للدراسة في الاعتبار الحركات والتفاعلات اليومية العادية للحيوانات. وأظهر أن نشاطها زاد، بصورة ملحوظة، قبل الزلازل التي بلغت قوتها 3.8 أو أكثر، عندما تم إيواؤها معاً في حظيرة، لكن ليس عندما كانت في الخارج.
ويزعم الباحثون أن تحليل كل الحركات المتزايدة أظهر إشارة واضحة إلى السلوك الاستباقي للحيوانات قبل ساعات من الهزات. وتقول الدراسة إنه "نوع من نظام التأثير المتبادل. في البداية، تجمّدت الأبقار نوعاً ما في مكانها، وبدا كأن الكلاب ستصاب بالجنون، ثم أدّى ذلك إلى تزايد حركات الأبقار، وحركات الخراف.
ويقول الباحثون إن الحيوانات الأليفة بدت كأنها تتوقع الهزات في أي مكان، خلال فترة تتراوح بين ساعة و20 ساعة، قبل حدوث أي زلزال. ويؤكد الباحثون أن هذه النتيجة تتفق مع فرضية مفادها أن الحيوانات تشعر بطريقة ما، عبر إشارة تخرجها إلى خارج محيطها.
الحيوانات تستشعر خط الصدع
وتؤكد الدراسة أنه، في الأيام التي تسبق وقوع الزلزال، تضغط الصفائح التكتونية المتغيرة على الصخور على طول خط الصدع. ويتسبب هذا التحول بإطلاق الصخور للمعادن التي تطرد الأيونات إلى الهواء، وفقاً لدراسة أُجريت عام 2010.
وهذا التحول وهذا التغير في الصفائح التكتونية تستشعرهما الحيوانات، بحسب ما خلص إليه الباحثون. وتبيّن، وفقاً لهم، أن دراستهم الفردية لم تستطع التمييز بين جميع المحفزات المحتملة، والتي قد تتفاعل معها الحيوانات، لكنهم ما زالوا يرون أنها خطوة أولى جيدة نحو مزيد من الدراسات الأكثر دقة في المستقبل، والتي قد تثبت أن الحيوانات تشعر بالهزات والزلازل قبل وقوعها فعلاً.
ومن جهته، رصد عالم النفس، ستانلي كورين، من جامعة بريتش كولومبيا، اضطراباً في سلوك الحيوانات قبل يوم كامل من الزلزال. لكنه يقول، في الوقت نفسه، إن استشعار الموجة يسمح بالشعور بالزلزال، قبل حدوثه بثوان أو دقائق، ولا يصل الأمر إلى ساعات أو حتى يوم كامل.
ويفترض باحثو معهد "ماكس بلانك" أن هناك شيئاً آخر يتسبب باضطراب الحيوانات قبل كل تلك الفترة من الزلزال. وربما يتسبب ضغط الصخور قبل الزلزال بتأيين الهواء، على نحو تستشعره جلود الحيوانات، أو ربما تتمكن الحيوانات من أن تشم رائحة الغازات المنبعثة من ضغط بلورات الكوارتز قبل وقوع الزلزال.
لكن، إلى الآن، من غير المعروف لماذا يحدث هذا التأثير، ويعمل فريق كبير من الباحثين على دراسته، وربما يساعد، يوماً ما، على تطوير أدوات للكشف المبكّر عن الزلازل.
للحيوانات "قدرة خارقة"
وأظهرت دراسة أميركية حديثة أن للحيوانات "قدرة خارقة" على استشعار الزلازل قبل وقوعها، وأنه يمكن الاستعانة بها إلى جانب شبكات الرصد الأخرى للكشف المبكر عن الزلازل.
وفي دراسة نُشرت نتائجها في دورية Physics and Chemistry of the Earth مؤخراً، أكّد علماء قدرة الحيوانات البرية على التنبؤ بالزلازل قبل بضعة أسابيع من وقوعها، الأمر الذي قد يتيح الاستعانة بالكاميرات التي ترصد السكنات والحركات للحيوانات في الدول المعرّضة بصورة متكررة للهزات الأرضية.
وسجّل العلماء، من خلال سلسلة من الكاميرات التي تم تثبيتها في منطقة في بيرو في حوض نهر الأمازون، التغيرات التي تطرأ على سلوك الحيوانات قبل ثلاثة أسابيع من وقوع زلزال، بلغت شدته 7 درجات، وضرب المنطقة عام 2011.
وخلال فترة زمنية استمرت 23 يوماً قبل وقوع الزلزال، سجل العلماء 5 حركات أو أقل يومياً لهذه الحيوانات، بالمقارنة بخمس و15 حركة في اليوم، في الفترة السابقة على ذلك.
وقال المشارك في التقرير إن "الحيوانات يمكن أن تساعدنا على فهم التغيرات الدقيقة، والتي تسبق الزلازل الكبرى، من خلال الاستعانة بقدرتها الخارقة على استشعار البيئة من حولها،".
وفي هذا الإطار، يقول المنسق المشارك لبرنامج المسح الجيولوجي الأميركي لمخاطر الزلازل إن الحيوانات يمكن أن تشعر بالزلازل عادةً قبل دقائق فقط من حدوثها. كما رأى أن ما تفعله الحيوانات هو رد فعل، وليس موهبة خاصة، بشأن توقع متى وأين يمكن أن يضرب الزلزال. ويختم بأن "علماء الزلازل يود أن يكون لديهم نظام إنذار مبكّر للزلازل، لكن لا يبدو أن الحيوانات هي الحل".