بسم الله الرحمن الرحيم..
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على حبيب قلوب العالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين..
أحبتنا المستمعين الأكارم، سلام من الله عليكم ورحمة منه تعالى وبركات، تحية طيبة لكم أينما كنتم وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة أخرى من برنامج (نهج الحياة) وتفسير ميسر من آي الذكر الحكيم حيث نواصل فيها تفسير آيات سورة الشورى المباركة بداية من الآية التاسعة والعشرين بعد الإستماع الى تلاوتها فتابعونا على بركة الله..
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ{29}
تشير هذه الآية المباركة، أيها الأفاضل، الى أن خلق السموات والأرض وما بينهما هو نموذج من الآيات الإلهية، ومعنى البث فيها هو التوزيع والنشر. كما تبين لنا هذه الآية الشريفة بأن قدرة الله تعالى على الخلق الأول دليل قدرته على البعث والحشر، كما تشير إلى أن في السماء موجودات حية أيضاً بقوله عز من قائل "بث فيهما (أي في السموات والأرض) من دآبة".
والآن أيها الأطائب، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيتين الثلاثين والحادية والثلاثين من سورة الشورى المباركة..
وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ{30} وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ{31}
أيها الأكارم، من السنن الإلهية أن الله عزوجل يذيق الإنسان المصيبة على عمله السيء، وهو ما ورد في الآية الـ 30 ؛ ومن السنن الإلهية أيضاً فتح باب التكامل أمام الإنسان من خلال ما يتعرضه في حياته من ابتلاءات ومصائب، فالمصائب والإبتلاءات التي يبتلى بها المعصوم هي لتكامله ولعلو درجته وليكون أسوة للآخرين، وقد ورد في الحديث الشريف "البلاء للظالم أدب وللمؤمن ابتلاء وللأولياء درجة".
أما ما تعلمنا إيانا هاتان الآيتان هو أولاً: بين سلوك الإنسان وما يصيبه من خير أو شر ثمة علاقة وارتباط.
ثانياً: الشرور والمصائب التي يبتلى بها الإنسان هي بعض من آثار ما كسبت يداه والله تعالى يعفو عن الكثير.
ثالثاً: للمصائب جانب من التحذير والإنذار ولو كانت انتقاماً لم يكن معنى للعفو.
ورابعاً: لا يمكن للإنسان أن يجعل كافة الأسباب تحت سيطرته وأن ينجو من آثار معاصيه.
أما الآن أيها الأفاضل نستمع الى تلاوة الآيات الثانية والثلاثين حتى الخامسة والثلاثين من سورة الشورى المباركة قبل أن نشرع بتفسيرها فكونو معنا مشكورين..
وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ{32} إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ{33} أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ{34} وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ{35}
الجواري، في الآية الـ 32، أيها الأكارم، هي جمع جارية وهي السفينة عند جريانها وحركتها، والمراد من قوله (كالأعلام) السفن الكبرى أو الجبال الجليدية حال سيرها.
كما لا ينبغي أن نُغفِلَ دور الرياح في الطبيعة، فتنفس الموجودات الحية، حركة السفن، انتقال السحب وغيرها كلها بسبب حركة الرياح ، بل تشكل حركة الرياح اليوم مصدراً من مصادر الطاقة.
أما كلمة (يوبقهن) في الآية الـ 34 فهو من الإيباق وهو الإهلاك، وههنا كناية عن الإغراق، و(المحيص) وهو طريق الفرار والنجاة.
وأما الآية الـ 35 فتشير الى أن المحرفين بدل التفكير في آيات الله عزوجل، يتجهون نحو الجدال فيها، ففي الآيات السابقة قال تعالى (لآيات لكل صبار شكور) وفي هذه الآية قال تعالى (يجادلون في آيات الله).
أما ما تعلمناه من هذه الآيات المباركات أولاً: إنما يعرف الناس قدر النعمة بعد زوالها.
ثانياً: الطبيعة ومظاهرها من الماء والريح، هي آية وعلامة لمن كان صابراً على مكاره الدنيا وشاكراً على نعمها.
ثالثاً: لا ينبغي أن يرى الإنسان نفسه في أمان أبداً، فالله تعالى يقدر من أن يهلك هذا الإنسان في البر والبحر بسبب سوء عمله.
ورابعاً: من يستبدل الإيمان بالقدرة الإلهية بتفسير ظواهر الطبيعة بالتحليل المادي سوف لن يجد له من مفر عند نزول العذاب الإلهي.
مستمعينا الأفاضل، بهذا وصلنا وإياكم الى ختام حلقة أخرى من برنامج (نهج الحياة) فلم يبقى إلا أن نشكركم لحسن استماعكم وطيب متابعتكم ونستودعكم الله والسلام خير ختام.