البث المباشر

قيمة العمل عند الله بنوعيته لا بكميته

السبت 5 نوفمبر 2022 - 16:48 بتوقيت طهران
قيمة العمل عند الله بنوعيته لا بكميته

هناك مفهوم يتَّصل بنظرة الإسلام إلى العمل وقيمته عند الله؛ فهل هي طبيعة العمل وحجمه، أم وعي الإنسان العامل لمقام ربِّه وثباته في داخل إيمانه أمام ما حرَّمه الله؟.

فقد يتصوّر بعض الناس أنَّ قضية أن تكون تقيّاً هو أن يكثر عملك، فإذا ضعف عملك وقلّ، فأنت لا تتعلّق من التقوى بسبب.

فلقد جاء شخص إلى الإمام الصَّادق (ع) وهو يعيش هذا الضغط النفسي أمام قلّة عمله، وهذا ما يرويه أحد رواة الإمام الصَّادق (ع)، وهو (المفضّل بن عمر) قال: "كنت عند أبي عبد الله، فذكرنا الأعمال، فقلت: آه ما أضعف عملي! فقال: مه، استغفر الله"، أي اكفف ولا تتحدَّث بهذه الطريقة عمَّا لديك من العمل، فهو ليس في الكميَّة، بل في النوعية، لا نوعية العمل فحسب، بل نوعية الشخص العامل، فالنوعية الإيمانيَّة التقوائيَّة في شخصيَّة العامل وفي إرادته، هي التي تحدِّد لك صفة التقوى إذا كانت إيجابيَّة، وتحدِّد لك اللاتقوى إذا كانت سلبيَّة.

"ثم قال لي: إنَّ قليل العمل مع التقوى، خير من كثير العمل بلا تقوى. قلت: كيف يكون كثير بلا تقوى؟"، أي أنّنا نفهم التقوى أن يصلّي الإنسان كثيراً، وأن يصوم كثيراً، ويسبّح كثيراً ويتصدّق كثيراً، ونفهمها عملاً، وأنت تحدّثنا أنّه قد يكون الإنسان كثير العمل ولا يكون تقيّاً، فكيف ذلك؟! "قال: نعم، مثل الرَّجل يطعم طعامه، ويرفق بجيرانه، ويوطئ رحله، فإذا ارتفع له باب من الحرام دخل فيه"، أي أنّه لا يسرق لأنّه لا يستطيع السرقة، ولا يزني لأنّه لا يملك ظروف الزنا، ولا يظلم لأنّه لا يملك القوّة لأن يظلم الناس، ولكنه عندما يملك الفرصة للحرام، فإنّه يدخل الحرام من كلّ باب، فهذا كثير العمل، بحيث يصلّي كثيراً ويصوم كثيراً ويحجّ كثيراً، ولكنه ليس تقيّاً، لأنّ قضية التقوى تتمثَّل في أن تعيش في داخل عقلك وقلبك رفض الحرام، حتى لو كانت كلّ فرص الحرام بين يديك.

"فهذا العمل بلا تقوى، ويكون الآخر ليس عنده أيَّ عمل كثير، فإذا ارتفع له باب من الحرام، لم يدخل فيه"1، أي أنّه يصلّي الفرائض ويعمل الواجبات، وقد لا يعمل المستحبّات، ولكنَّه رجل يملك قوَّة الإرادة أمام الحرام، فإذا انفتحت له أبواب الحرام، كان له من ملكة التقوى في نفسه ما يعصمه من الوقوع في الحرام.

فإذاً، أن تكون تقيَّاً أو لا تكون، هي مسألة أن تكون لديك عصمة الفكر وعصمة الإرادة في أن تقول "لا" لكلِّ حرام، وأن تقول "نعم" لكلِّ واجب.

 

* من كتاب "النَّدوة"، ج 3.

السيد محمد حسين فضل الله

--------------------------

[1] الكافي، الشّيخ الكليني، ج2، ص 76.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة