الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا الانبياء وخاتم المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين.
عن برير بن معاوية وهو من اصحاب الامام جعفر الصادق قال: سمعت ابا عبد الله الصادق يقول: بعث امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) مصدقاً من الكوفة الى باديتها والمصدق هو الشخص الذي يأخذ الصدقات فقال له الامام(ع): يا عبد الله انطلق وعليك بتقوى الله وحده لا شريك له ولا تؤثرون دنياك على اخرتك وكن حافظاً لمن ائتمنتك عليه مراعياً لحق الله فيه حتى تأتي نادي بني فلان فاذا قدمت فانزل بماءهم من غير ان تخالط ابياتهم.
ان الامام(ع) هنا يوصي جامع الصدقات بمجموعة من الوصايا المهمة التي ينبغي ان نأخذ بها وننظر اليها نظرة دقيقة فهي في الحقيقة تمثل السياسة المالية او جانباً من السياسة المالية في النظام الاسلامي فكيف لا وعلي(ع) يمثل الاسلام بسلوكه ومواقفه فهو اديب رسول الله وهو وصي رسول الله وهو مؤدي دينه وهو وارث علمه وهو القائل في حقه رسول الله(ص) "كفي وكف علي في العدل سواء"، نجد الامام عندما يبعث شخصاً ليجمع الصدقات يوصيه بهذه الوصايا اولاً يوصيه بتقوى الله لان قضية المال والثورة امر خطير، امر قلما يسلم فيه الناس من الخطر فقال له "يا عبد الله انطلق وعليك بتقوى الله وحده لا شريك له ولا تؤثرون دنياك على اخرتك وكن حافظاً لما ائتمنتك عليه مراعياً لحق الله فيه".
انظر وتأمل في هذه العبارات "لا تؤثرون دنياك على اخرتك وكن حافظاً لما ائتمنتك عليه مراعياً لحق الله فيه" حتى تأتي نادي فلان حتى تصل الى المحلة الفلانية او الحارة الفلانية او القرية الفلانية اذا قدمت امكث خارج بيوتهم لا تدخل في بيوتهم فهم ربما سقوك ربما اطعموك وربما قدموا اليك طعاماً او اكرموك بشئ فتتغير نظرتك اليهم فحينئذ ينعكس ذلك على موقفك او على الوظيفة الموكلة اليك فاذا نزلت فلا تقدم بماءهم فلا تخالط ابياتهم اي تدخل بيوتهم ثم امضي اليهم بسكينة ووقار لا تدخل اليهم دخول العاتي والجبار فترعبهم وتخيفهم بل ادخل اليهم بسكينة ووقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم لا تنتظر حتى يسلموا عليك وانت تجيبهم على سلامهم بل انت سلم عليهم ثم قل لهم يا عبادالله ارسلني اليكم ولي الله لاخذ منكم حق الله في اموالكم فهل لله حق في اموالكم فتؤدوه الى وليه.
نعم بهذا اللحن وبهذه اللهجة تحدث مع الناس الذين تريد ان تأخذ صدقاتهم وتجيبها اليهم فان قال قائل لا، فلا تراجعه ولا تطلب الا يضاح منه ثانية وثالثة ورابعة وان انعم لك اي قال نعم، منهم منعهم فانطلق معه من غير ان تخفيه ولاتعده الا خيرا فاذا اتيت ماله فلا تدخله الا باذنه سواء كان ذلك المال بستاناً وضيعه او محلاً تجارياً او ماشاكل ذلك ولا تدخله الا باذنه فان اكثره له وليس لك وليس لي اكثر ذلك المال له، فيجب ان يكون ذلك الرجل موافقاً لك بأن تدخل ومحلاً لك الدخول والا كنت غاصباً وكنت جائراً وكنت ظالماً فقل يا عبد الله اتأذن لي بدخول مالك فاذا اذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه ولا عنف به فاصدع المال صدعين ثم خيره اي الصدعين شاء فايهما اختار فلا تعرض له ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيره فايها اختار فلا تتعرض له فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله تبارك وتعالى في ماله فاذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه وان استقالك فاقله، لو قال الان لا تأخذ مني هذا المال فأعطيك هذا المال في وقت اخر لاني محتاج اليه فاقله ثم اخلطهما او اذا اراد مثلاً ان تأخذ من قسم اخر فاخلطهما واصنع مثل الذي صنعت اولاً حتى تأخذ حق الله من ماله فاذا قبضته فلا توكل بذلك المال الا شخصاً ناصحاً اميناً حفيظاً غير معنف بشئ من هذه الاموال سواء كانت انعاماً او سواء كانت بضائع او ماشاكل ذلك ثم اجمع كل ما اجتمع عندك من كل ناد وابعثه الينا نصيره حيث امر الله عزوجل.
هكذا نجد الامام(ع) يوصي جباة الصدقات والزكوات بوصايا انسانية ليكون هذا العمل عملاً ليس من شأنه ايذاء الناس وليس من شأنه الضغط عليهم لان الزكاة اساساً هي في خدمة الناس ولان الحقوق الشريعة هي اساساً من اجل مصلحة الناس ومن اجل تحسين معيشتهم ومجتمعهم فكيف يمكن ان يكون الجابي ظالماً جائراً عنيفاً بالناس وهو يريد صلاحهم وهو يريد ان يوفر شيئاً يخدمه ويستخدمه في مصلحتهم هذا لا يكون، ولهذا الامام يوصيه بهذه الوصايا الانسانية حبذا لو يسمع كل من يحتمل ويحمل مثل هذه المسؤولية فلا يرهق الناس ولا يؤذيهم ولا يضغط عليهم فانه على كل حال ستؤدي هذه الافعال الى نقمة الله والى سخطه والى انزال غضبه على من يؤذي عبادالله ويرهقهم ويضغط عليهم، ثم ان الامام(ع) يوصي بوصايا بشأن نفس الاموال التي تؤخذ من باب الزكاة او غيرها من مجالات الحقوق الشرعية الالهية ويؤكد على الجابي بأن يحافظ على هذه الاموال فانها اموال الناس جميعاً وهذه هي ايضاً نقطة مهمة فان هذه الاموال لا يجوز التفريط فيها، فيها نصيب وسهم لليتيم والفقير والمستضعف والارملة والعاجزة والضعيفة فكيف يجوز لا حد يلتف اموال هؤلاء وهو امينهم ولهذا كان الامام يوصي جباة الصدقات بالمحافظة على الاموال العامة التي يجبونها من الناس ويقصد الامام ويريد ان يقسمها عليهم ويستخدمها في سبيل مصالحهم وبشير الى هذه الرواية ويقول فان رسول الله(ص) ما ينظر الله الى ولي له يجهد نفسه بالطاعة والنصيحة له ولامامة اي الامام العادل الا كان معنا في الرفيق الاعلى.
الدروس عظيمة التي نقف عليها ونتعرف عليها من سيرة امام المتقين ومولى الموحدين وامير المؤمنين علي بن ابي طالب هي في الحقيقة من جوهر التعاليم الاسلامية وينبغي للمسلمين ان يتخذوها لانفسهم منهجاً وبرنامجاً لاجل ان يكونوا من الذي اتبع التعاليم الالهية الناصعة التي توجب سعادة الدنيا والاخرة وللاسف نرى في عصرنا الحاضر اجحافاً كبيراً بالناس خصوصاً في مجال اخذ اموال اخذ الاموال منهم والضرائب وما شاكل ذلك مما نراه في المجتمعات الاسلامية وهو امر لاشك لا يرتضيه الله سبحانه وتعالى ولا يرضى به لان الله يحب عباده ويحب مخلوقيه.
نسأل الله ان يوفقنا للاخذ باحكام دينه وتعاليمه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******