الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء وخاتم المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين.
يقول احد الرواة: كنا عند ابي عبد الله جعفر الصادق(ع) ليلة من الليالي اذ طرق الباب طارق، فقال لاحد اصحابه الموجودين في البيت انظر من الطارق فخرج وعاد وقال: هذا عمك عبد الله بن على بن الحسين اي عم الامام جعفر الصادق لم يدع شيئاً من الكلام القبيح الا قاله في الامام الصادق(ع) ثم خرج، فاقبل الامام(ع) علينا يحدثنا من الموضع الذي قطع كلامه عند دخول ذلك الرجل فقال بعضنا: يابن رسول الله لقد استقبلك هذا اي عمك بشئ ما ظننا ان احداً يستقبل به احداً حتى لقد همّ بعضنا ان يخرج اليه ويؤدبه ويضربه على اساءته اليك، فلماذا لم ترد عليه؟ ولماذا لم توبخه على مقاله السئ وعلى ماصدر منه من الكلام القبيح؟
فقال الامام الصادق(ع): مه لا تدخلوا فيما بيننا فلما مضى من الليل ما مضى، اذا طرق الباب طارق فقال لاحدنا انظروا من بالباب فخرج فعاد ذلك الشخص فقال يابن رسول الله هذا عمك عبد الله بن علي جاء ثانية، قال لنا اجلسوا في مواضعكم ثم اذن له فدخل عبد الله بشهيق ونحبب وبكاء وهو يقول: "يا بن اخي اغفر لي غفر الله لك اصفح عني صفح الله عنك" فقال الامام جعفر الصادق: غفرالله لك يا عم ما الذي احوجك الى هذا؟ لماذا هذا النحيب والشهيق والبكاء والاعتذار؟ قال: يا بن رسول الله اني لما اويت الى فراشي اي نمت اتاني رجلان غليظان فشدا وثاقي ثم قال احدهما للاخر انطلق به الى النار فانطلق بي، فمررت برسول الله(ص) فقلت: يا رسول الله اما ترى ما يفعل بي وانما استنجد برسول الله انه من ابناء رسول الله. قال النبي او لست الذي اسمعت ابني ما اسمعت او لست الذي قلت ذلك القبيح في الامام جعفر الصادق؟ فقلت يا رسول الله لا اعود فامر النبي فخليّ عني تركوني ولكنني اجد ألم الوثاق، فقال ابو عبد الله الصادق(ع) اوصي، اكتب وصيتك اذكر وصيتك قال بما اوصي فمالي من المال وان لي عيال كثيراً وعليّ دين، فقال الامام الصادق دينك عليّ وعيالك الى عيالي. فاوصى ذلك الشخص، يقول الراوي: ما خرجنا من المدينة حتى مات عبد الله بن علي بن الحسين على اثر وعكة او على اثر الحزن العميق الذي دهمه نتيجة ما صدر منه من القبيح الى رسول الله والى ابن رسول الله. فالامام الصادق(ع) ضم عياله الى عياله اي تكفلهم وقضى دينه وزوج ابنه ابنته.
هذه السيرة العظيمة التي تحلى بها اهل البيت(ع) سيرة تتجذر في ارضية النبوة اي انهم بما انهم من ذرية رسول الله(ص) ومن ذلك المعدن الصافي ومن ذلك النبع النقي نجدهم تحلوا بهذه الصفات، فاخلاقهم نبوية وهي الى جانب ذلك درس لنا نحن المسلمين فهم اسوة لنا كما جدهم(ص) اسوة علي اسوة لنا والحسن اسوة والحسين اسوة والسجاد اسوة والباقر اسوة والصادق اسوة والكاظم اسوة والامام الرضا اسوة والامام الهادي والامام الجواد والامام العسكري كل هؤلاء قدوات واسوات لنا.
هذه القصة التي تجلى فيها عظيم الاخلاق وعظيم السجايا من الامام جعفر الصادق.
تعلمنا هذه القصة ان على الانسان ان يكون عفواً ان يكون كبير اللطف في حق من يسئ اليه عن جهل او عن عصبية او حاجة لعله والمسلمون اذا اخذوا بهذا الدرس لعالجوا الكثير من المعضلات الاجتماعية التي غالباًَ ما تؤل بهم الى المحاكم والى مراكز القضاء والى السجون والى العقوبات.
ان كل انسان لا شك قد تدهمه حاجة وقد يصابب بنوبة عصبية وقد تمر عليه بعض المشكلات فيفقد سيطرته على نفسه، وقد تحركه الاهواء او بعض الوشايات فنجده يجابه الانسان بالقبيح بالسباب بالشتائم ولكن الانسان المؤمن والمسلم الذي يواجه مثل هذه الاساءات ويواجه مثل هذه المواقف ينبغي ان يتجلد ويصبر، طبعا اذا كانت الاساءة متوجه الى شخصه اما اذا كانت الاساءة متوجه الى الدين الى الله الى القيم الالهية الى القرآن الى المقدسات لا ليس للمسلم ان يصبر انما اذا اصيب اليه بشخصه او اذا اسئ اليه نفسه اليه ان يتجلد ويصبر ويعالج هده المشكلة بتؤدة ويعالجها بصبر واذا اعتذر المسئ يقبل اعتذاره، فان من صفات المؤمن انه يقبل عذر المعتذر لا انه يقابل السئ بالسئ والقبيح بالقبيح ففي المثل: "ان النار لاتطفئ بالنار وانما تطفئ بالماء" وان الانسان المسلم عظيم في عفوه عظيم في كرمه عظيم في مروءته فالمؤمن والمسلم صورة مصغرة عن الاسماء الالهية والصفات الربانية اليس من صفات الله المحبة؟
اليس من صفات الله العفو؟ أليس من صفات الله الصفح عند المقدرة؟ أليس من صفات الله اللطف والكرم؟ أليس الله يعفو عن كثير من جرائم الناس وذنوبهم ومعاصيهم؟ ولو ان الله اراد ان يأخذهم بذنوبهم لما ابقى عللى الارض احداً، أليس كل واحد منا قد ارتكب اموراً فحق ان يقضى عليه اكثر من مرة وهو يعصي الله سبحانه وتعالى، فلماذا لا نقتدي بالله في اخلاقه وصفاته واسماءه؟ لماذا لا نتخلق باخلاق الله وقد جاء في الحديث: "تخلقوا باخلاق الله" وقد جاء في اخلاق رسول الله في وصف اخلاقه ان خلقه كان خلقه القرآن مقصود بالقرآن تلك الصفات وتلك الاخلاق الالهية التي كان النبي(ص) صورة مصغرة عنه يطبقها في حياته في مودته للناس في محبته في تواضعه في عفوه وصفحه في كرمه ومروءته، وهكذا اهل بيته المطهرون كانوا امثلة عليا في العفو والصفح والمروءة والاخلاق العظيمة. فلماذا نحن اذا سمعنا شيئاً من الاساءة نثور نقابل الاساءة بأساءة ربما اكبر وافضع واشنع، أليس الخلق المحمدي وأليس اخلاق اهل البيت وهم قدواتنا تقضي وتتطلب منا ان نترسمها وان نقتدي بها فلا نثور اذا اساء الينا احد عن جهل او عن عصبية او عن حالة نفسية عرضت له وطرأت له وافقدته السيطرة على نفسه، أليس ينبغي للمسلم ان يكون عفواً ان يكون غفوراً ان يكون يتحلى بالصبر ويتحلى بالكرم.
اجل هكذا يجب ان نكون وهكذا ينبغي ان يكون المؤمن والمسلم حتى يحظى بالمنزلة السامية والدرجة السامقة عند الله سبحانه وتعالى.
نسأله ان يعيننا على انفسنا وعلى اهواءنا وعلى غرائزنا الجامحة وان يوفقنا لان نكبح جماح الشهوة وجماح الهوى وجماح الغضب، وان نكون امثلة في الاخلاق والصفات الحسنة في السجايا العظيمة، نسأل الله سبحانه وتعالى ذلك باصرار والحاح آمين يا رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******