البث المباشر

تمايز الثقافة الاسلامية عن الثقافات الغربية -۱

السبت 2 فبراير 2019 - 09:55 بتوقيت طهران

الحلقة 215

الثقافة من الركائز التي يعتمد عليها وجود اية امة‌ من الامم، فماذا تعني الثقافة في هذا السياق؟ الثقافة في الواقع هي مجموعة من الافكار او اكداس المعلومات المختزنة ولكنها طريقة الحياة والسلوك المقرر لدى شعب من الشعوب او مجتمع من المجتمعات، وهي من الاوجه المميزة لمقومات الامة التي تفترق بها عن غيرها من الجماعات بما تشمل من عقائد وقيم ومباديء وسلوك ومقدسات وتجارب وقوانين، يمكن القول اذن ان الثقافة الاسلامية لدى مسلمي العالم الاسلامي تختلف عن الثقافة الغربية في ان الثقافة الاسلامية تستمد كيانها من الاسلام والقرآن واللغة العربية والتاريخ ومجمل التراث الخاص في حين تستمد الثقافة الغربية مصادرها من الفكر اليوناني والقانون الروماني واللغة اللاتينية وما ظهر من تفسيرات للمسيحية، ومن هنا يبدو خطأ القول بوحدة الثقافة العالمية.
ولا ريب ان هناك فوارق عميقة بين الثقافة الاسلامية وبين الثقافات الغربية، فما هي اهم هذه الفوارق:
اول هذه الفوارق: ان الثقافات الغربية لا ترى ان الدين جزء اساس في تكوين فكرها وجوهرها وترى ان المسيحية كانت عارضاً من العوارض التي مرت بتاريخها وانها جلبت اليها الانحراف لانها نقلت اليها روح المسك الاسيوية، وترى هذه الثقافات الغربية انها مدينة اساساً لجذورها الهيلينية الوثنية اليونانية وحضارة روما القديمة لكن الثقافة الاسلامية تؤمن بالدين قوة اساسية في وجودها وحركتها لا تنفصل عن القيم الاخرى.
وتؤمن الثقافة الغربية وهذا هو الفارق الثاني: تؤمن ان محتواها العلمي والادبي والصناعي الى ما يهدف الى خدمة الانسان الغربي وحده وقبل غيره بل وعلى حساب غيره، ولا تهدف الى خدمة الانسان بصفة عامة من حيث هو بشر، في حين تتسم الثقافة الاسلامية بالطابع الانساني اساساً وترى ان قيمها موجهة في خدمة البشرية جميعاً.
اما الفارق الثالث بين الثقافة الاسلامية والغربية: فهو ان هذه الغربية تعتقد بحلول لمشاكل على قاعدة القوة واسلوب الميكافيلية التي تنفصل فيها الاخلاق عن السياسة وعلى قاعدة‌ان الغاية تبرر الوسيلة، بيد ان الثقافة الاسلامية تمتاز بالحلول الاخلاقية ولا تتخذ من الوسيلة السيئة مبرراً للغاية الحسنة.
رابع الفوارق بين الثقافة الاسلامية والثقافة الغربية: ان الثقافة الغربية تقوم على اساس انفصال الضمير على العلم وسيادة المال على الوجدان، وفي الثقافة الاسلامية يكون الدافع الديني والخلقي هو اساس العلم والمدنية ومؤشر وجهتها الاصيلة.
والثقافات الغربية في الفارق الخامس تتشكل في صورتين: صورة الفردية الرأسمالية وصورة الجماعة الماركسية، وهما مذهبان يتنازعان ويتصارعان وتقوم الثقافة الاسلامية على منهج آخر مستقل تماماً تتلاقى فيه الفردية والجماعية على نحو متناسق متكامل متوحد اصيل، حين تؤمن الثقافة الغربية بقداسة الفردية لا تقيم وزناً للمجتمع غير ان الانسان في الثقافة الاسلامية سيد الكون تحت حكم الله سبحانه وتعالى وهو عضو مكلف ملتزم له امانته، عليه مسؤوليته، وله عطاءه وبذله للجماعة وانتقاله من الانانية الى الغيرية دون ان ينقص ذلك من مكانته كأنسان ودون ان تكون الفردية مصدراً لتجاهل دوره في الجماعة.
وثمة فوارق اخرى تفصل فصلاً جذرياً بين الثقافة الاسلامية والثقافة الغربية بشكل عام: من هذه الفوارق ان بعض المذاهب في الثقافات الغربية تحاول اثبات ان الانسان يمجد نزواته وغرائزه الحسية وان العقل الباطن والمسيطر الفعال في توجيه الانسان وحركته في الحياة، وبهذه النظريات انسلخ الانسان عن انسانيته الواقعية ودخل في حظيرة الحيوان، ان هذه المفاهيم الهابطة المنكوسة تتعارض مع مفاهيم الثقافة الاسلامية التي ترى للانسان كرامة تعلو على المخلوقات جملة وترى له سيادة تحت حكم الله تعالى ترفعه بالعقل وتكرمه بالايمان.
والفارق السابع هو: ان مذاهب الثقافات الغربية تفصل بين الروح والمادة والعقل والقلب وبين الدين والمجتمع بينما تؤمن الثقافة الاسلامية بالوحدة بين هذه العناصر وتؤكد التقاءها وتقيم التوازن بينها، كما تنكر الثقافات الغربية الغيبيات وتؤمن بمادية الحياة وبالمحسوس والملموس، لكن الثقافة الاسلامية تؤمن بأن هناك جانب من الحياة لا يصل اليه الحس او النظر ولكنه يدرك بالعقل ويعاش بالايمان.
تعلي الثقافات الغربية في الفارق الثامن: من شأن العنصر وتحاول ان تجعل الاوروبيين والبيض والغربيين استعلاءاً على سواهم من الملونيين والشرقيين ويتعمد بهذا الاعلاء الى ان تجعل للاستعمار سيادة على الامم التي وقعت تحت سيطرة الاحتلال الاجنبي وفي هذا تختلف الثقافات الغربية عن الثقافة الاسلامية التي ترى ان الناس سواسية كأسنان المشط وانه لا فضل لعربي على اعجمي ولا لابيض على اسود الا بالتقوى والعمل الصالح.
اجل ان الثقافات الغربية تؤمن بما يسمى سيادة اوروبا وسيادة الغرب وان سائر الاجناس والقارات انما هي من الدرجة الثانية او الثالثة وتؤمن ايضاً بأن ثمة حقاً مقدساً للبيض اصحاب المدينة في السيادة على الاجناس في الامم وحق تبدلها، وهذا هو التفسير الفلسفي للوجود الاستعماري في حين ترى الثقافة الاسلامية ان المدنيات والحضارات ليست استعماراً وسيطرة بل هي اخوة انسانية شاملة.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة