البث المباشر

الأدب العربي ومساوئ القصة الغربية -٥

الخميس 31 يناير 2019 - 20:50 بتوقيت طهران

الحلقة 191

فيما يتصل بالغزو الثقافي للأدب العربي الحديث احصى يوسف اسعد داغر عشرة آلاف قصة اجنبية ‌ترجمت الى الأدب العربي منذ بدأت الترجمة حتى اوائل الحرب العالمية الثانية وهذا القصص المترجم كان يصدر في بيروت والقاهرة وكان متزايداً بأضطراد حتى لو لمعت بعض اسماء المصريين وقد ابرزت حصيلة الترجمة ثلاثة آثار واضحة:
اولاً: افساد اللغة.
ثانياً: نشر العامية.
ثالثاً: نقل الاباحيات.
وكان للتمثيل اثره السيء في نقل المسرحيات الى اللغة العامية كما فعل انطوان يزبك فنشأت في العامية حصيلة ضخمة في مجال المسرح والزجل وساهم كبار الكتاب في هذا المجال فدعوا بعض الانحرافات واهتم الدكتور طه حسين بترجمة القصص الإباحية وقد سجل عليه ذلك ابراهيم عبد القادر المازني حين قال اقرأ للاستاذ قصصه التي ترجمها، هل كان همه نقل الفصاحة الافرنجية الى قراء اللغة العربية او نقل الصورة الفاضلة في ثيابها المصونة إنّما كان همه مدح الخيانة والاعتذار للخونة وتصوير الخلاعة والمجون في صورة جذابة ليقضي بهذه الترجمة حق الاباحية لا حق اللغة ولا حق الفضيلة، وقد اشار الدكتور عبد العزيز برهام الى امر هذه التراجم فقال ان اكثر القائمين بأمر الترجمات لم يكن بصيراً باللغة العربية ولا باللغة التي ينقل عنها وكثيراً ما داخل في اللغة العربية من كلمات اجنبية لم يستطع المترجمون ان يجدوا لها مدلولاً في لغتهم فطعت على لغة الكتابة ولا شك ان اهم ما في عملية الترجمة هو المادة التي يراد ترجمتها وهي اخطر قضية واجهت الأدب العربي فإنّ المترجم قد يستمد اتجاهه من دعاوى اجنبية تقصد الى بث بذور خطيرة على الثقافة العربية في تلمسها لطريقها الجديد على حد تعبير سهيل ادريس الذي يقول انه لا حاجة الى التفكير بعدد من الاتجاهات المنحرفة في عدد من الكتب المترجمة في السنوات الأخيرة ترصد لها مؤسسات اجنبية تنتمي الى دول اوروبا الغربية والشرقية وأمريكا اموالاً طائلة تغري بها ذوي الضمائر المغشوشة الذين يضعون الكسب المادي فوق الحس الوطني.
اما مضمون القصة الغربية فقد قال عنها الدكتور حسين الهراوي ان الفن القصص الغربي اليوم اتجه الى وجهة واحدة هي وجهة الاستهتار الجنسي والزوائيون في الغرب ليس لهم في هذه الايام مصدر الهام غير هذا الموضوع وان طغيان الجانب النسوي في العالم الغربي جرّ المؤلفين الغربيين الى ان تكون فكرتهم في رواياتهم كلها عن العلاقات بين الجنسين وعن استهتار المجتمع الحاضر بروابط الزوجية والاسرة، واشار الى كتاب القصة الغربية فقال انه غلب عليهم حب المادة فشقوا الطريق لها على انقاض الاخلاق واشار ايضاً الى ان الكتاب الحديثيين مهمتهم تسلية الجمهور وهم متأثرون بمذهب نولدو الصهيوني اليهودي الذي يقول انني اقيس نجاح الشخص في الحياة بالثروة التي يجمعها، كما ذكر ان مما ساعد على ذلك انتشار ومذهب فرويد اليهودي في علم النفس واستخدامه في القصص والواقع اننا نعد فشل الجيل الحاضر مرهوناً بأنتشار مثل هذه القصص النفسية الملتوية والعقلية الضعيفة التي اوحتها تجارة رخيصة في الحكايات الغرامية والقصص البوليسية، واصبحت القصة الان نوعاً من تجارة الخمور التي تتولى شركات النشر تعبئتها ثم توزيعها بالملايين تحت مختلف العناوين والمغريات.
ان كتاب الغرب كان يرى اميشيل او يري ليخرجون على الماديات في كل ما يؤلفون او يكتبون، ان كتاب الغرب او مؤلفيهم على العموم هم كتاب ومؤلفون اقرب الى الحياة المادية منهم الى الحياة الروحانية وقلما نجد ما يكتبون او يؤلفون من امثال الروحانيات التي نجدها مصورة عند الكتاب الشرقيين بأجمل صورها ذلك ان الغربيين ولدوا في المادة وعاشوا معها ولها ولست انكر اننا معشر الشرقيين قد اخذ بعضنا عن الكتاب الغربيين حب هذه الماديات والتهالك عليها ولما لم يأخذنا النضوج في كل نواحي حياتنا اقبلنا على كل ما يصوره لنا الغرب ان كان من فلسفة او أدب او علم في نهم شديد دون ان ننظر الى ما يلائم انفسنا ومصلحتنا ودون ان ننظر الى ما هو صالح ومفيد، واذا كان الأدب الغربي يشمل عشرات المسالك فإنّ كتابنا قد قصدوا ان لا ينقلوا لنا إلا ما كتبه المسرفون في الإباحة امثال مارسيل بروس وتوماس من واندريه جيد ولورانس وكلها قصص تدور حول اللذة الجنسية وغيرها، ولم يقف الامر عند هذا الحد فإنّ هؤلاء الموالين لمنهج النقد الغربي الوافد قد ظاهروا ذلك بفلسفة خطيرة تقول ان وصف نقائص الناس ومعاييبهم هي طابع الادب الصريح الحر وهم في ذلك قد جروا وراء دعوة فرويد ومفاهيمه التي اصبحت قاعدة للقصة واساساً للأدب الغربي.
بعد ذلك جاءت الخطوة التالية وهي نقل هذا التراث الى الأدب العربي ليحدث اثره المراد وليفتح الطريق امام الكتاب بالعربية لينقلوه ويقلدوه ويعتنقوا مفاهيمه، من هنا ارتفع صوت الكثيرين بالدعوة الى التحليل النفسي بالأدب وفي مقدمة هؤلاء كان ابراهيم عبد القادر المازني وابراهيم ناجي في القصة والعقاد في التراجم ومحمد خلف الله في دراسات الأدبية وكان كتاب المارون القادمون الى مصر من الشام قد اغرقوا العالم العربي كله بسيل من القصص يطفح بالإباحه والفساد من امثال نجيب الحداد والياس فياض وفرح انطوان وطاليوت عبده والياس ابو شبكة وخليل بيدس وامين الحداد، وقد ألقت هذه القصص الى صغار المتعلمين وفتاة الاسر من وراء الجدران قدراً من الرؤى الجنسية المسرفة وقدراً من اللذات الخيالية التي تتمثل في صور الترف وملامح القصور والرياض والعطور والخمور مما كان له أبعد الأثر في إيجاد ظاهرة جديدة في المجتمع هي ظاهرة وباء الحلم الكاذب الذي يشقي ويبعد عن الواقعة، وكان لهذه الاكاذيب فعل السحر في نفوس الشباب والفتيات الغريرات مما أفسد نظرتهم الى الحياة وحال بينها وبين الرؤية الواقعية او الانطلاق في طريق واضح او على حد تعبير احد الكتاب، وقف بينهم وبين الحقائق البديهية حبل من هذه الاكاذيب القصصية وهكذا تكون في المجتمعات العربية ما يمكن ان يسمى المرض القصصي وبادرت الصحف والمجلات الكبرى الى تبني هذه الظاهرة حتى ان بعض المجلات الكبرى اقامت المسابقات لإغراء الكتاب بكتابة القصة واشار كثيرون من مؤرخي الأدب الى ذلك فقال احدهم ما هذا التطلع الى القصة سوى مثل آخر على التقليد الأحمق للغرب، ان القصة الغربية اما فيها من فتنة زائفة مبهرجة قد ادت الى افساد الحياة الاجتماعية في مصر وتخريبها فلماذا تضع الأفعى في جيبها؟

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة