البث المباشر

من أسرار إدخال الادب الاغريقي في الادب العربي -۱

الخميس 31 يناير 2019 - 17:55 بتوقيت طهران

الحلقة 181

حيث الحديث عن مخططات التغريب للأدب العربي، حيث كان من ضمن هذه المخططات اغراقه بالأدب الإغريقي أي الهيليني واليوناني وكان الهدف ربط الأدب العربي بهذا اللون الغريب وفصله عن جذوره الأصيلة، من هنا ركز التغريبيون على هذا الأدب تركيزاً شديداً وتخصص فيه كبيرهم وأهم زعماءهم طه حسين ونابعه في ذلك عدد من الكتاب والمدرسين والمتأدبين في مصر وبيروت، وقد ترجمت في اوائل هذا القرن الالياذة والاوديسا وهاتان الملحمتان اليونانيتان الى جوار ضعفها في معانيها وحكمها بالقياس الى الأدب العربي محشوتان بالخرافات الوثنية الباطلة وظلت كتابات طه حسين تحمل الافتتان باليونان والرومان وتبالغ في تصويرهم على انهم اساتذة العالم وممثلو الشعوب وتسند كل صغيرة وكبيرة من عناصر المدنية القديمة اليهم. بل ان طه حسين حين اراد ان يكتب حول تاريخ الاسلام كتابه على هامش السيرة لم يستطع إلا أن يذكر اليونان والأوديسا وهو في قلب هذا الكتاب يعرض لآلهة اليونان أبولو والمريخ واردميس واثينا ويتحدث عن الوثنية اليونانية وارتباطها باليهودية والنصرانية، وفي كتابه صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونانيون يتحدث عن تاريخ اليونان ونشأة فن التمثيل، وفي كتابه نظام الاثينيين دافع طه حسين عن موقف ارسطو من العبودية والرق.
ومن خلال منهج طه حسين واراءه ظهرت نظرات وابحاث ودراسات وجرى في هذا الاتجاه عدد من الباحثين المؤيدين فمثلاً يقول احمد امين ان الوثنية العربية وثنية ارضية وضيعة وان الوثنية اليونانية سماوية رفيعة، ثم جاءت مترجمات لطفي السيد لكتب ارسطو، الاخلاق والسياسة على هذا الاتجاه الذي نما وسيطر وحاول اعطاء الأدب اليوناني الذي هو اساس الأدب الغربي الحديث نوعاً من القداسة والاعلاء البعيد المدى وهكذا ترددت اسماء ارسطو وافلاطون وفرجيل وغيرهم على انهم اعلام لا يرتقي الى مكانهم احد من اعلام الأدب العربي، ثم اصدر الدكتور محمد غلاب الذي هاجم مفاهيم طه حسين عن اليونان عام ۱۹۳۳ في مجلة النهضة الفكرية موسوعة في اربعة اجزاء عن الأدب الهيليني واهداها الى طه حسين بوصفه المسؤول الاول في مصر والعالم العربي عن الأدب اليوناني والأدب الفرنسي ايضاً، وحاول طه حسين ان يدعي دعوى عريضة ظهر بطلانها من بعد، بأن قواعد البلاغة العربية إنما أسست على ما وضع ارسطو ونقله العرب عن اليونان.
وقد اتصل بهذا ما قام به امين الخولي في محاولة فرض مفاهيم اليونان على البلاغة العربية واتهام الادب العربي بأنه لم يكن شيئاً قبل الاتصال باليونان وغالت مدرسة منهج النقد الغربي في الآثار والمترجمات اليونانية وتردد اسم ارسطو على انه هو معلم العرب الاول وانه ليس معلمه في الفلسفة فحسب بل معلمه في البيان والبلاغة ايضاً، في نفس الوقت كانت مدرسة منهج النقد الغربي الوافد تركز على الادب اليوناني ونقول انه لا سبيل الى فهم الأدب الغربي الحديث واعلامه مثل كورني وراسيل وميلتن وغوته الا بدراسته، وفي حين يقال هذا بالنسبة الى الادب اليوناني يتعرض الادب العربي الاسلامي للنقد الصارخ والسخرية العجيبة والانتقاص البالغ وذلك في محاولة تغريبية معادية لعزله عن الأدب العربي الحديث وايجاد هوة‌ واسعة بينهما وربط هذا الأدب العربي الحديث بالأدب الغربي قديمه وحديثه وفصله عن جذوره من القرآن الكريم والفكر الاسلامي والادب العربي الأصيل، ثم جرت بعد ذلك رياح كثيرة تحمل مترجمات من الأدب اليوناني وبحثت قضية المرحية اليونانية ولماذا لم يكن لدى العرب مسرح وملحمة وقصة وراحوا يثيرون الشتائم ويلصقون النقائص بالادب العربي القديم ويمجدون أدب اليوناني الوثني.
لقد حاول دعاة مذهب النقد الغربي اثارة‌ اتهام باطل لا محل له يرمي الى انتقاص الأدب العربي لخلوه من المسرح والدراما والملاحم غافلين عن ان لكل أدب فنونه التي تشكله وطبيعته وبيئته وانه ليس من الضروري وصف الأدب العربي بالنبوغ او البراعة ان يكون مماثلاً للأدب اليوناني او الأدب الغربي في كل فنونه، لقد كان الشعر هو ديوان العرب في الجاهلية فلما جاء الاسلام شكل لهذه الأمة مثلاً اعلى استمد اسلوبه ومنهجه من القرآن الكريم وقام على التوحيد الواضح الصريح في العبارة والاداء وجاءت القصة القرآنية على ذلك النحو الذي عرف عنها بعيدة عن الرموز والغموض والتفاصيل وبعيدة عن الكذب الفني والحيلة والتحوير الذي عرفته القصة اليونانية الغربية، من اجل هذا كان الأدب العربي في غير ما حاجة الى المسرح الذي هو وليد المعبد الوثني والكنيسة المسيحية والذي ظهر عند الاغريق اصلاً في اعياد باخوس اله الخمر ثم استعانة الكنيسة بعد انتشار المسيحية في كنائس روما وباريس اثناء القرون الوسطى لعرض فكرتها التي تقول بصلب المسيح (عليه السلام) وآلام الشهداء.
اما المستشرقون فأنهم ماركزوا اهتمامهم وعنايتهم على شيء في دراساتهم للأدب او الفقه او التشريع او النحو والبلاغة او الفلسفة والتوحيد والكلام إلا وكان هدفهم الاساس هو الإدعاء بأن كل ما في الفكر الاسلامي والأدب العربي هو من منطلقات الجودة والقوة إنما جاء ‌نتيجة لإتصالهم باليونان بل انهم ليقولون زوراً وباطلاً بأن التراث اليوناني هو الذي اعطى الفكر الاسلامي والأدب العربي هذه الجودة وهذه القوة، وهذا من باطل القول ومن البهتان الصريح الذي لا يخفي عن كل من يعرف كيف دارت المعركة بين الفكر الاسلامي والفكر اليوناني سنوات وسنوات حتى استطاع الفكر الاسلامي ان يحرر نفسه من آثار هذه الفلسفات الوثنية وان يكشف عن اصالته وقوته التي استمدها من القرآن الكريم والاحاديث المعصومة، ان طه حسين واضرابه من دعاة الاغريقية يحاولون مثل هذه المحاولة في مختلف نواحي الفكر والثقافة والادب مستهدفين غاية خطيرة هي الادعاء بأن الادب اليوناني هو الذي خلق الفكر العربي الحديث وهو الذي اثر في الفكر الاسلامي ومن هنا فليس ثمة ما يمنع ان يتأثر الفكر العربي الحديث بالفكر اليوناني من حيث انهما التقيا من قبل وهذا شبهة مضللة موهمه قد بينا زيفها في لقاءات سابقة من البرنامج وقد نشير اليها ان شاء الله في ما نعرضه في المستقبل.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة