البث المباشر

ماوراء الإغراق في الأدب الاغريقي

الخميس 31 يناير 2019 - 17:47 بتوقيت طهران

الحلقة 179

اغراق الوضع الادبي والثقافي العربي في العصر الحديث للترجمات عن الثقافة الغربية كان يستتقن دوافع مقصودة تولى كبرها دعاة‌ التغريب بتوجيه من اساتذتهم المبشرين الصليبين والمستشرقين الذين كان كثيراً منهم من اليهود الحاقدين على الاسلام والمسلمين، وكان هذا الانحراف في الترجمة عن وجهها الصحيح عاملاً لوقوع الادب العربي تحت هيمنة الاستعمار والنفوذ الثقافي لفرنسا وبريطانيا من خلال فصل الأمّة عن مقوماتها ومقدساتها واحتذاءها النموذج الغربي المريض، وكان ترجمة كتاب مختارات امرسون اليهودي الصهيوني وكتاب قصة الحضارة لديورانت اليهودي الاصل نموذجين صارخين للترجمة التغريبية التي اختارت مثل هذين الكتابين اللذين يطفحان بالعداء للأمّة وقيمها ورموزها العظيمة، ان مثل هذه الاراء المخربة المسمومة تزداد خطورتها حين تترجم في كتب تصدر عن جهات ذات اهمية خاصة مثل الجامعة العربية فإن القاريء العربي الذي لا يعرف من دوافع هذين الكتابين شيئاً قد يتعثر وتفسد عقائده واخلاقه وقيمه ويغدو مفرغاً من الاصالة والانتماء الواقعي.
اختيار هذين الكتابين للترجمة انما يتحمل اوزارها الدكتور طه حسين بأعتباره المسؤول عن الثقافة في الجامعة‌ العربية، وطه حسين هذا تشهد كتبه انه لم يكن الا بوقاً من ابواق الدعاية للغرب ومن الذين اقاموا على حراسة السجن الكبير يروج لثقافته ويعظمها ويؤلف قلوب العديد ليجمعهم على عبادة جلاديهم، طه حسين هذا هو الذي لا يمل من الكلام عن جامعة البحر الابيض المتوسط والذي زعم ان مصر جزءاً من البحر الابيض المتوسط في مقومات شخصيتها وليس جزءاً من عرب الحجاز واليمن والبحرين والعراق والسودان، طه حسين الذي يزعم العرب ان السبيل الى نهضتهم ليس هو ترجمة العلوم ولكن السبيل هو ان يذوبوا في الغرب وان يخلعوا انسابهم ويقلعوا من تربتهم ليغرسوا في تربة الغرب، وهو الذي يهتم بترجمة ما لعن به اجداد الأمّة وما سب به اسلافها وسفه دينها وافترى على نبيها، ان طه حسين الذي بدأ حياته العلمية متهماً في دينه يتوصل الى الشهرة بمخالفة‌ كل مقدس مصون وكل قدر ثابت حينما كان الإلحاد بدعة العصر يجاهر به الملحدون ويتظاهر به صغار النفوس والعقول من الأدباء، هذا الرجل هو نفسه الذي يشرف على اختيار كتاب الصهيوني امرسون وديورانت ليترجمهما على نفقة العرب والواقع ان ترجمة كتب الادب والفلسفة والتاريخ والتربية والاخلاق على هذا النحو هو من سوء الاختيار وسوء القصد في كثير من الاحيان، وهو يضر مرتين، يضر بافساد اذواق الشباب وتدمير كيانهم ومسخ شخصيتهم بحيث يصبحون غرباء بين قومهم ثم يصبح قومهم بعد قليل هم الغرباء بينهم بحيث يكثر عددهم ويكثف جمعهم ويضر مرة ثانية بتبديد الجهد والمال في غير وجهه وصرف الأمّة عن الطريق الصحيح الى تحررها وبناء كيانها وسيادتها.
ان ترجمة الكتب الغربية السيئة في مجال الادب والقصة والتربية والاجتماع والتاريخ وما اشبهها هو اشد فتكاً للدين والاخلاق وافعل في قتل شخصية الأمّة‌ المسلمة ومحو مقوماتها وتدمير فكرها وتسليم ينابيع الثقافة فيها، ومن اراد الدليل على صدق هذا القول فليرجع الى كتاب امرسون وديورانت ليجد فيهما الكيد للاسلام والمسيحية ظاهراً وخفياً وليجد ان اليهودية وحدها هي التي سلمت من كيد المؤلفين وبذائتهما ويجد الثناء على اليهودية واليهود تصريحاً وتلميحاً وغير هذا وذاك فأن هناك عشرات من الكتب التي صدرت مترجمة عن المستشرقين في مجال الادب والتاريخ واللغة والفكر الاسلامي كلها تحمل السموم والشبهات والاتهامات، ومن ابرز هذه المؤلفات ما ترجم عن لويس شيخو وسانسنك وزملاءه في دائرة المعارف الاسلامية وغولد سيهير وماجلو وهنري لاننس وارنست رينان ودون داركووها نوتووزويمر وبلاشير ويركلمان ودوركاين وبروفن وجيب وليفي بريل وكازنوقا وعشرات غيرهم، كتب هؤلاء واثارهم مترجمة الآن الى اللغة العربية وكلها تحمل السموم والشبهات بينما يروج لها دعاة التغريب ويتخذونها مراجع لهم في ابحاث يقومون بها في الجامعات او ينشرونها في الصحف، وهي في اقل اضرارها تحمل وجهة‌ النظر الغربية وتحاكم الادب العربي والفكر الاسلامي الى مقاييس غريبة عنه وعن تكوينه وشخصيته وهي مقاييس وضعها اصحابها للادب والتاريخ والثقافة الغربية ومستمدة‌ من اصولها وقيمها الخاصة فلا تصلح اذن للتطبيق على الادب العربي ولا على تاريخ المسلمين ولا على ثقافتهم .
لقد حاول دعاة الترجمة المسمومة من الاداب الاوروبية ان يعلنوا عن اكذوبة يرددونها لكي تصبح يوماً ما حقيقة في نظر الاغرار والسذج وهي ان العرب والمسلمين عامة لن يتحقق لهم النهوض الا اذا اخذوا فكر الغرب جيده ورديئه، خيره وشره، والواقع ان العرب لن يغلبوا من ضعف في الفلسفة ولا الاداب والتاريخ ولكنهم غلبوا وضربت عليهم الذلة بأنهم متخلفون في العلوم التجريبية المادية بكل فروعها الكيميائية والطيعية والميكانيكية النظرية منها والتطبيقية ولا يملكون من الاجهزة المتطورة‌ عسكرية‌ وغير عسكرية ما يغلبون به عدوهم ولأنهم قد تراخوا عن دينهم ولن يعتصموا منه بقوة روحية نشيطة غالبة، ان الجماعات البشرية تميز نفسها بمختلف الشعارات حتى لا تظل في الزحام ولا تذوب في الاختلاط وللعرب طابع يميزهم وشخصية تظل عنها في عصور الضعف والخمول واضلهم المستعبدون واذنابهم ولن تتحقق لهم نهضة الا اذا احيوا هذه الشخصية وتمسكوا بمقوماتها وقدسوا رموزها واثارها وميزوا انفسهم بطابعهم الخاص الذي صنعه الاسلام العظيم، وهم لا يجتمعون ولا يتماسكون الا اذا عرفوا خصائصهم الاصيلة التي تمنعهم ان يذوبوا في غيرهم ولا يبلغون درجة الاستاذية في العلوم الجديدة التي اذلهم عدوهم لتفوقه بها عليهم الا اذا اصبحت هذه العلوم ملكاً لهم.
وان هناك كتباً وضعت في الغرب من اجل ان تترجم عندنا وتذاع في اوساطنا وهي كتب تحاول ان ترفع من شأن الغرب وتضع من قدرنا او تغير قيمنا ومفاهيمنا بما يدخلنا في دائرة نفوذهم الفكري ويجعلنا اتباع اذلاء عاجزين، ان اختيار النافع من الكتب وما يحتاج الى ترجمة منها يجب ان يوكل الى مجموعة من المخلصين الصادقين لهذه الأمة الفاهمين لتيارات الغرب لان الهدف من الترجمة هو مصلحة الأمّه واستكمال ما ينقصها معرفته والاطلاع عليه.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة