البث المباشر

حجة الوداع ومستقبل الاسلام

الأربعاء 30 يناير 2019 - 11:32 بتوقيت طهران

الحلقة 150

في طلاقة الهواء وحركته الحرة قرأنا فيما مضى شيئاً من تاريخ الرسالة الاسلامية من خلال اطار الولاية‌ الالهية العظيمة التي جعلها الله تعالى لرسوله وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ كما نص القرآن الكريم، ورأينا في طلاقة الهواء ان نوراً الهياً كان يمركز على شخصية علي بن ابي طالب (سلام الله عليه) في كل يوم من ايام حركة الرسالة، وكان هذا النور يمتد ويتسع نطاقه مع الايام ليكون للناس شيئاً محدداً وليدلهم على من يتولونه هادياً ربانياً بعد رحيل النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووقفنا في قراءاتنا السابقة عند العام التاسع الهجري فماذا كان في العام التاسع الهجري؟
في العام التاسع الهجري كانت ثورة الشرك والنفاق وكان علي بن ابي طالب (عليه السلام) في المدينة وكان من الرسول بمنزلة هارون من موسى (عليهما السلام) ماعدا النبوة، في هذا العام نزلت سورة البراءة وقرأها علي بن ابي طالب وما معها من احكام على اهل مكة وما حولها، وجاء العام العاشر وفيه بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي بن ابي طالب وخالد بن الوليد الى اليمن قبل حجة الوداع، وفي هذا العام نزلت سورة المائدة فكانت آخر ما نزل من القرآن.
وروي ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما خرج الى حجة الوداع من المدينة خرج اليها علي بن ابي طالب ايضاً من اليمن وقال: لبيك اهلالاً كأهلال النبي وحضر الحج في هذا العام نحو اربعين الفاً من المسلمين، وروي ان علياً اتى من اليمن بهدي بلغ مجموعهم على ما اتى به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مئة فنحر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده ثلاثاً وستين ثم اعطى علياً فنحر ما تبقى واشركه في هديه ثم امر من كل بدنة بقطعة من اللحم فجعل في قدر فأكل هو وعلي من لحمها وشربا من مرقها وروى ابو داوود ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما هم بذبح الهدي قال: ادعوا لي ابا حسن.
فدعي له علي فقال: خذ بأسفل الحربة واخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأعلاها ثم طعنا بها البدن فلما فرغ ركب بغلته واردف علياً وعندما خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الناس كان علي بن ابي طالب يبلغ حديثه ويعبر عنه اذ وقف علي حيث يبلغه صوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيفهمه ويبلغه للناس ويفهمهم من غير زيادة ولا نقصان.
كان علي بن ابي طالب (عليه السلام) يبلغ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبة حجة الوداع والناس بين قائم وقاعد والناس قد شاهدوا الرسول وعلي منذ البداية ينحر معه ويشاركه في الهدي ويأكل معه ويعبر عنه، ومن قبل سمعوا بقصة سورة براءة وسمعوا بمنزلة هارون من موسى وعرفوا بغض المنافقين لعلي. وقبل ذلك سمعوا يقيناً يوم خيبر ان علياً يحبه الله ورسوله وشاهدوا يوم ان ناجى رسول الله وطالت نجواه، وعاينوا يوم ان سد النبي جميع الابواب المفضية الى المسجد الا باب علي (عليه السلام) وعلموا وشاهدوا حديث الكساء وحديث المباهلة، وتأكدوا ان علياً اقدمهم سلماً واكثرهم علماً واوسعهم حلماً وان سيفه لا يخشى في الله لومة لائم، كل هذا وغيره علموه وشاهدوه فأي اشارة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الى علي يجب ان تفهم على بساط الفطرة لانها لم تفهم على طريق الحفائر والارتياب والجدل العقيم، فأذا وقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع وقال فيما رواه جابر بن عبد الله، رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول «يا ايها الناس اتي تركت فيكم ما ان اخذتم به لم تضلوا كتاب الله وعترتي اهل بيتي» ان هذا الاعلان لا يحتاج الى جدل طويل على بساط الفطرة حيث ان الساحة فيها جبهة لابد ان تواجهها جبهة رجس لابد ان تواجهها جبهة طهر وتطهير. واذا علمنا ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في حجة الوداع كما رواه الترمذي والنسائي «علي مني وانا من علي ولا يؤدي عني الا انا او علي» فهذا الاعلان ايضاً لا يحتاج الى جدل طويل لانه من مشكاة واحدة بدأت عندما نزل قول الحق تبارك وتعالى «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ» لقد كانت البداية من هناك ألم يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ البداية لعشيرته كما ورد في الحديث الصحيح ايكم يبايعني على ان يكون اخي وصاحبي ووارثي فلم يقم اليه احد، وقام علي بن ابي طالب وبايعه على ذلك ثم الا يتفق ذلك مع نور يوم تبليغ سورة براءة حيث قال النبي جاءني جبرائيل فقال: لا يؤدي عنك الا انت او رجل منك، فما الغرابة اذن في فهم موقف حجة الوداع حيث قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): علي مني وانا منه ولا يؤدي عني الا انا او علي. وجميع ذلك من قوله تعالى يوم المباهلة «وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ».
اجل، اذا كان هذا البلاغ قد تم في حجة الوداع واذا كان في نفس الحجة قد نزل عشية يوم عرفة قوله تعالى «الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ» علمنا ان الكفار قد يأسوا في الذي اكمل الله فيه دينه واتم فيه النعمة فماذا كان يريد الكفار قبل ان يضربهم اليأس؟ لقد كان دين الله هو المبغوض المستهدف من قبل تيارات الصد عن الله، في بداية الامر صدوا بالمال والجاه والجلد بالسياط والطرد من الاوطان ثم طوروا الصد الى محاولة قتل النبي وكان موته (صلى الله عليه وآله وسلم) آخر ما يرجونه من موت الدين وموت الرسالة ذلك لانه (صلوات الله عليه وسلامه) لا عقب له ومن لا عقب له في قانونهم اذا مات او قتل انقطع اثره ومات ذكره وذكر دينه ولذلك كان العاص بن وائل اذا ذكر رسول الله (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله) قال دعوه فأنه رجل اتبر لا عقب له فاذا هلك انقطع ذكره فأنزل الله تعالى «إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ». اذا كانت ثقافة الكفر تنطلق من هذا المفهوم فكيف يكون الحال حين يبلغهم قول النبي «علي مني وانا من علي، ولا يؤدي عني الا انا او علي» وكيف يكون الحال اذا بلغهم تحديد النبي ان دائرة الطهر التي لا تفارق القرآن ولا يفارقها، الا ترى حينئذ يا اخي ان اليأس سيكون عنواناً للذين كفروا على مدار التاريخ الانساني ذلك ان الصراط المستقيم اصبح له من يهدي الناس اليه بعد رحيل النبي، ثم اليس اغلاق باب الامل في وجوه الكافرين وايقاعهم في اليأس التام هو اكمال الدين واتمام النعمة واقامة للحجة؟ وقوله عزوجل في الآية «فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ» يفيد هذا المعنى، قال المفسرون اي لا موجب للخشية بعد اليأس الذي كنتم في معرض الخطر من قبلهم فأنتم في مأمن من ناحية الكفار والدين مصون من الخطر من هذه الناحية ولا يتسرب اليه شيء من طوارق الفساد والهلاك الا من قبل المسلمين انفسهم وهذا يكون بكفرهم بهذه النعمة التامة ورفضهم هذا الدين الكامل المرضي ويومئذ يسلبهم الله جلاله نعمته ويغيرها الى نقمة ويزلقهم لذات الخوف والجوع. وهذا ولنا يا اخي موعد آخر في طلاقة هذا الهواء العذب السخي بأذن الله تعالى.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة