ونحن في شهر محرم الحرام نلتقي بفصول من الواقعة الدامية التي اصيب بها دين الله تعالى من خلال اصابة الرمز الالهي المعصوم الامام الحسين واهله واصحابه الاوفياء سلام الله عليهم.
في العاشر من محرم عام ٦۱ للهجرة حدثت الواقعة الكبرى التي غطت بعدئذ على التاريخ والقت ظلالها الابدية على الارض، شاهداً على صراع الحق والباطل وصراع الرسالة الالهية مع قوى النفاق والكفر اللابس عباءة الاسلام.
هذه الفصول دعنا نقرأها يا اخي من مصدرين معتمدين عادة في التاريخ هما تاريخ الطبري والبداية والنهاية لابن كثير، ولقصة بني امية قادة وامراء واهل الكوفة جنوداً لهذه السياسة سيكون مصدر الاساس في القاء الضوء على ساحة المعركة هو البداية والنهاية لابن كثير، واختيارنا لهذا المصدر فيه كثير من التسامح والتنازل ذلك ان ابن كثير يميل ميلاً كبيراً نحو السياسة الاموية في خطوطها العريضة وان كان ينتقدها في بعض الامور الهامشية الا انه مؤيد لرموزها بلا استثناء وهذا يجعل تلقي اخبار القتال منه مقبولاً لا شبهة فيه، وقد اجاد ابن كثير عندما تحدث عن مقتل الحسين تحت عنوان وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلام ائمة هذا الشأن لا كما يزعمه اهل التشيع، اذن هوذا نحن نقرأ ما ذكره هذا المؤرخ الاموي الميول.
على التحديد الذي بدأ فيه القتال يوم عاشوراء يقول ابن كثير، فتقدم عمر بن سعد بن ابي وقاص وقال لمولاه يادريد ادني رأيتك فأدناها، ثم شمر عمر بن سعد عن ساعده ورمى بسهم وقال: اشهدوا انني اول من رمى القوم فترامى الناس بالنبال وبدأت المبارزة بين الفريقين ووقف رجل فقال: يا حسين ابشر بالنار.
فقال له الحسين: كلا ويحك اني اقدم على رب رحيم وشفيع مطاع بل انت اولى بالنار، وكثرت المبارزة بين الفريقين والنصر في ذلك لاصحاب الحسين لقوة بأسهم وانهم مستميتون لاعاصم لهم الا سيوفهم.
ويتابع ابن كثير قائلاً فأشار بعض الامراء على عمر بن سعد بعدم المبارزة وبعث عمر نحواً من خمسمئة رجل فجعلوا يرمون خيول اصحاب الحسين فعقروها كلها حتى بقي جميعهم رجالة، وامر عمر بن سعد بحرق الابنية التي تحمي اجناب قوات الحسين فقال الحسين دعوهم يحرقوها فأنهم لا يستطيعون ان يجوزوا منها وقد احرقت. ويقول الطبري وابن كثير معاً ونادى ابن الحجاج امير ميمنة جيش ابن زياد قاتلوا من حرق من الدين وفارق الجماعة فقال له الحسين: يا عمر بن الحجاج علي تحرض الناس انحن مرقنا من الدين وانتم ثبتم عليه اما والله لتعلمن لو قبضتم ارواحكم ومتم على اعمالكم اينا مرق من الدين ومن هو اولى بصلي النار.
ان المعركة تكشف فيما تكشف عن سياسة الترقيع والتشوية وعن انتاج ثقافة الشتم والسب، حيث الرجال الاموي الذي ضيع الصلاة كأول رمز لاسلام المسلم واتهام الامام الحسين (عليه السلام) بأنه من اهل النار وانه مارق من الدين بينما هو دليل قاطع على ان الرحلة الاموية كارثة كبرى عن بدايتها فما ظنك بها عند نهاية الطريق، فقي اول الطريق ضاع الدين ورموز الدين بأي وقود تسير القاطرة بعد ذلك، ثم انظر الى هذا الجندي الاموي الذي ضاعت الصلاة في عهد اسياده ماذا قال عندما سمع الامام الحسين يقول مروهم فليكفوا عن القتال حتى نصلي لقد قال للحسين (عليه السلام): ان الصلاة لا تقبل منكم فرد عليه احد جنود الحسين قائلاً اتقبل منكم ولا تقبل من آل رسول الله؟ ان هذا لدليل على مدى السقوط الذي انحدرت اليه الامة بعد وفاة النبي (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله) بأقل من خمسين عاماً وليس بعد ثلاثة قرون، اجل بعد ان قامت القوات الاموية برفض المباغ وهي قانون قتالي لا خلاف فيه وبعد ان وجهت النبال الى خيول الحسين وحرقت الابنية التي تحمي اجنابه يقول ابن كثير كان الرجل من اصحاب الحسين اذا قتل بان فيهم الخلل واذا قتل من اصحاب عبيد الله بن زياد الجماعة الكثيرة لم يتبين ذلك فيهم لكثرتهم.
ان القوات الاموية في الاساس يتمتعون بكثرة عددهم لكنهم كانوا ذوي جبن كثير، خائفون لكنهم بما لديهم من عتاد يضربون كل مكان، حتى اخبية الناس ما سلمت منهم.
نعم وبدأت جحافل بني امية تتدفق على معسكر الحسين (صلوات الله عليه) وقاتل حبيب بن مظاهر بجانب الحسين قتالاً شديداً فضربه رجل على رأسه بالسيف فقتله وقتل الحر الرياحي وآخرون، وبعد ذلك صلى الحسين بأصحابه صلاة الخوف ثم اقتتلوا بعدها قتالاً شديداً، يقول الطبري وابن كثير فلما رأى اصحاب الحسين ان الاعداء قد كثروا وانهم لا يقدرون ان يمنعوا حسيناً ولا انفسهم فنافسوا في ان يقتلوا بين يديه، وهكذا كانوا رضوان الله عليهم يتقدمون الى المعركة واحداً بعد واحد ثم اتاه اصحابه مثنى وفرادى يقاتلون بين يديه وهو (سلام الله عليه) يدعو لهم ويقول: جزاكم الله جزاء المتقين فجعلوا يسلمون على الحسين ويقاتلون حتى يقتلوا وكان آخر من بقي مع الحسين من اصحابه سويد بن عمرو، وكان اول قتيل من آل ابي طالب يومئذ علي الاكبر بن الحسين بن علي (عليهم السلام) فأنه اخذ يشد على الناس ويرتجز وبينما هو يقاتل اعترضه مرة بن منقذ العبدي فطعنه واجتمع عليه الناس فقطعوه بأسيافهم، ثم قتل عبد الله بن مسلم بن عقيل ثم عون ومحمد ابنا عبد الله بن جعفر الطيار ثم عبد الرحمن وجعفر ابنا عقيل بن ابي طالب ثم قتل القاسم بن الحسن بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) وتتابعت الشهداء واحداً بعد آخر للقتل دفاعاً عن سيد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام) وتفانوا حتى لم يبق احد غير الحسين صلوات الله وسلامه عليه.
نعم وقف الحسين في ساحة المعركة وحده وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يراقب الحركة من عالم غير العالم الذي يعيشه الناس فأم سلمة ستراه في المنام حزيناً بعد قتل الحسين وعلى لحيته التراب ويقول لها لقد شهدت قتل الحسين آنفاً، اجل لقد وقف ابو عبد الله الحسين في قمة عمل فريد لا يقوى على اداءه غيره من الناس، فأقام الحجة الدائمة التي شاء الله ان يجعلها حجة دامية لتقع الذاكرة على امتداد التاريخ، وتدفع الذهن الى طريق البحث عن الحقيقة، كان الحسين (عليه السلام) في احلك الاوقات يدنو لاقامة دين الله وكان خصومه الذين ترعرعوا تحت ثقافة السب وامام بيوت المال يعملون من اجل حطام الدنيا، من اجل كيس نقود، وكان يضع من العقبات امام الامام المظلوم لكي يظل غير قادر على بلوغ ما يريد في حين يطلب كل منهم من حطام الدنيا ما يريد.
*******