البث المباشر

من أسرار التوبة والاستغفار

الثلاثاء 29 يناير 2019 - 11:07 بتوقيت طهران

الحلقة 123

احساس الانسان من داخله انه يريد ان ينفلت من علائق المكبلة للسير الجاد نحو الله يعني بالنسبة الى الانسان اشياء عديدة ويقتضي منه اشياء عديدة ايضاً، من هذه الاشياء ان يندم المرء ندماً صادقاً على ما اجترح من اخطاء وما بدر منه من غفلات وكل ما لا ينبغي ولا يلائم حركة العبودية التي ينتظر ان تكون صاعدة باستمرار نحو جلال الربوبية، وهذا الندم الصادق من الانسان للتحرر والتخلص من نقاط الضعف هو ما اصطلح عليه في الحياة الاسلامية بأسم التوبة اخي الكريم قال الحق جل وعلا: «وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا» والتوبة والاستغفار بعد درجات ومقامات بدءها مرحلة ما بعد اليقظة فأن من لوازم هذه المرحلة الاولية التوبة والاستغفار للعودة من مقام سمعنا وعصينا الى مقام سمعنا واطعنا اي العودة‌ من المخالفة الى الطاعة وهي بعبارة اخرى التوبة من الفعل الحرام ومن تضييع الواجب ذلك ان ارتكاب المخالفة تفريط لمقام العبودية وتراجع بضعف وهو ان عن المسير الصادق في صراط النور، وهذه التوبة تقتضي يا اخي ان تكون جادة مقرونة بالتضرع والمسكنة والاستغفار والالحاح والندم فأن العبد لا يدري ايلقى الصفح من سيده ام يظل منكفئاً في ظلمات البعد والاعراض بيد ان الامل بعفو الله ينبغي ان يكون حاضراً والرجاء لفضله ورحمته مما يناغي القلب.
في كل مرحلة من مراحل عبودية‌ العبد وفي كل درجة من درجات القرب شؤون ينبغي للعبد مراعاتها وان التسامح في شيء من هذه الشؤون يعد بالقياس الى اصحاب المقامات العالية خطيئة ينبغي الاستغفار منها وطلب العفو وقد قيل حسنات الابرار سيئات المقربين وبهذا نفهم استغفار الانبياء (عليهم السلام) فهم صلوات الله عليهم اجل مقاماً وارفع شأناً من ان يقع احدهم في شيء من المعاصي المعروفة لان الله جل وعلا قد عصمهم من المعصية صغيرها وكبيرها ونزههم عن مقارفة الاثم. ان استغفار الانبياء والاوصياء (سلام الله عليهم) مما لا نقدر نحن بمداركنا المحدودة القاصرة ان نبلغ كنهه او نصل الى حقيقته وغاية ما نعرفه في هذا السياق ان لكل مرحلة من مراحل العبودية حتى العالية منها استغفاراً وتوية خاصة في غاية الدقة والخفاء. من مصاديقها قوله تعالى في سورة المؤمن مخاطباً رسول الله (صلى الله عليه وآله): «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ» ونظيرها في سورة محمد (صلى الله عليه وآله): «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ».
وقد وردت روايات كثيرة عن اهل بيت العصمة صلوات الله عليهم تتضمن استغفار رسول الله والائمة الهداة (عليهم السلام) على نحو ينطوي على اسرار عميقة ومعاني دقيقة يستعصي على الفهم القاصر ادراك واقعها وحقيقتها والغلط كل الغلط ان نفسر هذه النصوص بما نهوى وبما يمليه علينا ادراكنا المحجوب بالغفلة عن مقامات التوحيد العالية لان النبي واهل بيته هم في مقام العصمة‌ الشامخ بل هم فوق هذا المقام.
اخوة الايمان من هذه الروايات نقرأ مثالاً او مثالين لنقترب من ملاحظة هذا الموضوع الدقيق العميق يقول الامام الصادق (عليه السلام) «ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان لا يقوم من مجلس وان خف حتى يستغفر الله خمساً وعشرين مرة» من المواضع التي يستغفر فيها رسول الله اذن هو قبل ان يقوم من المجلس الذي كان جالساً فيه، ترى لماذا الاستغفار بعد كل مجلس ولاي معنى يطلب النبي الكريم المغفرة وما هو هذا الغفران الذي يطلبه من الحق تبارك وتعالى، ثم العدد خمسة وعشرون لماذا يستغفر النبي خمساً وعشرين مرة ومهما يكن من امر فأن رسول الله و سيد الانبياء والمرسلين يستغفر استغفاراً لائقاً بمقامه السامي الرفيع وهو مقام قاب قوسين بل مقام او ادنى مما لا يسعنا نحن في مقامنا الارضي ان نعرفه وان نستوعبه.
ويماثل هذه الرواية‌ رواية‌ اخرى عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: «كان (رسول الله صلى الله عليه وآله) يستغفر الله عزوجل في كل يوم سبعين مرة ويتوب الى الله عزوجل سبعين مرة».
قال الراوي: «قلت كان يقول استغفر الله واتوب اليه».
قال (عليه السلام): يقول استغفر الله سبعين مرة واتوب الى الله سبعين مرة.
من غير هذا وذاك كان نزول سورة النصر في اواخر حياة رسول الله معلماً اجلى من معالم هذا الاستغفار النبوي، خاصة اذا نظرنا الى الاحاديث والاخبار التي تنص على ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يستغفر بعد نزول هذا السورة في كل حالة من حالاته وقد ورد في الروايات انه (صلى الله عليه وآله) سؤل عن هذا الاستغفار فقال انه قد امر به ثم تلا قوله تعالى «بسم الله الرحمن الرحيم، إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا».
ربما يظن البعض ان التوبة والاستغفار لا موضع لهما الا لمن ترك واجباً او اقترف اثماً وان من يؤدي فرائضة يتجنب المحرمات والكبائر لم يرتكب مأثماً لكي يحتاج الى توبة واستغفار والحق ان هذا نمط باطل من الظن واسلوب ابتر في التفكير ينطلق من جهل بحقائق القرآن ودقائق الصراط. ان غياب التدبر السليم في آيات القرآن الكريم واهمال التدقيق في معنوية النبي والائمة المعصومين صلوات الله عليهم اجمعين ليسوق المرء الى افكار موهومة يصوغها امامه على انها فكر ديني او عقيدة قرآنية بحيث يحسب صاحب هذا التفكير انه يقول الحق ويصيب سواء السبيل مما يضطره هذا الفهم الى الحيرة امام الايات والروايات التي تشتمل على توبة النبي او الامام واستغفاره فلا يجد امامه سبيلاً غير تكلف التأويل وركوب التعسف في التفسير.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة