البث المباشر

الاستعلائية في نظريات الاستعداد الشرقي لقبول الاستبداد

الأحد 27 يناير 2019 - 10:49 بتوقيت طهران
الاستعلائية في نظريات الاستعداد الشرقي لقبول الاستبداد

الحلقة 101

ابتليت منطقة الشرق في حياتها السياسية ومنذ اقدم العصور بأنواع من انظمة‌ الحكم يهيمن عليها حاكم طاغية مستبد الا في ومضات سريعة مرت في التاريخ، وقد تعاقبت هذه الانظمة الفردية الاستبدادية عدة‌ الاف من السنين حتى اصبحت لفظة الشرق ولفظة الطغيان مترادفتين او كالمترادفتين.
صحيح ان امم كثيرة اخرى حكمها الطغاة منذ اقدم العصور ايضاً كما هو الحال في اليونان القديمة‌ لكن المقارنات التاريخية تشير الى ان الحكم المطلق في الشرق اكثر شمولاً من نظيره في الغرب، وهكذا يظهر الاستبداد الشرقي على انه الصورة الاشد قسوة للسلطة المطلقة.
وقد كانت هناك محالات كثيرة لتفسير الطغيان الشرقي وللوحدة القسرية بين هوية‌ الحاكم والمحكوم التي جعلت الحاكم يبتلع كل شيء في الدولة وقادت الى استسلام عجيب من جانب المواطنين لهذا الضرب من انظمة الحكم، ومن ضمن التفاسير الغربية لهذا الطغيان الشرقي هو القول بأن الشرقيين هم بطبيعتهم عبيد يعشقون الطغيان ويستمتعون بالقسوة ويخلقون الطاغية اذا عز وجوده.
اما اقدم نظرية تفسر حكم الطاغية في الشرق واستسلام المواطنين له فهي نظرية ارسطو اذ ذهب ان شعوب العالم ليست على صنف واحد وانما هي تنقسم ثلاثة اقسام يتربع الشعب اليوناني في نظر ارسطو على قمتها وما يهمنا هنا هو انه كان يعتقد ان هناك اناساً مهيئين بطبيعتهم لان يكونوا عبيداً، فقد خلقوا لخدمة‌ غيرهم، ذلك ان التفرقة بين الاعلى والادنى كائنة في الطبيعة وفي جميع الاشياء، ومن الحيزان يحكم الجانب الاعلى وان يطيع الجانب الادنى، ومن هنا حسب التصور الارسطي نجد ان بعض الناس هم بطبيعتهم سادة وبعضهم الاخر عبيد والرق بالنسبة الى هؤلاء نافع بقدر ما هو عادل.
نظرية ارسطو هذه التي توصف اليوم بأنها عنصرية قادت على الحكم على بعض الاجناس البشرية بأنهم ارقاء بالطبع وعلى البعض الاخر بأنهم احرار بالطبع وهذا ساقه الى ان جعل من الاغريق السادة الاحرار فأنهم لا يجوز استرقاقهم لانهم ورثوا الروح العالية والشجاعة.
اما الشرقيون من وجهة نظر هذه النظرية منهم بطبيعتهم عبيد وعلاقة السيد عندهم بالعبد هي علاقة الطاغية والحاكم المستبد برعاياه، مادام هذا الحكم لا يعترف بحقوق هؤلاء الرعايا ولا ينظر اليهم الا بوصفهم كائنات دنيا ومن درجة سافلة او مجرد ادوات يسخرها لاغراضه ويأمرها فتطيع، ومن هنا عزيزي المستمع نجد ارسطو في رسالته الى تلميذه الاسكندر الاكبر ينصحه بمعاملة اليونانيين معاملة القائد في حين يوصيه ان يعامل الشرقيين معاملة السيد لعبده.
ويمضي المعلم الاول في نظريته الاستعلائية هذه فيرى ان الشرقيين يعاملون زوجاتهم على انهن جوار واماء والا عجب من ذلك اعتقاده ان الشرقيين يستسلمون للطغيان الحاكم على انه امر طبيعي لا يجدون فيه غضاضة، فهم لا يحتجون ولا يتذمرون في حين ان الرجل الاوروبي الحر فيما زعم ارسطو لا يستطيع ان يتحمل هذا النوع من الحكم فيفر منه بشتى الطرق يقول ارسطو يتمثل الطغيان بمعناه الدقيق في الطغيان الشرقي حيث نجد في الشعوب الاسيوية على خلاف الشعوب الاوربية طبيعة العبيد وهي لهذا تتحمل حكم الطاغية بغير شكوى او استياء.
نظرية ارسطو المنحازة هذه عزيزي المستمع عن الطغيان الشرقي ظلت سائدة في الفكر السياسي مع تعديلات طفيفة، ففي النصف الثاني من القرن الثامن عشر ذهب مونتي سيكيو الى ان الاستبداد نظام طبيعي بالنسبة ‌الى الشرق لكنه غريب وخطير على الغرب وقد جمع مونتي سيكيو بين العنصرية العرقية والعصبية الدينية حين قال ان الحكومة المعتدلة هي اصلح ما يكون للعالم المسيحي وان الحكومة المستبدة هي اصلح ما يكون العالم الاسلامي دون ان يفسر مونتي سيكيو من اين جاءت هذه القسمة الغريبة التي تجعل الحكم المعتدل هو الحكم المناسب للعالم المسيحي اي الغربي وتجعل الحكم الاستبدادي هو انسب اشكال الحكم للعالم الاسلامي.
ولا شك ان مونتي سيكيو ينطلق في هذا من منطلق الجهل القام بالاسلام فهو لم يكلف نفسه ان يقرأ شيئاً من خصوص الاسلام ومفاهيمه في حرية الانسان وفي كرامة بني ادم، وفي النظر الى الكائن الانساني على انه خليفة الله في الارض ومونتي سيكيو هذا على غير علم ان الدين الاسلامي يقول لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ويؤكد على العدل والرحمة والخروج على الحكام الجائرين.
واذا كان لاحد ان يعتذر لمونتي سيكيو عن فكرته العنصرية المتعصبة هذه ضد العالم الاسلامي هي انه لن يقرأ شيئاً عن النظام الاسلامي وعن الحياة الاسلامية الكريمة لكنه فيما يبدو قد لاحظ ان تاريخ المسلمين يسيطر عليه الطغاة فتوهم غالطاً ان هذا هو ما يدعو اليه الاسلام ومن هنا ظن ان الحاكم المسلم لابد ان يكون بطبيعته طاغبة وان المسلمين لا يصلحون للحكم المعتدل ماداموا قد اذعنوا قروناً طويلة لهذا الضرب الكرية من الحكم دون يلتمسوا الطريق الى التحرر او ان يحاولوا ان يستبدلوا نظام الاستبداد نظاماً من الحكم يحترم ادمية الانسان ويعترف له عملياً بحريته وكرامته.
اما ارسطو فقد كانت نظريته عنصرية كذلك فلاريب ان نظرة الاستعلاء كانت جزءاً من التفكير الفلسفي عند اليونان فهم بهذا الزعم وحدهم القادرون على خلق الحضارة والثقافة والاستمتاع بالحرية وهم وحدهم الحريصون على القيم الانسانية والمثل العليا وهم بهذه النظرة العنصرية الذميمة وحدهم السادة وبقية الشعوب برابرة وهمج وعبيد، غير ان هذه النظرة فيما يبدو عزيزي المستمع لم تكن نظرة اليونانيين وحدهم اذ يروي هيرودوت ان قنبيز الامبراطور الفارسي الشهير كان يعد الايونيين والالويين عبيداً ورثهم عن ابيه ولم تبعد نظرية هيغل عن هذا المستوى كثيراً فهو يطلق حكماً جزافياً يقول فيه ان الشرقيين لن يتوصلوا الى معرفة الروح او الانسان حر بما هو انسان ونظراً لانهم لم يعرفوا هذا فأن لم يكونوا احراراً وكل ما عرفوه ان ليس من حر الا شخص بذاته هو الحاكم الطاغية واما بقية الشعب فعبيد له بالطبيعة.
وعلى هذا الاعتبار نفسه ان حرية ذلك الشخص الواحد لم تكن الا نزوة شخصية وشراسة او انفعالاً متهوراً وحشياً.
ومن هنا فأن هذا الشخص الواحد ليس الا طاغية وما هو بأنسان حر وهكذا يرد هيغل عبودية الشرق الى غياب الوعي الذاتي فأن الشعب في الصين ليس لديه عن نفسه الا اسوء المشاعر فهو لم يخلق الا ليجر عربة الامبراطور وهذا هو قدره المحتوم وعاداتهم وتقاليدهم وسلوكهم اليومي يدل على مدى ضئالة الاحترام الذي يكنونه لانفسهم كأفراد وبشر.
وعلى كل حال فأن جميع النظريات التي تتحدث عن طبيعة خاصة عند الشرقيين او غيرهم هي نظريات ظاهرة الخطأ وكل ما يمكن قوله هو ان الشعوب التي تعودت على حكم الطاغية عدة الاف من السنين قد تجد لديها استعداداً للتسليم لهذا الشكل من اشكال الحكم اسرع من غيرها كما انها لا تمانع في الحديث عن ايجابيات الطاغية وتمتدح اعماله الجليلة دونما غضاضة ولا تحرج، وما يزال ابناءها يتسابقون في تدبيج القصائد المنافقة التي تتغنى بأياديه البيضاء على الناس ولم يعد مثل هذا الحاكم يجد حرجاً في تسخير الصحافة والاذاعة والتلفزيون وجميع وسائل الاعلام للحديث عن امجاده وبطولاته وانتصاراته حتى لو انه قد انهزم هزيمة منكرة.
ان التفكير القطيع الذي يغلب على الناس في بعض الاقاليم انما مصدره هذه الالفة الطويلة للظلم وغياب الاحساس بالمسؤولية الاسلامية والانسانية فرغم هذا فأنك تجد بذور الثورة والحركة دائماً كائنة لكنها خافية مكتومة تتحين الفرص المناسبة وهذه حقيقة شاخصة لا ينكرها الا مكابر والسلام عليكم.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة