البث المباشر

بدعة الاستبداد في نظام الحكم الأموي

الأحد 27 يناير 2019 - 09:05 بتوقيت طهران

الحلقة 95

شهد التاريخ السياسي الواناً من انظمة الحكم اكثرها شيوعاً هو نظام الحكم الاستبدادي الذي يكون فيه الحاكم طاغية يمارس الظلم والقهر والاستعباد، ومن هنا كان نظام حكم الطاغية اسوء اشكال الحكم وادخلها في وحل الحيوانية، وقد عرف العالم الاسلامي في تاريخه الطويل هذا اللون من انظمة الحكم بل كان هو الغالب طيلة القرون وغالباً ما يلجأ الطاغية لضمان اذعان الناس لارادته ان يرتدي عباءة الدين ويدعي انه ظل الله في الارض او الحاكم بأرادة الله كما كان الشرقيون القدماء في بابل وفي بلاد فارس يصنعون وكما كان الغربيون في اوربا المسيحية الكنسية يفعلون حين يزعم الطغاة ان الله فوض اليهم امر الحكم واختارهم لسوق الناس كما تساق الاغنام بالاكراه، هذا اللون السارق للون الدين ظهر في الشرق في دورات تاريخية عديدة كان من اقدمها في تاريخ الاسلام الحكم الاموي الذي تسلط في القرن الهجري اول على رقاب المسلمين، وقد ارتكز حكام بني امية في تدعيم سلطتهم وفرضها على الناس على ركائز فكرية ثلاث الاولى انهم اشاعوا كون الخلافة من حقوقهم التي ورثوها من عثمان بن عفان والثانية انهم روجوا في الشام لفكرة انهم استحقوا الخلافة لقرابتهم من رسول الله بل اشاعوا انهم وحدهم قرابة النبي (صلى الله عليه وآله) دون بني هاشم و دون ذرية الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) والركيزة الثالثة في اسناد السلطة الاموية انهم ادعو ان الله هو الذي اختارهم لحكم المسلمين وانهم يتصرفون بمشيئته كما كان ملوك الغرب الطغاة يحكمون بأسم التفويض الالهي او الحق الالهي في الحكم، ومن هنا ابتدع الامويون مذهب الجبر فالسلطة يتم تحديدها من الله وليس للناس فيها رأي ولا مشورة والخليفة هو خليفة الله وعلى الناس الطاعة والاستسلام.
في البداية الاموية حارب معاوية بن ابي سفيان والي عثمان على الشام الخليفة الامام امير المؤمنين علياً (عليه السلام) في معركة صفين، ثم استقل بحكم الشام متمرداً على الشرعية واعلن نفسه خليفة تعينه عشيرته من الامويين الذين جعلوا عباد الله خدماً لهم واتخذوا مال الله غنيمة لهم واعتبروا ارض العراق مثلاً بستاناً من بساتينهم، وطد معاوية سلطته وقضى على معارضيه بالسيف والحذيعة ولن يتورع عن ان يستخدم في سبيل هذه الغاية ادنى السبل واحطها من قتل وعذر ورشوة وخيانة، وكان من افاعيله انه قتل الامام الحسن (عليه السلام) سبط النبي (صلى الله عليه وآله) بالسم الذي دسه له بواسطة زوجته جعدة بنت الاشعث، وقتل معاوية طائفة من خيار المؤمنين منهم مالك بن الاشتر الذي دس له السم عذراً ومنهم حجربن عدي الكندي قتله صبراً.
وابن ابي سفيان هذا المتسلط المستبد غير في الدين وادخل فيه البدع الكثيرة فهو اول من جعل الخلافة ملكية وراثية في اسرته، اسرة الطلقاء والطرداء فأصبح الحاكم يدعي انه يستمد سلطته من التفويض الالهي ويرسي قواعدها بقوة السيف ومعاوية نفسه قد صرح بوضوح بأنه لم يتولى الخلافة بمحبة الناس ورضاهم بل كما يقول جالدتكم بسيفي هذا مجالدة.
وكان عماله مثله فعندما ارسل اليهم يطلب رأيهم في اخذ البيعة لولده الياغي يزيد ولياً للعهد قام يزيد بن المقنع فلخص الموقف الاموي من الخلافة في عبارة موجزة بليغة قال امير المؤمنين هذا واشار الى معاوية فأن هلك فهذا واشار الى يزيد فمن ابى فهذا واشار الى سيفه فقال له معاوية اجلس فأنك سيد الخطباء.
ثم راح يأخذ البيعة ليزيد والناس كارهون وعندما قال قائل منهم اني ابايع وانا كاره للبيعة قال له معاوية مستغلاً القرآن بتزوير واضح قال له بايع يا رجل فأن الله يقول: «عَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ثم كتب الى مروان بن الحكم عامله على المدينة ان ادعو اهل المدينة الى بيعة يزيد فأن اهل الشام قد بايعوا وهكذا اصبحت البيعة مجرد اجراء شكلي لا واقع له ولا قيمة شرعية.
ولم يقف بازاء هذا الطغيان المتستر بظاهر الدين موقفاً‌ اسلامياً اصيلاً صادقاً غير سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيد شباب اهل الجنة‌ الامام الحسين بن علي (عليه السلام) فقد كان يمثل كل القيم الالهية في الحياة والحياة السياسية وهي تنتفض لتكشف زيف المتسلطين على امور المسلمين ولما يمضي على‌ رحيل النبي اكثر من اربعين عاماً.
وهكذا كانت حركة الامام الحسين وكانت واقعة‌ كربلاء الفاجعة الدامية التي اراد الحسين (عليه السلام) فيها ان يحفظ ماء وجه مسلمي العالم وان يطهر الارض والدين من هذه الشراذم التي تحكمت بالناس ظلماً لا بسة عباءة دين الله العظيم.
ثم كانت واقعة‌ الحرة في المدينة‌ نقطة سوداء اخرى تكشف عن الطغيان الاموي البغيض وبعد ان استباحت جيوش يزيد المدينة المنورة ثلاثة ايام وقتل فيها خلق كثير من الناس من بني هاشم وسائر قريش والانصار وغيرهم من الناس اتجهت جيوشه الى مكة فرمت الكعبة المعظمة بالمنجنيق من الجبال حتى انهدمت وذلك لاجبار الناس على السمع والطاعة‌ وعلى ان يكونوا عبيداً لفرعون الصغير. وقد لحض المسعودي في كتابه مروج الذهب حالة الطاغية يزيد فقال، ليزيد اخبار عجيبة ومثالب كثيرة من شرب الخمر وقتل ابن بنت الرسول ولعن الوصي وهدم البيت واحراقه وسفك الدماء والفسق والفجور وغير ذلك مما قد ورد فيه الوعيد باليأس من غفراته.
ان ما نريد قوله هنا اعزاءنا المستمعين ليس تاريخاً لبني امية او لغيرهم من طواغيت التاريخ بل نريد عرض نماذج من الحكم استغلت السمة الدينية وهي في الواقع تعادي الدين واهله الحقيقيين، نماذج من الحكم تغيب فيه الرقابة والمحاسبة وتنتفي فيه حرية الرأي والمعارضة ويكون الحاكم فيه ممسكاً بالسيف بيمينه وبالمال في يساره يغدقه على الاتباع والاقرباء والمنافقين فلا نجد امامنا سوى استبداد مطلق وطغيان احمق وظلم لا يقبله احد.
تكاد عبارة السلطة المطلقة مفسدة مطلقة لا تبطبق على حاكم في التاريخ انطباقها على عبد الملك بن مروان الذي حكم ثلاث عشرة سنة من سنة ۷۳ الى ۸٦ للهجرة الذي يعد المؤسس الثاني للدولة الاموية، عبد الملك بن مروان هذا هكذا يصفه السيوطي قبل توليه السلطة كان عابداً زاهداً ناسكاً في المدينة قبل الخلافة ومن هنا عرف عبد الملك بحمامة المسجد لمداومته على تلاوة القرآن فلننظر اليه عندما ورث سلطة المسلمين ظلماً واغتصاباً، عندما علم ان الحكم انتقل اليه كان المصحف في حجره فأطبقه وقال هذا آخر عهدنا بك وهكذا بدأت خلافته، هذا والسلام عليكم.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة