قبل اشتعال الحوادث التي تنتهي بمقتل سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين بن علي (عليه السلام) كانت هناك تغيرات ذهب معها قديم وجاء عليها جديد، من هذه التغيرات موت المغيرة بن شعبة احد دهاة العرب، والمغيرة هذا هو الذي اسهم سهاماً كبيراً في وضع بذرة الحكم الوراثي في ساحة الملك في امة رفضت الحكم الوراثي في ساحة الطهر لقد وضع بذرة لا تنبت الا بالسيف والدهاء في حين كان يقابل هذه البذرة بذرة اخرى شجرتها التقوى وفروعها اليقين وتسقى من حوض سيد المرسلين.
مات المغيرة بن شعبة سنة٥۰ بعد ان ضربه الطاعون وفي سنة ٥۲ مات زياد بن ابيه ذراع معاوية مات بالطاعون بعد ان فعل الافاعيل في امة النبي (صلى الله عليه وآله)، ومات سمرة بن جندب الذي قتل من المسلمين ثمانية الاف وروى الطبري انه قبل للمغيرة هل تخاف ان تكون قد قتلت بريئاً؟
فقال: لو قتلت مثلهم ما خشيت وروي انه قال في آخر ايام حياته بعد ان فقد منصبه والله لو اطعت الله كما اطعت معاوية ما عذبني ابداً، ومات ايضاً عمر وبن العاص وعندما احتضر حول وجهه الى الجدار وقال: اللهم امرتنا فعصينا ونهيتنا فأنتهينا.
وفي رواية انه جزع جزعاً شديداً فلما رأى ذلك ابنه عبد الله قال: يا ابا عبد الله ما هذا الجزع وقد كان رسول الله يدينك ويستعملك فقال: اي بني وسأخبرك عن ذلك، انا والله ما ادري احب كان ذلك ام تألفاً يتألفني.
وقبل اشتعال الاحداث التي ادت الى مقتل الامام السبط ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) مات معاوية بن ابي سفيان، كان عمر بن الخطاب يقول للناس: اتذكرون كسرى وعندكم معاوية، وعندما استعمله معاوية على الشام كتب اليه ابوه ابو سفيان يا بني ان هؤلاء الرهطاء من المهاجرين امد فنافس فأن بلغته اوردته عقبك.
لقد ذهب جبل حذيفة الذي كان يصلي سراً وجاء جيلاً آخر على يديه تضيه الصلاة واندفع اناس مثل ابوبكر بن خارجه فسلموا امورهم الى حاكم ماجن خليع نسي انه خليفة للمسلمين وتمرغ في حياة لاهية عابثة، انه الوليد بن يزيد فرع اخير من فروع شجرة بني امية.
ان الجيل الذي ذهب وضع على رقاب الامة من هو اشد تنكراً على رسالة الله، واعتى في مجاهرة اهل الطهر بالعداء.
وقد روى ابن كثير في البداية والنهاية ان يزيد بن معاوية عندما جلس على اريكة السلطة وقام في ابهته استشار مستشارة النصراني سرجون، وسرجون هنا كان من الروم كاتباً لمعاوية وصاحباً لامره وقال ابن حجر في الاصاية ان سرجون مستشار يزيد هو الذي اشار عليه بتولية عبيد الله بن زياد الكوفة ليتصدى لاتباع الحسين، وذكر الطبري انه لما اجتمعت الكتب عند يزيد دعا يزيد سرجون وقال له: ما رأيك فأن حسيناً قد توجه نحو الكوفة فقال: سرجون أرأيت معاوية لو بعث لك كنت اخذاً برأيه قال يزيد: نعم فأخرج سرجون عهد عبيد الله على الكوفة وقال: هذا رأي معاوية وقد امر بهذا الكتاب.
اجل ان معاوية ومستشاره النصراني الرومي سرجون قد كتب الكتب تحسباً لمستقبل السلطة الاموية واودع هذه الكتب في الخزائن وكل حدث يحدث له في الخزينة كتاب وسيظهر بعد اذن عهد معاوية ليزيد في احداث واقعة الحرب حيث اوصى معاوية لمسلم بن عقبة ان يذل بها الانصار، واذ كان سرجون يخطط في دار الخلافة كان مروان بن الحكم يخدمه في موقع آخر سواء كان في الحكم او في خارجه فهو في ذلك الوقت كبير بني امية وهو بكر ابناء الحكم بن العاص الذي لعنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومروان في صلبه، وبين هؤلاء وقف عبد الله بن الزبير وكان قد تثاقل عن مبايعة يزيد وذهب الى مكة ودعى الناس الى نفسه وعبد الله بن الزبير هذا كان علماً من اعلام واقعة الجمل وهو الذي افسد اباه وكان كرسي السلطة املاً من اماله، وبعيداً عن هؤلاء وقف عبد الله بن عمر ولم يكن مصدر خطورة لاحد فهو لم ينصر علياً وبايع يزيد ووقف في وجه الخارجين عن الحكم الاموي يوم الحرة ثم بايع عبد الله بن مروان وبعد ضرب الكعبة طاف ابن عمر فيها وطاف معه الحجاج بن يوسف وكان عبد الملك قد امر الحجاج ان يأخذ مناسكة عن عبد الله هذا.
كانت الحوادث على ابواب دعوة الامام الحسين (عليه السلام) يديرها سرجون ومعاوية وان كان قدمات ويزيد.
وكان ربان السفينة عبيد الله بن زياد السفاح الذي تتوارى امامه خجلاً افعال بصر بن ارطة وسمرة بن جندب وغيرهما على الرغم ما بهما من قسوة، كانت الاحداث تبشربثقافة لا تنتج الا جيلاً متسلقاً يبحث عن السلطة وجيلاً حاملاً لا يقدر على التمييز بين الصالح والطالح ولا يستطيع تشخيص ما هو رجس وما هو طاهر نقي، اجل يا اخي لقد كان الجيل الاول في القرن الاول امام امتحان لا اجبار فيه فهو اما ان يختار يزيد ويقف معه لتصفية معارضيه كابن الزبير والخوارج ليستقيم الملك للاسرة الاموية واما ان ينقبوا فيما حولهم ويقرأ الاحداث على وجهها الفطري بعيداً عن زخارف اعلام المعارضة وبريق اهدافها التي ما هي الاسراب، يعينهم على هذه القراءة المتبصرة مخزونهم الفطري الذي هو حجة بذاته وما حفر في اذهانهم من اقوال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم عليهم ان يختاروا انفسهم الدائرة التي لا ترى عندها زخرفاً ولا بريقاً وانما اخبار بحياة كريمة من وراءها موت محتوم وبعث وحساب لا ريب فيه يترتب عليها اما نعيم او شقاء.
لقد كانت الساحة تعج بأعلام الزينة والاهواء وعلى طرقها تسير قوافل التسلط والاحتناك وكانت ثمة حجة من الله على هذه الاعلام وهذه القوافل لكي لا تكون لهم على الله جحة يوم القيامة وحجة الله تبارك وتعالى ظاهرة ولا تفرض نفسها على احد وانما تأخذ الحجة بالاسباب في مخاطبة الناس كي يساعدهم ذلك في الالتفاف حول ينبوع النجاة وشاء الله تعالى ان يكون الحجة في هذه الساحة مقتولاً وشاء الله ان يكون الناس على علم انه مقتول لا محالة وشاء الله سبحانه وتعالى ان يكون في الخندق المقابل للحجة اهل دنيا معهم الاعلام التي يزينها البريق وهناك يكون الابتلاء، انه الابتلاء والاختبار والامتحان فمن سيقف في ساحة الدماء ومن سيقف في ساحة الدينار والدرهم، ان الجيل الاول في الاول كان في مفترق طرق لان الحجة في سنم الوجود يجب ان يهرع اليه الناس مادام فيه من الله برهان، لان الناس مطالبون بموقف وحركة لينظر الله كيف يعملون «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا»، ان الخطوة الاولى ينبغي ان تكون مبادرة من الناس فأذا جاهدوا فيما عند المقدمة ترتب على ذلك عطاء الله ان كانوا صادقين كما قال تعالى: «ولينصرن الله من ينصره» وقال: «انهم فتية امنوا بربهم وزدناهم هدى» فأذا هرع الناس الى الحجة الالهي الذي كان الامام الحسين (عليه السلام) في ذلكم العصر سلك بهم طرق الدنيا عن طريق الدين، فالدين الذي حمله اهل البيت (عليهم السلام) طريقة خاصة في الحياة تؤمن صلاح الدنيا بما يوفق الكمال الاخروي والحياة الدائمة الحقيقية والسعادة الحقيقية يصل اليها الانسان او يعمل للوصول اليها عندما يكون مؤمناً بالله وكافراً بالطاغوت.
*******