السلام عليكم ايها المستمعون الكرام ورحمة الله. تشكل المرحلة السلجوقية مرحلة ذات شأن في تطور فن العمارة الاسلامية، وخطوة نامية من خطى هذا الفن التراثي الجميل والسلاجقة قبائل من التركمان الرحل قدموا من اقليم القرقيز في آسيا الوسطى واستقروا في الهضية الايرانية وغدا العنصر التركي ذا شأن خطير في الشرق الاسلامي منذ ذلك الحين فلم يكن للحاكم العباسي ازاءهم نفوذ حقيقي، واستطاع طغرل بك ان يدخل بغداد سنة ٤٤۷ للهجرة وان ينصب نفسه سلطاناً للدولة ثم سيطر على الحكم في الشرق الاسلامي كله بيد ان الامبراطورية السلجوقية الواسعة لم تلبث ان تمزقت وال حكمها الى اسر صغيرة اسسها بعض افرادهم او كبار قادتهم ثم قضى المغول عليها في القرن السابع الهجري، كان امراء السلاجقة يعنون بالفنون في آسية الصغرى والعراق وايران لكن العنصر التركي الذي ينتمون اليه لم يظهر تأثيره في العمائر والاثار الفنية في عصرهم لانهم كانوا يستعملون ابناء البلاد انفسهم في الاقاليم الاسلامية ويشجعونهم بما يكلفونهم به من اعمال او يشترونه من آثار فنية ومع ذلك فقد نشأ تحت رعاية هؤلاء طراز قائم بذاته امتاز بضخامة العمائر واتساعها ومظهرها القوي كما امتاز ايضاً بأستعمال رسوم الكائنات الحية المحورة عن الطبيعة على النحو الذي عرفه الفن الاسلامي عامة ومن مزايا الطراز السلجوقي ما عدا ذلك كثرة استعمال الزخارف المجسمة ولا سيما في واجهات العمائر.
من الملاحظ ان الاثار الفنية التي خلفها هذا الطراز موطنها آسية الصغرى وارمينية وبلاد الجزيرة والشام، في آسية الصغرى غلب سلاجقة الروم الدولة البيزنطية على امرها وازدهرت دولتهم منذ نهاية القرن الخامس الهجري الى اول الثامن وخضعت لها بلاد الاناضول كلها في القرن السادس الهجري واصبحت عاصمتهم قونية من اعظم مراكز الحضارة في النصف الاول من القرن السابع وقامت في الشام وبلاد الجزيرة دويلات بني ارتق وبني زنكي وبني بوري الذين رعوا الفنون في ديار الاسلام، ويبدو ان الاساليب التي مهدت للطراز السلجوقي قامت في بلاط محمود الغزنوي من سنة ۳۸۸ الى ٤۲۱ للهجرة وامتدت منها الى ايران والهند وكانت مرحلة الانتقال من الاساليب الفنية التي انتشرت في شرق العالم الاسلامي الى الطراز السلجوقي ولاغرو فأن الغزنويين من عنصر تركي ولكنهم القوا انفسهم في احضان الحضارة الايرانية وتأثروا في فنونهم ببعض الاساليب الهندية القديمة بل قامت على يدهم في دهلي نفسها عدة من العمائر في القرنين السابع والثامن وظلت اساليبهم الفنية في الهند محتفظة بقسط وافر من شخصيتها الى القرن التاسع ولم تطغى عليهم الاساليب التي ازدهرت في ايران على يد المغول.
ومما يشاهد في العمائر الدينية السلجوقية انها لم تكن مقصورة على المساجد بل كثر بناء الاضرحة على شكل ابراج اسطوانية او ذات اضلاع واوجه عدة او على شكل عمائر ذات قباب وقد نشأ هذا الطراز من الاضرحة في خراسان وانتشر منها الى سائر انحاء العالم الاسلامي وكانت المدافن المشيدة على هيئة ابراج يسيرة من انواع العمائر التي شاعت قبل الاسلام في شرق ايران ثم اقبل السلاجقة على اتخاذها من الاجر مع الابداع في اكسابها كثيراً من الضخامة والاناقة واقدم هذه الابراج في العصر السلجوقي كنبد قابوس في اقليم جرجان وتصميمه نجمي يضيق قليلاً جداً في اعلاه وينتهي بقمة مخروطية الشكل. وهو مؤرخ في سنة ۳۹۷ للهجرة ومن الابراج الجميلة ذات التصميم الكثير الاضلاع قبر مؤمنة خاتون في نخجوان بإيران وفي تضليعاتها حنايا تنتهي في اعلاها بمقرنصات يسيرة، وتشير الكتابات التاريخية فوق مدخلها الى انها قد شيدت سنة ٥۸۲ للهجرة، وقد انتشرت هذه الابراج في آسية الصغرى وكانت في معظم الاحيان يسيرة متعددة الاضلاع خالية من الزخارف الفنية التي نراها في ايران، وكان المدفن المعتاد يغطى في بعض الاحيان ببرج من هذه الابراج كما هو الحال في قبر جلال الدين الرومي في قونية ويرجع الى القرن السابع الهجري.
وعرفت تلك الابراج في بلاد الجزيرة والعراق وكان بعضها ازاء مدخله رواق صغير كما نرى في ضريح الامام يحيى بالموصل ويرجع الى سنة ٦۳۷ للهجرة كما يتبين من كتابة على تابوت خشبي فيه ونص هذه الكتابة «هذا قبر يحيي بن القاسم بن الحسن بن علي بن ابي طالب (صلوات الله عليهم اجمعين)، تطوع بعمله العبد الفقير الراجي رحمته لؤلؤ بن عبد الله ولي آل محمد سنة ٦۳۷» وهناك كتابة اخرى بارزة بحروف كبيرة من الاجر في الجدار الايمن من قاعة المرقد نصها «هذا ما تطوع بعمارته لوجه الله تعالى العبد الفقير لؤلؤ ين عبد الله».
اما الاضرحة ذات القباب فأكبر الظن انها مشتقة من المنازل ذات القباب التي ذاع تشييدها في المدن الصحراوية في خراسان منذ العصور القديمة وتطورت عمارتها حتى اصبح فوق القاعدة المربعة مثمن ورقبة تحمل القبة، ومن ابرز الامثلة على هذه الاضرحة قبر السلطان سنجر في مدينة مرو الذي يعود الى القرن السادس الهجري وامتاز بستار من البناء ذي حنايا يحيط برقبة طويلة تعلوها القبة التي بدت انها طاقية فوقها وقد تأثرت الاضرحة الهندية في العصر البثاني قبل غزو المغول للهند بعمارة الاضرحة ذات القباب في ايران ولكنها امتازت بأن معظمها مربع القاعدة يضيق قليلاً كلما ارتفع وله سور منحدر ذو ابراج في اركانه فضلاً عن ان بناء القبة كان متأثراً بالاساليب الهندية المحلية كان متجلياً في تلك العمائر وليس بالاساليب الايرانية. ومن امثلة تلك الاضرحة مدفن تغلق شاه الذي اقامه محمد بن تغلق لابيه في دهلي سنة ۷۲٥ للهجرة.
كان بناء عمارات المدارس مظهراً آخر من مظاهر الفن الاسلامي في هذا العصر وقد فتح الوزير نظام الملك مدارس في نيسابور وطوس وبغداد وتبعه غيره ففتحوا المدارس ورصدوا لها الاوقاف بيد ان تشييد المدارس في ايران لم يبق منه شيء وكذلك شيد بنو زنكي المدارس في سوريا وبلاد الجزيرة وشيد المستنصر العباسي المدرسة المستنصرية ببغداد بين عامي ٦۲٥ و٦۳۰ للهجرة ولم يبق من هذه المدرسة الا اطلال وكان قوام تصميمها مستطيلاً في منتصف كل ضلع من اضلاعه ايوان عرضه نحو ستة امتار ويحف بكل ايوان من ايواني الضلعين الكبيرين قاعتان للدرس اما قاعات الطلبة فكانت من طابقين وتقوم بين هذه الايوانات وكان لها بوائك محمولة على اكتاف. وقد زار اين بطوطة بغداد سنة ۷۲۷ للهجرة ورأى المدرسة المستنصرية وكتب في وصفها «وهذه الجهة من بغداد حافلة الاسواق عظيمة الترتيب واعظم اسواقها سوق يعرف بسوق الثلاثاء وكل صناعة فيها على حدة وفي وسط هذا السوق المدرسة النظامية العجيبة التي صارت الامثال تضرب بحسنها وفي اخره المدرسة المستنصرية، لكل مذهب ايران فيه المسجد وموضع التدريس وجلوس المدرس في قبة خشب صغيرة على كرسي عليه البسط ويقعد المدرس عليه السكينة والوقار لابساً ثياب السواد ومعتماً وعلى يمينه ويساره معيدان يعيدان كل ما ينهيه وهكذا ترتيب كل مجلس» والسلام عليكم ورحمة الله.
*******