السلام عليكم ايها الاصدقاء ورحمة الله. كان فن الخزف من بين الانواع العديدة التي عرفها الفن الاسلامي التراثي الى جوار الزخرفة والخط والحفر على النحاس والتصوير والنسج والعمارة. وكان الفن الخزفي يشهد نمواً مستمراً وتطوراً ملحوظاً في مختلف بيئاته المصرية والعراقية والايرانية والشامية والاندلسية منذ صدر الاسلام الى ما بعد الف من السنوات وكنا قد وقفنا من قبل ازاء حركة فن الخزف في العراق وايران في عصر السلاجقة وعصر المغول ولحظنا ما اصاب هذا الفن من تطور وابداع كبير اما مصر الفاطمية فقد عرفت هذا الفن ايضاً وكانت راسخة القدم فيه وقد اتيح للخزفيين في العصر الفاطمي ان يبدعوا خزفاً ذاعت شهرته واعجب به اهل عصره وعلى رأسهم ناصر خسرو اعجابنا بما وصل الينا منه ومما يؤسف عليه ان التحف السليمة التي نعرفها من هذا الخزف نادرة جداً فأن جل ما نعرفه منه وجد في اطلال مدينة الفسطاط التي كانت عامرة في عصر الفاطميين. اشار ناصر خسرو الى صناعة الخزف في العصر الفاطمي بعد ان زار مصر واقام فيها بين عامي ٤۳۹ و ٤٤۱ للهجرة، قال هذا الرحالة الاسماعيلي ان الفاطميين كانوا يصنعون انواع الخزف المختلفة وان الخزف هذا كان رقيقاً شفافاً حتى لقد كان ميسوراً ان ترى من باطن الاناء الخزفي اليد الموضوعة خلفه وكانت تصنع مصر الفناجين والقدور والصحون والاواني الاخرى وتزين بألوان تشبه لون القماش المسمى بوقلمون وهي الوان تختلف بأختلاف اوضاع الانية.
ومما يدل على ازدهار صناعة الفخار عامة في العصر الفاطمي ما كتبه ناصر خسرو عن استعمال التجار والبقالين الاواني الخزفية فيما يستعمل فيه البقالون الورق والنايلون في العصر الحاضر فقد كانوا يضعون فيه ما يبيعونه ويأخذها المشتري مجاناً، كانت الاواني الفاطمية ذات البريق المعدني تدهن بطلاء ابيض او ابيض مائل الى الزرقة او الخضرة وتعلو هذا الطلاء رسوم ذات البريق المعدني الذي كان في معظم الاحيان ذهبي اللون وكانت احياناً حمراء او بنية اللون، اما الزخارف فكانت من الحيوانات والطيور والفروع النباتية وقد وصلت الينا امضاءات بعض الفنانين على الخزف ذي البريق المعدني في العصر الفاطمي مثل مسلم وطيب علي وابراهيم المصري وساجي وابي الفرج وابن نظيف والدهان ويوسف ولطفي والحسيني وتوجد اسماءهم على قطع خزفية محفوظة في متحفة الفن الاسلامي بالقاهرة وفي سواها. كان على رأس صناع الخزف ذي البريق المعدني خلال العصر الفاطمي الفنانان مسلم وسعد فقد اشتغل بأشرافهما وارشادهما عدد كبير من الخزفيين فكان لكل منهما مدرسة في الفن لها سماتها ومزاياها والراجح ان مسلماً عاش في بداية العصر الفاطمي، فأن منتجاته قريبة من منتجات العصر الطولوني الذي سبق العصر الفاطمي في مصر وعليها اليسر والقوة والحرية في الزخرفة اما سعد ففي طرازه شيء من الرقة والرشاقة والتناسق والتناغم والراجح انه عاش بعد مسلم بقليل، تدهن الاواني في طراز مسلم بالطلاء حتى تكاد تستخفي طينتها وحرف القاعدة منخفض جداً تكسوه المينا منتستخفي عجينته والبريق المعدني الذي نجده في هذا الطراز ذو لون واحد في اغلب الاحيان هو اللون الذهبي في حين يشاهد في بعض القطع بريق احمر نحاسي اللون.
استعمل الفنان مسلماً وتلاميذه الزخارف الحيوانية والادمية والنباتية اضافة الى الحروف الكوفية والحيوانات في زخارف هذا الطراز يبدو عليها شيء من المسحة الاولية والقوة والحرية في الرسم بيد ان افضل الزخارف التي كان يميل اليها الفنانون في هذا الطراز هي تلك التي تتألف من حيوان او طائر له الصدارة في الموضوع الزخرفي وتحيط به او تتفرع عنه خطوط متداخلة ومتشابكة وفروع نباتية تزين الارضية وتزيد الموضوع الزخرفي رونقاً وبهاءاً وقد وصل فنانو هذه المدرسة الى دقة كبيرة في رسم الحيوان فأسبغوا عليه الحياة وجعلوه صورة صادقة للواقع على الرغم من بعض الاساليب المحورة عن الطبيعة، اما طراز سعد فأن الاواني فيه لا تكاد كلها مغطاة بالطلاء الا نادراً جداً وامضاء سعد نجده مكتوباً بالحروف الكوفية المورقة على السطح الخارجي للاناء والمينا التي يستعملها هذا الفنان وتلاميذه اما بيضاء نقيه غنية بما فيها من قصدير واما زرقاء مائلة الى الخضرة بما فيها من نحاس واما حمراء وردية بما فيها من منغنيز وفضلاً عن ذلك كانوا يستعملون في بعض الحالات طلاءاً يسيراً من مادة زجاجية شديدة اللمعان يميل لونه الى الخضرة او الى لون العاج اما البريق المعدني في منتجات هذه المدرسة الفنية فذهبي اللون او زيتوني مائل الى الاصفرار وزخارفها متنوعة غنية معظمها رسوم الحيوانات والطيور تحيط بها تلك الفروع النباتية والمراوح النخيلية والجدائل.
ومن التحف المشهورة التي تحمل امضاء سعد اناء بمتحفة فيلتوريا مدهون بطلاء ابيض وعليه بالبريق المعدني البني رسم رجل تتجلى من يده اليمنى مبخرة على هيئة مشكاة ومن هذه التحف الفنية صحن في مجموعة كوت وصحن آخر في مجموعة الدكتور علي ابراهيم باشا في القاهرة وقدر مشهور في متحفة فيكتوريا وفي مجموعة اراك نيور بار باشا جزء من صحن ذي بريق معدني عليه صورة حمال فيها قسط وافر من القوة ودقة التعبير محفوظة في متحفة البارجلو في فلورنسا. وكانت مصر في العصر الفاطمي تستورد من الشرق الاقصى كثيراً من الخزف الثمين بل انها غدت من اهم مراكز تجارة هذا الخزف بين الشرق والغرب فلا عجب ان كان الخزفيون الفاطميون قد تأثروا لمنتجاب زملائهم في الشرق الاقصى وابدعوا نوعاً من الخزف ذي الزخارف المحفورة تحت الطلاء يقلدون فيه خزف سونج الصيني ولكن الظاهر ان تقليد الخزف الصيني تقليداً جيداً لم تتسع دائرته في مصر الا في عصر المماليك، ومن انواع الخزف التي عرفت في العصر الفاطمي بمصر الخزف ذو الزخارف المحفورة او المحزوزة في طين الاناء تحت طلاء ذي لون واحد وقد وجدت في اطلال الفسطاط قطع من هذا النوع لم تصلح صناعتها او احراقها في الفرن مما يمكن ان يستنبط منه ان مدينة الفسطاط نفسها كانت مركزاً لصناعة هذا الخزف وكان هذا النوع اقل نفقة من الخزف ذي البريق المعدني واكثر انتاجه يرجع الى القرن السادس الهجري وزخارفه نباتية او حيوانية، وقد توجد رسوم آدمية وتتفاوت الوان هذا الخزف بين الابيض والاخضر والازرق والبنفسجي، هذا وان الملاحظ في صناعة الخزف ذي البريق المعدني قد اضمحلت بعد العصر الفاطمي في مصر بيد انها بدأت تزدهر بعد ذلك في الشام في القرنين السابع والثامن بعد الهجرة والسلام عليكم ورحمة الله.
*******