البث المباشر

من بقايا فن النسيج الاسلامي

الأربعاء 23 يناير 2019 - 10:39 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - لقاء في الهواء الطلق: الحلقة 1

تحية لكم مستمعينا الافاضل والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. من الاثار الفنية التي عرفها الفن الاسلامي التراثي في ميدان النسج ما كان في عصر العباسيين، بيد انه لم يصل الينا من المنسوجات العباسية في العراق ما يكفي لان نتبين بوساطته مزايا النسيج العباسي في مقر الحكم ومعظم المعروف من تلك المنسوجات لا يكاد يضم الاكتابات بأسماء بعض الحكام العباسيين مطرزة بالحرير المختلفة الالوان ومن بينها قطعتان في كل منهما زخارف جميلة، اما القطعة الاولى فمحفوظة في كنيسة بمدينة ليون في اسبانيا وقوام زخرفتها دوائر كبيرة تحتوي على رسوم فيلة متواجهة وفوقها سباع وبين الدوائر طيور وزخارف بناتية وحولها شريط دائري فيه كتابة بالخط الكوفي تشاهد فيها كلمات «البركة من الله» و«ابو النصر» و«مما عمل في بغداد» والراجح ان هذه القطعة تعود الى نهاية القرن الرابع او بداية القرن الخامس بعد الهجرة. والقطعة الثانية محفوظة في متحف الفن الاسلامي في القاهرة وقوام زخرفتها شريط فيه رسوم بط متعددة الالوان منها الاحمر والازرق والاصفر والاخضر ويحف بالشريط سطران من كتابة بالخط الكوفي المعهود في الكتابات على القطع المنسوجة في العراق والاكثر ان هذه التحفة ترجع الى القرن الرابع او بداية القرن الخامس الهجري.
اما المنسوجات الايرانية في العصر العباسي فقد كانت بعض المدن الايرانية تدفع الضرائب عدداً من منسوجاتها النفيسة وترسلها الى البلاط، واطنب الجغرافيون المسلمون في الحديث عن ازدهار صناعة النسج في كثير من المدن الايرانية مثل توستر واصفهان والري ونيسابور ومرو وقزوين ويزد وكاشان وآمل وكازرون وشيراز، وفي متحف الفن الاسلامي في القاهرة عدة قطع من نسج مدينة ‌مرو وفيها قطعة من نسيج الكتان الابيض من عهد المعتمد العباسي فيها بقية من شريط زخارف وسطر بالخط الكوفي المطرز بالحرير الاحمر فيه اسم المعتمد وطراز خاص بمرو وسنة الصنع وهي ۲۷۸ للهجرة، وفي الطرف السفلي خطان بخط كوفي رفيع، نص كل منهما عبارة «بركة للجوهر بن مر الخباز».
وفي متحف القاهرة ايضاً قطعة من الكتان منسوجة في نيسابور وعليها بالخط الكوفي المطرز بالحرير الاسود اسم المقتدر العباسي، وانها صنعت بأمر الوزير العباسي ابن الحسن وان مكان صناعتها هو الطراز الخاص بنيسابور. صناعة النسج الايراني ظلت في فجر الاسلام متأثرة‌ بالطراز الساساني بأستخدام الزخرفة بالنقط والاشرطة ووريقات الشجر والخطوط المتشابكة والمتقاطعة والدوائر المتماسة او المتداخلة والمناطق او الجامات المختلفة الاشكال، يضم كل منها بعض مناظر الصيد او رسوم الحيوانات او الطيور الخرافي منها والطبيعي. 
ومن المنسوجات التي تنسب الى ايران بين القرنين الثالث والرابع ضرب من الحرير عليه رسوم حيوانات بخطوط متكسرة وزوايا ظاهرة وابدع النماذج المعروفة‌ من هذا النوع محفوظة في متاحف غربية شتى، ولعل اهم ما وصل من المنسوجات الايرانية في العصر العباسي قطعة منسوجة من الحرير والقطن تسود لحمتها الحريرية الالوان الاصفر والارجواني والازرق والاخضر المائل الى الصفرة ولون وبر الجمل اما سداتها فأرجوانية وقوام زخرفة هذه القطعة رسوم فيلة متواجهة وتحتها شريط فيه سطر من الكتابة بالخط الكوفي البسيط نصه «عز واقبال للقائد ابي منصور بختكيم اطال الله بقاءه» ويحف برسوم الفيلة من اليسار ومن فوق اطار به ثلاث مناطق رئيسية، الاولى من خطوط منكسرة والثانية من اشكال هندسية صغيرة بين شريطين رفيعين من الفروع النباتية والثالثة رسوم ابل متتابعة تنتهي في ركن الزخرفة برسم طاووس ثم يلاحظ ان بين ارجل الفيلة رسم حيوان خرافي له جناحان ورقبة طويلة ورأس طائر، ولعل القائد بختكيم المقصود في هذه الكتابة هو القائد الذي عاش في بلاط عبد الملك بن نوح امير خراسان وما وراء النهر وقد حبس وقتل على يد هذا الملك سنة ۳٤۹ للهجرة وكانت هذه التحفة في كنيسة سان جون من اعمال مدينة كالية‌ بفرنسا ثم نقلت منها الى متحف اللوفر في باريس ومن المحتمل انها جلبت من الشرق ابان الحروب العدوانية الصليبية الاولى على يد امير بولوتيا.
اما فن النسج في العصر السلجوقي فقد ابتدأ هذا العصر بنهضة شاملة في صناعة النسج وذلك بتأثير تيارين مختلفين الاول ما افاده النساجون على يد السلاجقة من الاساليب الفنية التي راجت في آسيا الوسطى واطراف الصين والتي تتجلى في دقة رسم النبات والطير والحيوان والثاني ما ازدهر في بلاد الجزيرة من اساليب فنية اسلامية‌ في استخدام الفروع النباتية والاشرطة عوضاً عن الموضوعات الزخرفية الساسانية، ومن نماذج الاقمشة السلجوقية في ايران مجموعة من النسيج الحريري عثر عليها المنقبون في اطلال مدينة الري وتعد مثالاً دقيقاً للمنسوجات السلجوقية وهي تمتاز بأن مظهرها العام يختلف كل الاختلاف عن مظهر المنسوجات الايرانية في العصور السابقة مع انها محتفظة ببعض العناصر الزخرفية القديمة مع دقة في الرسم واتقان في النسج ورقة وخفة‌ في الوزن فعلى بعضها زخارف من اشكال هندسية متعددة الاضلاع او زخارف بالخط الكوفي او اشرطة من رسوم الحيوان او دوائر فيها رسوم الطيور وحيوانات تفصلها شجرة الحياة ولكنها دوائر اصغر حجماً تكسب طابعاً فنياً وتبعد التحفة عن البداوة‌ التي تبدو في بعض الرسوم الساسانية. وكانت مدينة الري في تلك القرون مركزاً عظيم الشأن في صناعة النسج كما كانت في صناعة‌ الخزف وقد اشار المؤرخون والجغرافيون الى ضلوع سيطها في هذا الميدان اضافة الى ان اعمال التنقيب عن الاثار في اطلالها لن تسفر عن المنسوجات التي اشرنا اليها فحسب بل عثر فيها على انواع ترجح ان تلك الاقمشة كانت تصنع في الري نفسها، ومن المنسوجات التي تنسب الى اقليم فارس في العصر السلجوقي قطعة ترتد الى القرن الخامس او السادس الهجري تنتهي هذه التحفة بشريط من اربع مناطق، الجانبيتان منها واسعتان وفيهما رسوم نباتية دقيقة ورسوم وزفي اسلوب زخرفي جميل اما المنطقتان الواقعتان في الوسط ففيهما سطران من الكتابة الكوفية تتكرر في احدهما عبارة «لا تأمن الموت في طرف ولا نفس» وفي الآخر عبارة «ولو تمنعت بالحجاب والحرس» ومن المنسوجات السلجوقية ايضاً قطعة من القرن السادس الهجري تنسب الى مدينة يزد وهي ارضية زرقاء مائلة الى السواد وعليها شريط من الكتابة بخط كوفي رائع المظهر تزينه رسوم جميلة. ومن الزخارف المألوفة في منسوجات العصر السلجوقي من ايران قطعة فيها دوائر تضم رسوم طيور جارحة واسود مجنحة تفصلها اشجار الحياة، في حين تتألف الدوائر نفسها من اشرطة فيها دوائر صغيرة يحوي كل منها رسم حيوان، ومن تلك الزخارف ايضاً رسوم ادمية تشبه ما عرفته صور المدرسة السلجوقية وما عرفه الخزف الايراني ذو البريق المعدني او الزخارف المنقوشة تحت دهام الخزف في القرن السابع الهجري. اما في بلاد الجزيرة فقد احتفظت صناعة النسج في عصر السلاجقة بالنهضة التي شهدتها ابان القرن الرابع وبداية القرن الخامس الهجري وقد اشار ماركوبولو في حديث رحلته في القرن السابع الهجري على ازدهار نسج الحرير والديباج في بغداد والموصل والواقع ان النهضة في صناعة النسج كانت عامة في الاقاليم التي خضعت لسلطة السلاجقة ولم تكن الزخارف المستعملة حينئذ في منسوجات بلاد الجزيرة وآسيا الصغرى تختلف كثيراً‌ عما عرف في ايران في العصر نفسه فأنها تتفق كلها في التحرر من العنف والجفاف المعروفين في الاساليب الفنية الساسانية وفي الجمال الزخرفي الذي نلمسه في تأليف الرسوم واستعمال الزخارف الكتابية ومما ينسب الى آسيا الصغرى في هذا العصر قطعة من الديباج محفوظة في الغرفة التجارية بمدينة ليون وقيام زخرفتها دوائر من اشرطة ذات وريدات وتضم هذه الدوائر رسوم سباع متدابرة ولاذيل لها فوق ارضية من زخارف نباتية. ايها الاخوة نأتي الى نهاية برنامجنا، لقاء في الهواء الطلق، تحية لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة