البث المباشر

الإخلاص الحسيني ينقذ الحر الرياحي

الأحد 21 أكتوبر 2018 - 18:54 بتوقيت طهران

السلام عليكم إخوة الإيمان والولاء تحية مباركة طيبة نستهل بها لقاء اليوم من هذا البرنامج وفيه نستنير بقبسةٍ من أثر العشق الخالص لله عز وجل الذي ملأ كيان سيد الشهداء(عليه السلام) فظهر تجلياته في عبادته من جهة وفي هدايته للخلق الى الله تبارك وتعالى من جهةٍ ثانية... فنرى معاً مظهراً لهذا الإخلاص الحسيني في إنقاذ الحر الرياحي وهدايته الى لقاء الله عز وجل بوجه مستبشرٍكريم...كونوا معنا.

إخوتنا الموالين المؤمنين...

العلم أوّلاً ثمّ العمل، والمعرفة أوّلاً ثمّ الموقف، والتفكّر أوّلاً ثمّ الاختيار. هكذا يريد الدين، وهذا هو الذي يؤيّده العقل. ومن هنا لابدّ علينا أن نراجع النصوص الشريفة في أهل البيت عليهم السلام، النبيّ وآله، صلوات الله عليه وعليهم، من كتاب الله، ومن سنّة رسول الله، ومما فاه به الأئمة أوصياء نبيّ الله، صلوات الله وسلامه عليهم، لنحظى بالوعي والهداية.
فنقرأ معاً، أيّها الأحبّة، في فقرات الزيارة الجامعة الكبيرة:
"السّلام على محالّ معرفة الله، ومساكن بركة الله، ومعادن حكمة الله، وحفظة سرّ الله، وحملة كتاب الله، وأوصياء نبيّ الله، وذريّة رسول الله، صلّى الله عليه وآله، ورحمة الله وبركاته... السّلام على الأئمة الدّعاة، والقادة الهداة، والسّادة الولاة، والّذادة الحماة، وأهل الذّكر، وأولي الأمر، وبقيّة الله وخيرته، وحزبه وعيبة علمه، وحجّته وصراطه، ونوره وبرهانه، ورحمة الله وبركاته".
 

هكذا، إخوتنا الأعزّة، آل الله، بل هذا هو بعض صفاتهم وخصالهم وخصائصهم، ومنهم الإمام الحسين عليه الصّلاة والسّلام... إذن فهم أولى أن يتولّوا ويتّبعوا، ويتمسّك بهم ويهتدى بهم. وهذا، أيّها الإخوة الأماجد، من دواعي العقل والضمير، ومن ضرورات الفوز والنجاة، ومن هنا فاضت الرحمة النبويّة المشفقة بالأمّة...

فاضت بالوصايا المؤكّدة على التواصل الإيمانيّ والولائيّ مع أهل بيت النبوّة والوحي والرسالة، ومنهم: الإمام الحسين صلوات الله عليه، حيث جاء عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله في خطبه النيّرة:
"أيّها الناس، الله الله في أهل بيتي، فإنّهم أركان الدّين، ومصابيح الظّلم، ومعدن العلم".
إخوتنا الأعزّاء... إنّ الحسين(عليه السلام) وجودٌ قدسيٌّ مرتبطٌ على الدوام بالله تبارك وتعالى، لذا كانت حياته كلّها عبادة، وكانت أفعاله كلّها معصومةً ماضيةً في طاعة الله ومرضاته، وكان له انقطاعٌ إلى بارئه في غاية الشوق والحبّ، ليس في عنفوان شبابه أو على كبر سنّه، بل منذ أن خلقه الله جلّ وعلا، هو مجذوبٌ إلى ربّه في ذكرٍ روحيٍّ دائمٍ له…

يروي لنا الصحابيّ أنس بن مالك أنّه ساير الحسين يوماً، فلمّا أتى(عليه السلام) قبر جدّته خديجة أمّ المؤمنين رضوان الله عليها في الحجون، بكى سلام الله عليه، ثمّ قال لأنس:« إذهب عنّي يا أنس». قال أنس يروي بقيّة المشهد العباديّ لأبي عبد الله: فاستخفيت عنه، فلمّا طال وقوفه في الصلاة سمعته يقول:

يا ربّ يا ربّ ...أنت مولاه

فارحم عبيداً إليك ملجاه

يا ذا المعالي عليك معتمدي

طوبى لمن كنت أنت مولاه!

طوبى لمن كان خائفاً أرقاً

يشكو إلى ذي الجلال بلواه!

وما به علّةٌ ولا سقمٌ

أكثر من حبّه لمولاه

إذا اشتكى بثّه وغصّته

أجابه الله ثمّ لبّاه

إذا ابتلى بالظّلام مبتهلاً

أكرمه الله ثمّ أدناه

قال أنس وقد بهت: فنودي الحسين بهذه الأبيات:

لبّيك لبّيك أنت في كنفي

وكلّ ما قلت قد علمناه

صوتك تشتاقه ملائكتي

فحسبك الصوت قد سمعنـاه

دعاك عندي يجول في حجبٍ

فحسبك السّتر قد سفرناه

لو هبّت الريح في جوانبه

خرّ صريعاً لما تغشّـــاه

سلني بلا رغبةٍ ولا رهبٍ

ولا حسابٍ ...إنّي أنا الله

إخوتنا الأكارم... إنّ حياة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه كانت كلّها عبادة، فشعّت نوراً اهتدى من اهتدى به، إذ كان سلام الله عليه ذا قلبٍ قدسيٍّ متوجّهٍ بكلّه إلى الله، بالحبّ والتلبية والطاعة والذّكر الدائم النّوريّ، وذلك يؤثّر في الآخرين ويهديهم إلى التوبة والندم والاستغفار، بل يوفّقهم بعد ذلك إلى النجاة من هاوية النار!

كما حصل للحرّ الرياحيّ، ولمن انتقل إلى عسكر الحسين(عليه السلام) متسلّلاً في جنح الظلّام، فارّاً من عسكر البغاة.

وكان الحرّ قد طلع مع ألف فارس بعد أن بعثه عبيد الله بن زيادٍ ليحبس الحسين عن الرجوع إلى المدينة أينما يجده، أو يقدم به الكوفة، فالتقاه في منطقة«شراف»، فلم يزل الحرّ موافقاً للإمام الحسين(عليه السلام) مسايراً له حتّى حضرت صلاة الظهر، فأمر الحسين مؤذّنه الحجّاج بن مسروق الجعفيّ أن يؤذّن، فأذّن، وقيل للمؤذّن: اقم، قتوجّه أبوعبد الله الحسين عليه السلام إلى الحرّ يسأله: "أتصلّي بأصحابك؟!"، فكان جواب الحرّ الرياحيّ: لا، بل نصلّي بصلاتك»، فصلّى الحسين بأصحابه وبأصحاب الحرّ جميعاً، وتلك هداية تتبعها هدايات، حتّى إذا فرغ الحسين(عليه السلام) من صلاته أقبل على القوم يدعوهم إلى خيرهم وسعادتهم، ويبصّرهم على ما هم عليه وما يجب عليهم، فقال لهم: "أيّها الناس، إنّكم إن تتّقوا الله وتعرفوا الحقّ لأهله، يكن أرضى لله، ونحن أهل بيت محمّدٍ صلّ الله عليه وآله أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، و السائرين بالجور و العدوان" ودار حوارٌ بين الإمام الحسين(سلام الله عليه) والحرّ الرياحيّ...

فلمّا سمع الحرّ ما سمعه من أبي عبد الله تنحّى عنه، فكان الحسين يسير بأصحابه نحو كربلاء في ناحية، والحرّ يسير ومن معه في ناحية.


ثمّ كانت الهداية بعد ذلك بالحسين... سلام الله على الحسين.
لقد بقي الإخلاص لله الذي شاهد الحر الرياحي في الحسين(عليه السلام) والكلمات الناصحة النقية التي سمعها منه والمواقف النبيلة التي عامله بها، بقيت جميعاً تتفاعل في قلبه وتوقظ فيه الحب الفطري لكل هذا الجمال السامي المتجلي في السيرة الحسينية...

وكانت الثمرة الطبية التي حصل عليها الحر الرياحي ببركة الهداية الحسينية... هي التوبة والإلتحاق بركب شهداء الطف الخالدين…

فاز الحر الرياحي في الساعات الأخيرة التي سبقت معركة كربلاء، سعى أولاً لإقناع الذليل عمر بن سعد بالعدول عن قتال ابن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) فلما رأى إصرارهم على البغي والعدوان وإرتكاب جنايتهم الفظيعة إتخاذ قراره الحاسم...

يقول الراوي: أخذ الحر يدنو من معسكر الحسين وقد أخذته رعدةٌ فقال له المهاجر بن أوس: يا حر، إن أمرك لمريب، والله ما رأيت منك موقفاً قط مثل هذا ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك؟! فقال له الحر: "إني والله أخيّر نفسي بين الجنة والنار، فو الله لا أختار على الجنة شيئاً ولو قطّعت وحرقت".
 

وإختار الحر أبا عبد الحسين(عليه السلام) وجنته وبه اهتدى وتقدم بين يديه فوعظ الطغام أولاً ولما ينفعهم وعظه خرج لقتالهم حتى أستشهد بنفسٍ راضية مرضية فقلده الحسين(عليه السلام) وسام الشهادة الكبرى حيث قال: "أنت حرٌ كما سمتك أمك، حرٌ في الدنيا وسعيدٌ في الآخرة".
ثم أبنّه أحد أصحاب الحسين(عليه السلام) قائلاً:

لنعم الحر حر بني رياح

وحرٌّ عند مختلف الرماح

ونعم الحر إذ نادى حسينٌ

فجاد بنفسه عند الصباح


والى هنا مستمعينا الأكارم تنتهي حلقة أخرى من برنامج(بالحسين أهتديت) إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، تقبل الله منكم حسن الأصغاء ودمتم في رعاية سالمين.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة