البث المباشر

الخيانة

الثلاثاء 19 نوفمبر 2019 - 09:59 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- من الواقع: الحلقة 93

خبراء البرنامج: الشيخ حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتورة سميرة عبد الوهاب الباحثة الاجتماعية من الكويت
أعزائي المستمعين نرحب بكم. في حلقة اليوم سيكون موضوعنا حول الخيانة التي تحصل بين بعض الأشخاص خاصة اذا كان أحد هؤلاء الأشخاص متسامحاً ورؤوفاً ويحاول دائماً أن يقدم يد العون والمساعدة للآخرين بكل الوسائل والطرق إلا أنه لاينال إزاء ذلك الكلمة الطيبة ولاينال الشكر والثناء بل احياناً لاينال حتى محبة الآخرين له إنما يقابل بالخيانة والغدر، ليس لشيء سوى للأغراض المادية البحتة التي غالباً ما تسيطر على بعض الناس. في حلقة اليوم سوف نلتقي ضيفين من ضويف البرنامج الأعزاء لأجل إلقاء الضوء أكثر وهما فضيلة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتورة سميرة عبد الوهاب الباحثة الاجتماعية من الكويت فكونوا معنا.
أعزائي الكرام عبد الرحيم رجل في الأربعين من العمر، يعمل موظفاً في احدى الدوائر الرسمية. كان حريصاً جداً في عمله متعاوناً الى أبعد الحدود مع زملاءه لايعصي أوامر مديره أبداً. لو سمع أن أحد الموظفين قد تغيب لأمر ما فإنه يسارع الى زيارته في البيت للسؤال عن صحته اولاً وليطمأنه بإنجاز العمل بدلاً عنه حتى يشفى ثانياً. كان طيب القلب مسامحاً، يحاول أن يصلح بين الموظفين لو حصلت بينهم مشكلة ما لاسمح الله. في يوم ما ولما وصل الى محل عمله وجد مجموعة من الموظفين الزملاء وهم يتهامسون فيما بينهم ولما شاهدوه حاولوا الكف والتغاضي عن إكمال الحديث، فذهب كل واحد منهم الى مكان عمله بسرعة رغم ذلك لم يعر عبد الرحيم اهمية للأمر أبداً. وقال في نفسه: ما شأني أنا ربما هناك موضوع خاص وليس من حقي معرفته، لأذهب وأكمل عملي.
بعد لحظات بدأ الموظفون ينسلون خارج الغرفة واحداً تلو الآخر. تعجب عبد الرحيم من هذا الموقف وحاول أن يعرف حقيقة ما يجري فسأل أحدهم: أرجوك أن تقول لي هل هناك امر خطير أصاب أحد الموظفين مثلاً أم هناك مشكلة ما وقع فيها أحدهم؟ أرجوك قل لي، فربما أستطيع المساعدة؟
هزّ صاحبه رأسه فقط دون أن يبوح بأية كلمة مشيراً الى عدم وجود ما يقتضي قلق عبد الرحيم. شكر عبد الرحيم الله سبحانه وتعالى على ذلك ولم يعلق شيئاً بل عاد ليكمل عمله، ولما طال غياب زملاءه حاول أن يتعرف على السبب فقد شغل ذلك باله كثيراً وراح يسأل هنا وهناك حتى تبين له بأنه كانت هناك ترشيحات لإنتخاب ممثل جديد للموظفين بدلاً عن الممثل القديم الذي إنتهت مدته المقررة. أزعجه هذا الخبر كثيراً لأن الجميع حاول أن يمنع عبد الرحيم من المشاركة والإدلاء بصوته فتحسف على الأوقات التي كان قضاها لأجلهم وإنتظر عودتهم لكي يتأكد مما سمعه. وفعلاً لما عاد زملاءه تأكد عبد الرحيم من احدهم وقال له: أما كان من الواجب دعوتي أنا أيضاً أمان إختيار المرشح حق لكم أنتم فقط؟
تمتم صاحبه وقال: صدقني ما كنت أعلم حتى آخر لحظة لذلك أني لست مسؤولاً عن عدم دعوتك.
عاد عبد الرحيم عند المساء الى بيته صلى صلاته وتناول غداءه ولما أوشك أن ينام قليلاً رنّ الهاتف، نهض من مكانه بسرعة. رفع السماعة وقال: الو تفضل
سأله شخص عبر الهاتف دون أن يفصح عن اسمه: هل انت عبد الرحيم عبد الباقي؟
أجابه عبد الرجيم بكل ثقة ولهفة: نعم أنا عبد الرحيم تفضل!!
سأله الشخص مرة اخرى: هل أنت المسؤول عن الملفات الخاصة بالمتقاعدين؟
قال عبد الرحيم والفرحة تغمر قلبه: نعم نعم أنا عبد الرحيم المسؤول عن الملفات التي ذكرتها. لأن عبد الرحيم كان يظن أن هناك علاوة او ترفيعاً او كلمة شكر بحقه سوف تقال.
قال له ذلك الشخص عبر الهاتف: اذن يمكن لك أن تحل غداً ضيفاً علينا.
تأكد لعبد الرحيم أن المتصل به يريد منه شيئاً مهماً نظراً لتفانيه في العمل وإخلاصه في كل صغيرة وكبيرة. وهنا قال له بكل شوق وإنبهار: أرجوك ياسيدي أن تقول لي هل تريدوني لترفيعي في درجة اخرى في الدائرة؟
قال له الشخص: لا أعتقد ذلك بل ربما نستعيد منك بعض الأعمال والمميزات وسوف نعيدها في وقت لاحق او لانعيدها!!
تعجب عبد الرحيم وقال: أهكذا تكافئون الموظفين المجتهدين، أنا لاأصدق ما أسمع؟
نعم أعزائي الكرام توجه عبد الرحيم في صباح اليوم التالي الى عمله ولما وصل كان بإنتظاره الموظف المسؤول عن إجراء التحقيقات الذي بادره بسرعة وقال: تفضل معي لاوقت عندي للتأخير.
أصابت الدهشة عبد الرحيم لكنه إضطر الى الذهاب معه وهو لايدري أي شيء عن حقيقة الأمر. وبعد توجيه بعض الأسئلة له تبين لعبد الرحيم أن هناك تقصيراً متعمداً قد حصل في أحد ملفات الموظفين المتقاعدين دون أن يدري به ولما حاول أن يبرئ نفسه من التهم الموجه له أصر الموظف الى توجيهها له إلا أن عبد الرحيم وبحكم درايته الواسعة ومعرفته بأحكام ومواد القوانين المتبعة في الدائرة إستطاع أن يجد لنفسه منفذاً للكشف عن الموظف الحقيقي الذي تسبب في ذلك التقصير. وبعد التدقيق والمداولة اتضح أمر الموظف الذي كان السبب الأساس في المشكلة التي وجهت خطأ الى عبد الرحيم.
عاد عبد الرحيم الى غرفته وهو ينظر بعين الدهشة والتعجب لما حصل. فسأله صديقه عبد الفتاح قائلاً: ماذا حصل ياعبد الرحيم؟ هل هناك مشكلة ما؟
أجابه عبد الرحيم: نعم كانت هناك مشكلة قد وجهت لي تهم باطلة بسببها إلا أن عين الله لاتنام أبداً. فقد تبين للجنة التحقيقية المقصر الذي كان قد تلاعب برواتب الموظفين المتقاعدين.
وهنا سأله زميله عبد الفتاح بفضول كبير وقال: ومن هو ياترى؟ هل يعمل معنا هنا في هذا القسم؟
قال له عبد الرحيم: نعم إنه يعمل معنا هنا في هذا القسم.
قال زميله: ومن هو ياترى؟ ألا تفصح عن اسمه؟
قال له عبد الرحيم: لم أكن أتوقع ذلك أبداً، لقد فاجئني المحقق في بعض المشاكل التي حصلت ولازالت تحصل في القسم وكان يتصور بناءاً على أقوال بعض الشهود من الزملاء الموظفين هنا بأنني انا المقصر في ذلك.
فقال له صاحبه: وهل يعقل أن يكافأك زملاءك بتلفيق تهم باطلة لك بدلاً من شكرك وتقديرك على مواقفك الكثيرة والعديدة التي تبديها تجاههم بإستمرار؟ أنا ايضاً ياعبد الرحيم لم أصدق ما سمعت.
حاول عبد الرحيم أن يكون هادئاً ودون أن يثير مشكلة ما مع زملاءه لأنه كان مؤمناً بضرورة أن يكون المرء متسامحاً في كل الظروف والأحوال لذلك عاد لإكمال عمله وبعد لحظات تقدم اليه أحد الزملاء وبيده مجموعة اوراق طالباً من عبد الرحيم القيام بقراءتها وتصحيحها كما كان يفعل ذلك في كل مرة.
نظر اليه عبد الرحيم وقال له: كيف تجرأ على إنتحال اسمي ومسؤوليتي لتقوم أنت وزميلك الآخر مروان بتزوير بعض رواتب الموظفين؟ أما خجلت من فعلتك تلك؟
تلعثم الموظف وألقى باللائمة بسرعة على مروان وقال: أنا لم أكن موافقاً أبداً على أفعال زميلنا منذ البداية وأتمنى أن تصدق كلامي.
بطبيعة الحال لم يصدق عبد الرحيم قول زميله أبداً لكنه رغم ذلك مدّ يده وأخذ الأوراق منه بكل احترام وأدب وبعد ساعة واحدة تقريباً إستطاع عبد الرحيم تصحيحه للأوراق وتسليمها الى صاحبه. وفجأة دخل المدير الغرفة واخذ يتجول بين الموظفين لإلقاء نظرة على طبيعة عملهم وعند وصوله الى ذلك الموظف وقراءته النصوص الموجودة بين يديه تعجب المدير كثيراً وراح يشكر الموظف على حسن عمله وإتقانه واجبه. فوجه المدير كلامه مباشرة الى عبد الرحيم قائلاً: ليتعلم الآخرون منك كيف يعملون وكيف يكونون حريصين في عملهم لا أن يقوموا بتزوير رواتب الموظفين.
أعزائي المستمعين توجهنا الى فضيلة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة لسؤاله عما جاء في الشرع الاسلامي المقدس بخصوص خيانة الصديق بصديقه وماهي عواقب ذلك وكيف يمكن توجيه النصح الملائم لهؤلاء البعض؟ لنستمع اليه.
الكشميري: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
طبعاً قبل كل شيء مسئلة الخيانة والتلبس بالخيانة هي من مؤشرات التخلف ومن علائم هبوط الفضيلة وتقدم الرذيلة بالتالي تعليمات اهل البيت، تعليمات الكتب السماوية، تعليمات القرآن كلها تجمع على أن الحياة لاتطيب للبشر اذا تفشى فيها أمر الخيانة حتى ان أحاديث اهل البيت في مقدمتها حديث الرسول صلى الله عليه وآله يقول "لاتنظروا الى صلاة الرجل وصيامه" وفي نص آخر "كثرة صلاة الرجل وصيامه فإن ذلك أمر قد تعود عليه ولكن أنظروا الى صدقه في الحديث وأداءه الأمانة". كلما تطور موضوع الأمانة وكلما إعتاد المجتمع على الإلتزام بالأمانة طابت حياته وإستلذ عيشه وبالتالي يصبح مجتمعاً ناجحاً أما اذا تفشت هذه الحالة المرضية النفسية فمعناه إنهيار في عالم الأخلاق وتقهقر في مستوى الفضائل. وهناك لدينا حديث بخصوص هذا السؤال او التركيز على جوهر السؤال أن الخيانة مهما تفاقمت والعياذ بالله فهي شيء وأشد منها وأقبح منها أن يخون الانسان من إئتمنه، حينما تأتمن الزوجة زوجها او الزوج زوجته او الوالد ولده او الولد والد او الجار جاره او الصديق صديقه، من العار والشنار أن يستخدم الطرف هذا الإعتماد وهذه الثقة فتعوذ بالله يتحول الى إحراق هذه الفضيلة بهذه الطريقة المنحطة وهو التعامل بهذا الإعتماد بخيانة سيئة والعياذ بالله.
الإمام الصادق عليه السلام في تعليماته "إحذر من الناس ثلاث الخائن والغادر والنمام" يعني هذه عناوين ثلاث تؤشر والعياذ بالله الى تسافل البشرية اذا تفشت فيها هذه الأمراض وهي الخيانة والغدر. ثم يقول الإمام سلام الله عليه "من خان لك فسيخونك ومن غدر بك فسيغدر بك". نعم وهكذا يستمر الإمام الصادق عليه السلام ينهى الانسان عن التلبس بهذه الحالة وإنه بالتالي سيكون هو الضحية لها. أمرنا جميعاً من خلال القرآن، الكتب السماوية، تعليمات الأنبياء، تعليمات النبي وأهل البيت أن نتحلى بالفضائل لنتكامل وفي مقدمتها أن نكون دائماً على موقف مشرف وموقف مسؤول من مسئلة الأمانة.
أعزائي وبعد أن إستمعنا الى ما قاله سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة نتوجه الى الدكتورة سميرة عبد الوهاب الباحثة الاجتماعية من الكويت لسؤالها عن التأثيرات الاجتماعية عند خيانة الصديق صديقه وماذا يمكن أن ينتج ذلك تجاه طبيعة العلاقة بينهما وكيف ينعكس على العمل وما شابه ذلك؟ فلنستمع معاً.
عبد الوهاب: بداية لابد أن نعرف سبب الخيانة بين الأصدقاء في مجال العمل. ما الذي يدعو الى هذه الخيانة؟ من الأسباب الأولى هي عدم عدالة المسؤول. عدم تحقق الكثير من الإنجازات في العمل المطلوب منه يعني المسؤول لايكون عادلاً في تعامله مع بقية الموظفين الذي يشرف عليهم. النقطة الثانية حب المسؤول لمن يتملق له ويبرز له حتى ولو على حساب الغير فهناك بعض المسؤولين يفضلون الشخص الذي يتملق ويمدحه ويبرز حاله ولو قدم له إنجازاً لم يكن من عمله هو بل من إنجاز صديقه وزميله في العمل. التركيز على العمل الفردي وعدم تشجيع العمل الجماعي، هناك بعض الإدارات للأسف تركز على العمل الفردي ولاتشجع وتحبذ العمل الجماعي، العمل الجماعي يبث روح التعاون والعمل التعاوني بين الموظفين يولد تنافساً شديداً بينهم ويكون فيه تقسيم العمل فيما بينهم. يلجأ البعض لنيل رضا المسؤول لمصلحة ما كالترقية او الحصول على مكافاة مالية بالتالي يغدر بمن حوله فيقدم عملهم وينسبه لنفسه لكي ينال مايريد. عدم إهتمام الموظفين بالعمل بروح التنافس الشريف فتركيز الموظفين على العمل الفردي يفقدهم روح المنافسة وروح العمل الجماعي وقيمة العمل الجماعي ومايترتب عليه . طبعاً بالنسبة لتأثيرات خيانة احد الأصدقاء لصديقه في مجال العم، أول كارثة هي تكون صدمة من سلوك الخيانة من قبل هذا الصديق فيقول أنا كنت صديقه وأعمل معه وأشجعه في كل خطوة بالتالي يخونني في عملي او يخونني بطريقة ما لمصلحة مادية او مصلحة معنوية فهذه صدمة بالنسبة للذي تعرض للخيانة. كون الشخص تعرض للخيانة بالتالي يترتب عليه أن يتخوف من تأسيس علاقة مع بقية الزملاء في العمل فتكون علاقته سطحية فأخاف أن أتقدم في زمالتي وتتطور الزمالة الى صداقة وأتعرض الى خيانة أخرى فيكون في عزلة وإنطوائية. عدم التحدث مع الأصدقاء في العمل وعلاقات سطحية جداً ويتعامل معه الآخرين كشخص غير مرغوب فيه ولايتعاملون معه سوى بعلاقات عمل تكون بينهم. بالنسبة الى جو العمل كون هناك خيانات في العمل وكل الكل يخون الثاني والمسؤول لايعالج هذه المشكلة ينزل العمل دون المستوى المطلوب وفقط يكون على مستوى الإنجاز يعني فقط انا أنجز عملاً دون دقة ودون جودة، تكون هناك إتهامات متبادلة بين الموظفين، كل موظف يلقي اللوم على الموظف الآخر نتيجة تدني مستوى العمل. يكون جو العمل مشحوناً بالخلافات وعدم التوافق وعدم التواني بين الموظفين وهذا كله يؤثر سلباً على طبيعة العمل وعلى أداء العمل المطلوب.
في ختام حلقة اليوم أعزائي نشكركم وضيفي البرنامج العزيزين على امل اللقاء مرة اخرى في حلقة جديدة من برنامج من الواقع، الى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة