البث المباشر

المثل الاعلى للاستقامة في الرجز الحسيني

الإثنين 23 سبتمبر 2019 - 15:10 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- هدير الملاحم: الحلقة 8

المقدمة


ضرب سيد الإباء المثل الأعلى للإستقامة على الحق في ملحمة عاشوراء الخالدة يوم اجتمع عليه عساكر النفاق فهتف بوجوههم مرتجزا:

أنا الحسين بن علي

آليت ان لا انثني

احمي عيالات ابي

امضي على دين النبي


وقال صلوات عليه:

ألم تروا وتعلموا أن أبي

قاتل عمرو ومبير مرحب

ولم يزل قبل كشوف الكرب

مجليا ذلك عن وجه النبي

اليس من أعجب عجب العجب

أن يطلب الابعد ميراث النبي

والله قد أوصى بحفظ الاقرب


تسالم المسلمون على ان رسول الله ـ صلى الله عليه واله وسلم ـ قال: "حسين مني وأنا من حسين. أحب الله من احب حسينا.اللهم أنى أحبه فأحبه، وأحب من يحبه. من أحب حسينا فقد أحبني. الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة". وأنه صلى الله عليه واله قال للحسين _عليه السَّلام_: "لعن الله قاتلك"، فسأله جابر الانصاري يارسول الله ومن قاتله؟
فقال: "رجل من أمتي، يبغض عترتي، لا تناله شفاعتي، كأني بنفسه بين أطباق النيران، يرسب تارة ويطفو اخرى! "
اجل ايها الاخوة الاعزة ذلكم هو الحسين من النبي والنبي منه، نورا واحدا وخصالا واحدة من الرحمة والسخاء والحلم والتواضع والمروءة وجميع مكارم الاخلاق ومآثر الامجاد، وكان منها حب الناس، وشدة طلب الخير لهم، والصلح والنجاة والفوز في اخراهم، فما ترك فرصة إلا ومال اليهم بالوعظ والارشاد والنصيحة، والتنبيه والتحذير والبيان والتذكير، وحتى التعريف بنفسه الشريفة ونسبه القدسي الطاهر.
اجل هو الحسين بن سيد الاوصياء، وابن سيدة النساء،وسبط سيد المرسلين والانبياء …وهو الحسين الذي نزلت فيه ايات وايات، فهو احد اصحاب الكساء، واحد من باهل به رسول الله نصارى نجران، وهو المقصود في اية المودة والقربى. ثم يتنكر له االقوم متمردين مرتدين، يجمعون نيتهم السوداء على قتله.
فما كان من الحسين _عليه السَّلام_ الا الحرص على نجاتهم مما يريدون ان يورطوا به انفسهم فيدخلوا بذلك خالد العذاب في قعر جهنم!
ويلتمس الحسين _عليه السَّلام_ لإنقاذ قتلته كل سبب ووسيلة، فيتلو لهم آيات الذكر الحكيم، ويحدثهم بكلام رسول الله ـ صلى الله عليه واله وسلم ـ ويعرف لهم الامامة ومن هو الاحق بها، ويحذرهم من الضلال والمضلين الذين يريدون ان يوردهم الهلاك…ثم يخاطبهم بلسان الشعر اذ هم يهوونه، فلعله يحرك فيهم مشاعر النبل والشهامة، وأحاسيس المروءة والكرامة، فيقرأ على مسامع الرافعين في وجهه النبوي المبارك سيوفهم ورماحهم، والموجهين الى كنوز صدره النير سهامهم ونبالهم … ينشدهم قائلا يخاطبهم:

أنا الحسين بن علي بن ابي

طالب البدر بارض العرب

الم تروا وتعلموا ان ابي

قاتل عمرو ومبير مرحب

ولم يزل قبل كشوف الكرب

مجليا ذلك عن وجه النبي

اليس من اعجب عجب العجب

ان يطلب الأبعد ميراث النبي

والله قد أوصى بحفظ الأقرب


هذا ما رواه الاربلي في (كشف الغمة)، والمجلسي عنه في (بحارالانوار)، وورد في (ديوان الحسين سلام الله عليه)..فذكرهم _عليه السَّلام_ انه سليل المفاخر في بلاد الاسلام، وهو من الاسرة التى بلغت الوحي، وحفظت االرسالة بجهودها وجهادها، وهو الوصي من قبل رسول الله _صلى الله عليه وآله وسلم_ارثا الهيا خصصه الله تعالى لآل النبي خلفائه من بعده، اذ هم القرب سببا ونسبا، وهم القربى الذين امر المسلمون بمودتهم، وهم اولو الامر الذي اوجب الله تعالى طاعتهم، وهو القائل عزَّ من قائل" قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى (سورة الشورى: ۲۳)
والقائل جلَّ وعلا: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ. (سورة النساء: ٥۹)
واذا كانت الارجوزة الحسينية الشريفة استهلت بالفخر ومن اولى من الحسين بالفخر؟! فأن ذلك كان تمهيدا تعريفيا لغرض مهم، ومهم جدا ذلكم هو الامامة الواجبة على جميع المسلمين تسليمهم لها بالولاية، فهي الحق الإلهي الثابت لأهل بيت الوحي والرسالة، فأين ذاهبة اليه تلك الجموع البشرية الطائشة، مقبلة بأسلحتها الغبية على قتل ولي الله، وحبيب رسول الله! ولما لم يجد الامام الحسين من القوم اذانا صاغية، ولا قلوبا واعية بل وجد فيهم تناكرا وعنادا واصرارا وتحديا، حين ذلك افصحت حكمته النيرة عن اظهار شجاعته، فاطلق بيانها في ارجوزة شعرية عربية اخرى، أذ صاح فيهم هذه المرَّة:

انا الحسين بن علي

آليت الا أنثني

أحمي عيالات ابي

أمضي على دين النبي


فلييأس القوم ان كان حدثتهم انفسهم الخانعة للظلمة والمفسدين ان يتوقعوا انثناء من الحسين حاشاه، والف حاشاه، فلقد كان سلام الله عليه يعظهم ويذكرهم عن قوة ايمان، والان ينازلهم ويقاتلهم ويمزقهم عن قوة جنان، فهو الحسين وهو أبن علي، فهل يتصور، أو يتخيل حاشاه ان ينثني انه أغير الغيارى، فهو مقاتلهم حتى الشهادة يحمي حريم النبوة والامامة، ماضيا على نهج الله الذي جاء به جده المصطفى.
فحمل عليهم كالليث الغضبان، فلم يلحق أحدا إلا بعجه بسيفه فقتله هو وحده حق، وهم ألوف تآلفت على الباطل، يكر عليهم والسهام مئات، تأخذه من كل جانب وناحية، وهو يتقيها بصدره ونحره، ثم رجع الى مركزه مكثرا من قول "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم". ويعيد الكرَّ عليهم فينكشفون من بين يديه كالاغنام المذعورة، ولكنه بقي يخاطبهم بما يعيدهم الى الرشد والنجاة: ياشيعة آل أبي سفيان، ان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا احرارا في دنياكم هذه. يا أمة السوء، بئسما خلفتم محمدا في عترته.
فتهاجموا عليه، فلم يجدوا منه إلا ما روي عبدالله بن عمار بن يغوث، قائلا : ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده، واهل بيته وصحبه، أربط جأشا منه ولا أمضى جنانا ولا اجرأ مقدما ولقد كانت الرجال تنكشف بين يديه اذا شد فيها، ولم يثبت له احد).
اجل …لكن كان منهم المكر والغدر، فسدد نحوه السهم المثلث المسموم، ورمي نحوه الحجر المشووم، ثم كان ما كان، مما لا يطيق ذكره اللسان، ولا يستطيع الافصاح عنه بيان، ولا يتحمله اي انسان‼
مستمعينا الافاضل وختاما نخلص الى تثبيت القيمة المحورية التي نستلهمها من الرجز الحسيني الذي تلوناه لكم في هذا اللقاء وهي: ان الاستقامة على الصراط المستقيم رغم كل الصعاب هي ارث اولياء الله واحبائه للعالمين.
تقبل الله اعمالكم، والسَّلام عليكم ورحمة الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة