البث المباشر

شرح فقرة: يا من لا يبعد عن قلوب العارفين

الأربعاء 21 أغسطس 2019 - 12:18 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة: " يا من لا يبعد عن قلوب العارفين " من دعاء الجوشن الكبير.

 

نتابع حديثنا عن الأدعية المباركة، ومنها دعاء الجوشن الكبير، حيث حدثناكم عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثكم الآن عن احد مقاطعه الذي ختم بهاتين العبارتين: (يا من لا يبعد عن قلوب العارفين، يا اجود الأجودين). ونتحدث اولاً عن فقرة: (يا من لا يبعد عن قلوب العارفين). فماذا نستلهم منها؟ 
العارف يرشح بعدة دلالات، منها الدلالة العامة وهي: المعرفة الشرعية، اي: معرفة مبادئ الله تعالي بنحو عام ومنها: الدلالة العرفانية التي تعني: ما ينطلق عليه مصطلح (السير والسلوك ونحوهما) وفي الحالتين، فان العبارة المتقدمة تظل موسومة بشيء من الضبابية الممتعة، اي: من التعبيرات التي تحتاج الي بذل جهد فكري لاستخلاص الدلالة المقصودة. 
والسؤال الآن هو: ان العبارات السابقة علي هذه العبارة في المقطع من الدعاء وردت علي هذا النحو (يا من يعلم مراد المريدين)الي ان يقول (يا من لا يضيع أجر المحسنين). ان قارئ الدعاء يفهم بوضوح ان الله تعالي عالم بما في الصدور، وانه تعالي لا يضيع أجر من احسن عملاً ولكن قارئ الدعاء ماذا يستخلص من عبارة (يا من لا يبعد عن قلوب العارفين)؟ 
في تصورنا بما ان (العارف) بمبادئ الله تعالي، أي: بالشريعة وفلسفتها ودقائقها: حينئذ فان درجة المعرفة لديه متفاوت حجماً من انسان الي آخر بطبيعة الحال من هنا، فان العبارة حينما تقول بان الله تعالي لا يبعد عن قلوب العارفين، يمكنه بان يستخلص بان الله تعالي هو علي مقربة من هذا العارف او ذاك، وانه يتعامل بقدر معرفة العبد، وهذا المعني يتجانس مع العبارة التي سبقته، وهي: (يا من لا يضيع أجر المحسنين) حيث ان هذه العبارة تعني: ان الله تعالي يقدر العمل الحسن، وها هو العارف بدوره يظل موضع تقدير الله تعالي بقدر ما يحمله من المعرفة التوحيدية، فيكون الله تعالي علي مقربة من العبد، معطياً اياه الرعاية المتناسبة مع درجة الوعي. 
اخيراً يختم المقطع بعبارة جديدة تختلف عن سابقاتها، حيث ان عبارات المقطع ما عدا الاخيرة صيغت وفق (يا من يعلم)، (يا من لا يبعد)، (يا من لا يضيع)، بينما جاءت عبارة الختام بعبارة (يا اجود الاجودين). فما هي النكتة وراء ذلك؟
في تصورنا، بما ان المقطع كان يتحدث عن الرعاية الالهية في مختلف المجالات، مثل انه تعالي (يسمع انين الواهنين) وانه تعالي(يملك حوائج السائلين) وانه تعالي (يقبل عذر التائبين)، فانه يظل (اجود الاجودين) في رعايته لعباده، بخاصة ان الفقرات الاخيرة من المقطع مثل: (لا يضيع اجر المحسنين) ومثل (لا يبعد عن قلوب العارفين) تضل متناولة عطاء الله تعالي وتقديره لمن يعمل الحسن من الأعمال، ولمن يملك المعرفة الشرعية او المعرفة التوحيدية بعامة: حينئذ فانه جواد يعطي الأجر او يتعامل بعطاء وبرعاية كبيرة، ليس هذا فحسب، بل هو (اجود الاجودين) اي: لا يرعي عباده بنحو عادي بل يمنحهم الاكثر من الرعاية. 
وهذا المعني يمكننا ان نوضحه بنحو أشد، حينما نعرض لمفردة: (الجود) وافتراقها عن مفردة (السخاء) و(الكرم) مثلاً، بما يأتي من الكلام. 
ان (الجود) كما ورد في اللغة يفترق عن المفردات المجانسة له كالسخاء مثلاً بانه اعطاء الاكثر، بينما السخاء لا يصل الي الحجم المذكور، وهذا يعني ان فقرة الدعاء تظل متجانسة - كما اشرنا قبل قليل - مع الفقرات السابقة لهذا الختام، اي: ان الله تعالي وهو لا يضيع اجر المحسنين أو لا يبعد عن قلوب العارفين، انما يمنحهم الأجر الاكثر، والقرب الاكثر من الرعاية لعباده. 

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة