البث المباشر

تأثير الدعاء في تنوير معارف المؤمن وتقوية قدرته على التلقي

الأحد 21 يوليو 2019 - 15:37 بتوقيت طهران

نتابع حديثنا عن الادعية المباركة وما تتضمنه من اساليب التعبير البلاغي، وبخاصة بلاغة الصور كالاستعارة وكالتشبيه وسواهما.. ومن ذلك: ما حدثناكم عنه في لقاء سابق بالنسبة الى احد الاذكار الخاصة بالتعامل مع النصوص، أي مطالعتها وما تتطلبه المطالعة او القراءة، من فهم واستيعاب لها، حيث وردت التوصية بقراءة الذكر الاتي قبل ممارستنا للقراءة وهو (اللهم اخرجني من ظلمات الوهم، واكرمني بنور الفهم وافتح علينا ابواب رحمتك، وانشر علينا خزائن علومك، برحمتك يا ارحم الراحمين...) هذا الذكر، سبق ان حدثناكم عن قسمته الاولى وهو (اللهم اخرجني من ظلمات الوهم، واكرمني بنور الفهم) حيث اوضحنا المقصود في حينه من عبارة "الوهم" وعبارة "الفهم"؟ ولكننا لم نحدثكم عن الاستعارتين اللتين تتصلان بالطاعات وبالنور حيث لاحظنا ان الذكر يخلع على "الوهم" سمة "الظلمات" ويخلع على "الفهم" سمة "النور" فماذا نستخلص منها؟ ... هذا ما نتحدث عنه الآن...
بالنسبة الى النور والظلمات لعلك تتذكر اننا طالما اوضحنا رمزيهما، بحسب دورهما في القرآن الكريم وفي النصوص الواردة عن المعصومين عليهم السلام بصفة انهما يرمزان او يرشحان بجملة دلالات قابلة للتأويل مثل: الايمان، الطاعة، الخير... بالنسبة الى رمز النور ومثل الكفر المعصية الشر... الخ. بالنسبة الى رمز الظلمات... وما يعنينا الان هو ان كلها من الطاعات ومن النور قد استخدما استعارتين وليس رمزين وهذا يعني انهما يختصان بموضوع "الوهم" و"الفهم" وليس بنحو مطلق ... والسؤال هو ما دمنا نقرأ الدعاء المذكور او الذكر المتقدم فماذا يمكننا ان نستخلص منهما؟
بالنسبة الى "الوهم" فقد لاحظنا ان هذا الذكر يتوسل بالله تعالى بان يخرجنا عن مطالعتنا او قراءتنا لموضوع من الموضوعات من ظلمات "الوهم" ... ولذلك فان السؤال هو: لماذا انتخب الدعاء استعارة "الظلمات" الى "الوهم" دون غيرها من الاستعارات؟ لا نتأمل قليلاً حتى ندرك سريعاً بان "الوهم" هو ضد الحقيقة او ضد الادراك السليم لحقائق الاشياء، فالادراك السليم للشيء اذا لم يتحقق: فهذا يعني اننا لا نتلمس طريقاً الى الحقيقة ونكون بذلك قد سلكنا دروباً مظلمة لا نستطيع من خلالها ان نعثر على ما يقضي بنا الى نهاية او ما نطمح اليه من الوصول الى هدفنا... وفعلاً لو طبقنا هذه الاستعارة على ما نطالعه من الموضوعات التي لا ندرك فلسفتها اما لغموض عباراتها او لعمق دلالاتها، او لاستبطانها غير ما هو ظاهر، الخ... حينئذ يكون مثلنا مثل من يخبط في الظلمات حيث لا يقدر على استخلاص المعنى او العظمة من الموضوع الذي يطالعه بل من الممكن ان يستخلص دلالات وهمية لا علاقة بها بالموضوع وهذا يجسد خسارة كبيرة دون ادنى شك....
وعلى الضد مما لاحظناه من التوسل بالله تعالى بان يخرجنا من ظلمات "الوهم" نجد ان التوسل به تعالى بان يكرمنا بنور الفهم، يظل هو هدفنا الذي نتطلع اليه من وراء قراءتنا للموضوعات ... لذلك فان الدعاء المذكور توسل بالله تعالى بان يكرمنا بنور الفهم...
وهنا نتساءل ايضاً: لماذا استخدم الدعاء استعارة "النور" دون سواها بالنسبة الى الفهم؟ ..هنا لا نعتقد اننا بحاجة الى توضيح ذلك حيث ندرك سريعاً بان "النور" هو الاداة الوحيدة لمن يواجه ظلاماً في طريقه، فبواسطة "النور" يقدر على تلمس الطريق والوصول الى هدفه...
من هنا ايضاً استخدم الدعاء عبارة "اكرمنا" بنور الفهم أي: جعل فهمنا للموضوع هو "تكريم" من الله تعالى لقارئ الدعاء مما يفصح عن عظمة عطاء الله تعالى.
اذن: أي الختام امكننا ان نتبين جملة من النكات الكامنة وراء الاستعارتين اللتين ذكرهما الدعاء بالنسبة الى توسلنا بالله تعالى بان يخرجنا من ظلمات الوهم ويكرمنا بنور الفهم، بالنسبة الى فرص مطالعتنا للنصوص وللموضوعات التي نستهدف من مطالعتنا اياها ان نفيد منها في تعديل سلوكنا العبادي والتصاعد به الى النحو المطلوب.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة