البث المباشر

المواساة

الأحد 16 يونيو 2019 - 09:11 بتوقيت طهران

المجاهد الشهيد محمد بروجردي
عنوان هذه الحلقة: المواساة
مستلة من كتاب (تكه اى از آسمان) ، أي : قطعة من السماء
اتسعت دائرة التآمر الأمريكي - الغربي ضد الجمهورية الإسلامية... فها هي حلقة جديدة وخطيرة من المسلسل الإجرامي ذلك، تسفر عن وجهها من خلال الحرب، بعد أن فشلت مخططات التجزئة والإنقلابات العسكرية والعدوان العسكري المحدود والحصار... وغيرها الكثير...
وها هو محمد بروجردي، المجاهد الصلب الذي واكب مراحل الثورة الإسلامية مذ كانت جنيناً فأصبحت في المهد، ثم باتت عملاقاً يناطح الأقوياء...محمد هذا يشغل اليوم ميداناً آخر من ميادين الجهاد... إنه يقف مع من بقي من رفاق الأمس على الحدود الغربية للبلاد... لصد العدوان الغاشم الذي تتعرض له... ولكن... أي ظرف صعب وجد فيه محمد ورفاقه أنفسهم...
فعلى سلسلة جبال زاكروس الشاهقة المعقدة التضاريس، كان القتال محتدماً بين القوات الإسلامية والقوات البعثية... وكان من الواضح أن الموقف القتالي يميل
لصالح الأخيرة؛ فقد احتلت المنطقة منذ شهور واستطاعت بناء مواضع محكمة، وشق طرق إمداد مناسبة، هذا إضافة الى تفوقها على مستوى التسليح والتنظيم...
فالجمهورية الإسلامية التي لم تطفأ شمعتها الثانية بعد، لم يتح لها بعد، إنجاز مشروع جيشها العقائدي...
وكان عليها أن تستجيب لحاجة الحرب الآنية، فتعمل دورات مكثفة لتدريب ملايين الشباب الذين ازدحموا على أبواب مراكز التطوع.
لكن هذا الجيش الذي كان حديث عهد بالقتال والتجربة العسكرية الميدانية... وفقيراً من ناحية القدرات والإمكانات التسليحية؛ يمتاز بعنصر قوة هام، ألا وهو العنصر المعنوي...
فالأرضية الإيمانية الراسخة التي يمتلكها المقاتلون، والبرامج العقائدية التي يتلقونها أو يمارسونها أثناء التدريب وبعده، بل وحتى أثناء وجودهم في خطوط القتال...؛ استطاعت أن تعزز عنصر الإيمان في نفوسهم، وبالتالي رفع رصيدهم المعنوي..!
يعيش محمد اليوم وضعاً نفسياً خاصاً... هم كبير أحس به ينداح على قلبه، يعتصر روحه، دون أن يعرف لذلك سبباً...
لم يكن الحصار الجزئي الذي تتعرض له وحدات من قواته، ولا القصف المركز ولا النشاط الإستثنائي لعمليات القنص، هي السبب وراء ما يشعر به من كمد وانقباض نفسي...! بل انه شعور داخلي حاد لم يستطع تحديد مصدره...
وطافت في ذهنه فكرة، فالتفت الى من حوله وسأل:
- هل هناك من مناسبة اليوم؟
قال أكثر من واحد:
- عاشوراء...!
أحس بشعور مزدوج، هو أشبه بوخزة الألم والخجل أو الحرج الشديد...
- يا إلهي... كيف يسوغ له أن ينسى ذكرى عزاء آل محمد... ان تغيب عن ذهنه مواساة النبي بشهادة سبطه... ان لا يكون شريكاً للعترة الطاهرة، أحزانها في مثل هذا اليوم الدامي الذي أقرح جفونها، وأسبل عيونها، وأذل عزيزها بأرض كربلاء...
وانفجر محمد بالبكاء، ثم علا نحيبه وهو يكرر:
- فعلى مثل الحسين فليبك الباكون...
وبعد شوط طويل من البكاء... صمت محمد ثم أطرق...
وطال صمته واطراقه، قبل ان يرفع رأسه، ويقول لمساعده:
- أبلغ بقية المقاتلين في هذا القطاع أن يجتمعوا لإقامة مراسم العزاء على الحسين (ع).
فوجئ المساعد تماماً، فتساءل متعجباً:
- نقيم العزاء مع هذا الوضع؟!
أجاب محمد باقتضاب وقد عاد الى الإطراق:
- نعم..!
عاد المساعد يعترض:
- كيف يمكن لنا جمع القوات... ألست أنت الذي منعت اجتماع أكثر من ثلاثة أشخاص؟!
أجاب محمد دون أن يفقد هدوءه:
- الأمر هنا مختلف... إننا نريد مواساة النبي (ص)... ونريد أن نشفعه الى الله في نصرة إخواننا المحاصرين...!
وللمرة الثالثة يعلن المساعد احتجاجه:
- ولكن... ألا ترى شدة القصف؟!
اكتفى محمد بأن قال:
- استعجل..!
شارك المقاتلون آل الرسول العزاء، وهم يقفون على خطوط النار... وانتهت المراسم بسلام... شعار التكبير - الذي أطلقه المقاتلون في ختام مراسمهم – رددت أصداءه الجبال والتلال والروابي والسهول، وتجاوبت معه أصوات المقاتلين المحاصرين.
رفع محمد الحاكية ليجيب على استدعاء من قبل الرصد:
- ساعدك الله يا أخي... تفضل...!
بان على ملامح محمد الإهتمام الشديد... وتساءل:
- منذ متى؟!...
تحفز للحركة ثم سأل للمرة الأخيرة..
- وهل أنت متأكد تماماً...؟!
وثب محمد واقفاً وقال لمساعده... الرصد يؤكد فرار القوات العدوة... والمطلوب الآن:
أولاً: إرسال جميع فرق الإستطلاع للتحقق من الموضوع، وإبلاغنا على وجه السرعة.
وثانياً: إبلاغ القوة المعدة للهجوم للوقوف على أهبة الإستعداد بانتظار الإبلاغ التالي..
تحرك الجميع لتنفيذ المهام الموكلة بكل منهم...
وفيما اخترقت فرق الإستطلاع المنطقة، من محاور عدة، جددت البلاغات الصادرة من الرصد ذات النبأ...
وما لبثت فرق الإستطلاع هي الأخرى، ان أرسلت معلومات مطابقة...
وفي ضوء ذلك أوعز محمد الى القوة التي أعدها سابقاً، للتقدم، وشغل مواقع القوات البعثية المنهزمة...
ولم تجد هذه القوة أية صعوبة في تنفيذ مهمتها... إلا أنها فوجئت بقضية لم تخطر لها على بال.
تعانق المقاتلون من كلا الفريقين بحرارة... قال قائد القوة التي كانت محاصرة مداعباً محمد:
- نعم الإخوان والله... وصدق من قال: (أخوك من واساك بنشب، لا من واساك بنسب).... ثم واصل بحماس بالغ...
- ما إن سمعنا أصواتكم تهدر بالتكبير، حتى عرفنا انكم بدأتم الهجوم... فنظر بعضنا لبعض وقلنا:
- وماذا تنتظرون... فتجاوبت أصواتنا وأصواتكم بالتكبير وهببنا بوجه العدو هبة رجل واحد... فتخاذل، وأطلق ساقه للريح، مفضلاً الفرار على المواجهة...!
كان محمد يحملق في وجه صاحبه ذاهلاً... ثم جلس وراح ينتحب... فوجئ الآخر... وأنحنى عليه قائلاً:
- خير أخ بروجردي، مم بكاؤك؟!... لم يرد عليه محمد وكأنه لم يسمعه، وواصل البكاء...
همس لمساعده:
- ما الأمر؟!... قص عليه المساعد قضية مراسم العزاء الحسيني، وإصرار محمد على إقامتها... موضحاً انهم اطلقوا شعار التكبير لهذا السبب، وليس ايذاناً ببدء الهجوم...
قاطعه قائلاً:
- تعني انكم لم تقوموا بأية عملية عسكرية؟!
- ابدا... كل ما قمنا به.. انه وبعد ان عرفنا بفرار العدو تقدمنا لشغل مواقعه..!
نهض محمد وهو يمسح دموعه ويقول:
- أجل... لا نحن وأنتم... كلانا لم يحقق هذا النصر... إنما حققه الله تعالى كرامة للحسين (ع)...
نظر المساعد في وجه محمد، وهو يقول مع نفسه: ما الذي دهاه؟ ... منذ أيام ولا حديث له غير هذا...
أضاف محمد متمماً حديثه:
- لقد أصبحت المسؤولية في رقابكم... لا تنسوا الناس...!
رد المساعد مداعباً:
- على العين يا سيدي، وعلى الرأس أيضاً!... ولكن ما الذي جرى أراك لا تفتأ تلهج بذكر الناس... ترى، هل أنت على أعتاب سفر؟!
رد محمد وهو ينظر نحو الأفق:
- الإنسان يا صاحبي في سفر دائم... وهو لا يعلم ماذا كان سيتوقف في اللحظة التالية، أم سيواصل التطواف؟!... ولذا فينبغي له أن يكون مستعداً دائماً...!
قال ذلك، ثم نهض متجهاً الى سيارته... قال المساعد:
- أنا أرغب في المجيء معك!
رد محمد بهدوءه المعهود:
- أخي العزيز، عليك أن تبقى مع مقاتليك..!
صعد الى السيارة الى جانب مرافقه، ثم لوح للجميع مودعاً...
قطعت السيارة شوطاً من الطريق... وعلى المفرق المؤدي الى المدينة، طلب محمد من رفيقه إيقاف السيارة والترجل...
ترجل هو الآخر، ليصعد ثانية محتلاً مكان المرافق، خلف مقود السيارة، وقال:
- أما أنت أيها العزيز، فأرجو أن تذهب الى المقر، لتبلغ الإخوة رجائي بمتابعة ما أوصيتهم به...
وقف المرافق يراقب السيارة وهي تبتعد، قائلاً مع نفسه:
- أي مهمة هذه، كلفه بها محمد؟.... أتراه أراد استبعاده...
- تذكر رفضه السماح لمساعده بمرافقته، وقال:
- عجباً لماذا يصر على البقاء وحيداً...؟!
أجل... أصر محمد بروجردي على الذهاب وحيداً، وكأنه يعرف أنه لن يعود... ((سيارة بروجردي تصطدم بلغم)) كان النبأ يطوف على ألسن الناس، فيبكي البعض، ويتوجع الآخر، قبل أن يقول الجميع:
- هنيئاً له الشهادة بعد عمر طويل من الجهاد.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة