البث المباشر

علي(ع) في آية (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)-۱

الأربعاء 25 سبتمبر 2019 - 13:13 بتوقيت طهران

اذاعة طهران - برنامج : علي(ع) في القرآن- الحلقة : 8

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الاول بلا أوّلية، والآخر بلا آخرية وأشرف الصلوات على محمد وآله خير البرية.
إنّ الامام علياً (عليه السلام) كان الرجل القرآنّي بحقّ بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكن قد يتساءل البعض وكيف يكون ذلك؟ الجواب إنه إذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) ينزل عليه الوحي الشريف فيبلّغه، فإنّ علياً (عليه السلام) كان يتلّقاه ويستقبله بالتفهّم والإستفهام عن مقاصده، والحفظ لنصوصه ومعانيه، تنزيلاً وتأويلاً ومناسبة وأسباباً.
ويكفي شاهداً لذلك –اخوتنا الاكارم- قول ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدّمة كتابه (شرح نهج البلاغة): اتفق الكلّ على أنه (أي الامام علياً عليه السلام) كان يحفظ القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يكن غيره يحفظه. ثم هو أوّل من جمعه، نقلوا كلّهم أنه أول من جمع القرآن.
واضاف ابن أبي الحديد قائلاً: واذا رجعت الى كتب القراءات، وجدت أئمّة القرّاء كلّهم يرجعون إليه، كأبي عمرو بن العلاء، وعاصم بن أبي النّجود، وغيرهما... لأنهم يرجعون الى أبي عبد الرحمان السّلميّ القارىء، وأبو عبد الرحمان هذا كان تلميذ علي وعنه أخذ القرآن.
وهنا يسجّل السيد عبد الحسين شرف الدين إشارته التاريخية العقائدية المهمة، حيث يكتب في مؤلّفة (مؤلّفو الشيعة) قائلاً: الإجماع قائمٌ على أن ليس للمسلمين في العصر الاول تأليف أصلاً، وأمّا عليّ وخاصّته، فإنّهم تصدّوا لذلك في القرن الأول، وأول شيء سجّله أميرالمؤمنين (عليه السلام) هو كتاب الله العزيز، فإنه بعد الفراغ من أمر النبي (صلى الله عليه وآله) الى على نفسه ألاّ يرتدي إلاّ للصلاة أو يجمع القرآن، فجمعه مرتّباً حسب ترتيبه في النزول، وأشار الى: عامّه وخاصه، ومطلقه ومقيّده، ومجمله ومبيّنه، ومحكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، ورخصه وعزائمه، وآدابه وسننه.... ونبّه (عليه السلام) على أسباب النزول في آياته البيّنات، وأوضح ما عساه يشكل من بعض الجهات. وكان ابن سيرين يقول: لو أصبت ذلك الكتاب كان فيه العلم! نقله عنه جماعة، منهم ابن حجر في صواعقه ص السادسة و السبعون.

*******


والآن ... أيها الإخوة الأعزّة، مع آية أخرى من كتاب الله تعالى، للامام علي (سلام الله عليه) نصيبٌ ايضاً، فقد جاء في الآية السابعة والثلاثين من سورة البقرة، وفي معرض ذكر قصة آدم (عليه السلام)، قوله عزّ من قائل:
"فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ".
وهذه الآية المباركة تستوقفنا في مواطن عديدة، لكننا سنستفيد منها من خلال إشارات، وإلاّ فإنّ الوقوف عندها يستلزم بحوثاً مفصّلة عديدة.
لذا الينا على أنفسنا –ايها الإخوة الأحبة- ان نذكر المعنى العامّ للآية الشريفة، ثم نفتح قلوبنا على روايات أهل البيت (عليهم السلام)، فمنها شروق الانوار البهيّة، ومعالم المعرفة العقلية والروحية.
اما موضوع هذه الآية –آية الكلمات- فهو أنّ أبانا آدم أبا البشر سلام ربّنا عليه، قد تلقى من الله تعالى كلمات حينما أناب الى ربّه بالتوبة .. والتلقي هو الاستقبال بالأخذ والقبول، قال تعالى في محكم تنزيله المجيد، مخاطباً نبيّه وحبيبه المصطفى (صلى الله عليه وآله): "وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ" (سورة النمل:الاية السادسة)، أي: تؤتاه وتلقنه من لدن حكيم عليم.
وأما التوبة، فهي الرجوع الى الطاعة، وتوبة أبينا آدم (عليه السلام) لم تكن عن ذنب كذنوبنا، حاشاه، وإنما عن تركه للأولى، او للأمر الإرشاديّ، لا للأمر المولوي، كما يقول المفسرون .. اي تاب (عليه السلام) عن ذنب لم يكن قدح بعصمته، فنلقى من ربه كلمات توسّل بها الى الله جلّ وعلا ليتوب عليه، فتاب الله عليه، إنه تبارك وتعالى هو التواب الرحيم... اي: الكثير القبول للتوبة، يقبلها مرة بعد أخرى، لا سيما من العبد التواب، الذي يتوب مرة بعد أخرى ... وهو القائل جلّ من قائل: " وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى" (سورة طه: الاية الثانية و الثمانون).

*******



أجل –ايها الإخوة الأفاضل- هكذا أخبر القرآن الكريم " فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ" اي قبلها وأخذها وتناولها على سبيل الطاعة.. .
وهنا يتساءل منتظرٌ: ما هي –يا ترى- تلك الكلمات التي تلقاها أبونا آدم من ربّه تبارك وتعالى؟ واين نصيب الامام علي فيها؟
يكاد يدركنا الوقت، فنكتفي في هذا اللقاء بهاتين الروايتين، على أمل العودة الى الآية مرّة أخرى، في لقاء طيب آخر معكم –ايها الإخوة الأعزّة، أمّا الرواية الأولى: فقد رواها الشيخ الصدوق في ثلاثة من كتبه: (الخصال) و(الأمالي) و(معاني الأخبار) عن الصحابي المعروف ابن عباس أنه قال: سألت النبي (صلى الله عليه وآله) عن الكلمات التي تلّقاها آدم من ربّه فتاب عليه، قال (صلى الله عليه وآله): سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت عليّ ، فتاب عليه.
أمّا الرواية الثانية: فعن المتّقي الهندي، أحد أبرز علماء السنّة، حيث كتب في الجزء الاول من مؤلّفه (كنز العمال) أنّ جبرئيل (عليه السلام) قال لآدم (عليه السلام) عليك بهذه الكلمات، فإنّ الله قابلٌ توبتك، وغافرٌ ذنبك... قل: "اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمد وآل محمد، سبحانك لا إله إلا أنت، عملت سوءاً وظلمت نفسي فتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم. اللهم إنّي أسألك بحقّ محمد وآل محمد، عملت سوءاً وظلمت نفسي، فتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم فهذه الكلمات التي تلقى آدم".
نعم.. فكان الامام عليٌ (عليه السلام) أحد تلك الكلمات الشريفة التي تلقاها آدم من ربّه ليتوب عليه، فتوسّل بهنّ الى الله عزّوجل فتاب عليه.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة