البث المباشر

احلى الكلام -۳۹

الأحد 20 يناير 2019 - 14:06 بتوقيت طهران

الحلقة 39

مرّ سيّدنا الإمام موسى الكاظم (عليه السّلام) برجل دميم المنظر من أهل السّواد راكباً، فسلّم عليه، ونزل عنده، وحادثه طويلاً، وعرض عليه نفسه في قضاء ما يعرض له من حاجة.
فقيل له: يا ابن رسول الله، أتنزل إلى هذا، ثمّ تسأله عن حاجاته وهو إليك أحوج؟
فقال (عليه السّلام): عبد من عبيد الله، وأخ في كتاب الله، وجار في بلاد الله، يجمعنا وإيّاه خير الآباء آدم، وأفضل الأديان الإسلام.
ولعلّ الدّهر يردّ من حاجتنا إليه، فيرانا بعد الزّهو عليه متواضعين بين يديه.
ذكر الشيخ المفيد محمّد بن محمّد (رحمه الله) في كتابه الإرشاد أنّ محمّد ابن المنكدر كان يقول: ما كنت أرى مثل عليّ بن الحسين يدع خلفاً لفضله الفائق، حتّى رأيت ابنه محّمداً الباقر، فأردت أن أعظه فوعظني، إذ خرجت إلى ناحية من نواحي المدينة في ساعة حارّة، فلقيت محّمد بن عليّ وكان رجلاً بديناً وهو متّكئ على غلامين له، فقلت في فنسي: شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال من طلب الدّنيا!
والله لأعظنّه.
فدنوت منه، وسلّمت عليه، فردّ الّتحيّة بنهر وقد تصبّب عرقاً.
فقلت: أصلحك الله، ماذا لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال من طلب الدّنيا؟
فخلّى عن الغلامين، وتساند إلى الحائط، وقال: لوجاءني الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله أكفّ بها نفسي عنك وعن الناس.
وإنّما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله عزّ وجلّ.
فقلت: يرحمك الله أردت أن أعظك، فوعظتني.
قلت: لقد كان ابن المنكدر هذا متصوّفاً يصرف وقته في العبادة وترك الكسب الحلال، ويعيش كلّلاً على الناس غافلاً عن الحق.
وأراد أن يعظ الإمام الباقر (عليه السّلام) بترك العمل في ذلك الوقت (وهو ظهر يوم صائف شاقّ) فأجابه الإمام بأنّ نصبه في طلب المعاش من أفضل العبادات في الإسلام.
وفي هذا الجواب الكريم إيقاظ لابن المنكدر من غفلته، وكفّ لطيف له عن إلقاء كلّه على الناس وتشويه حقيقة العبادة التي ظنّها في الانصراف عن طلب الرزق بالجدّ المثابر الذي هو شرف الإنسان في عيون غيره، وكرامته عند ربّه.
روى الحافظ أبو نعيم الإصفهانيّ في كتابه حليه الأولياء بسنده عن الإمام الباقر (عليه السّلام) أنّه قال: شيعتنا ثلاثة أصناف: صنف يأكلون الناس بنا، وصنف كالزّجاج يتهشم، وصنف كالذّهب الأحمر كلّما دخل النار ازداد جودة.
وسأل رجل الإمام موسى الكاظم ابن جعفر الصادق (عليهما السّلام) عن الجواد.
فقال: إن كنت تسأل عن المخلوقين فإنّ الجواد الذي يؤدّي ما افترض الله عليه، والبخيل من بخل بما افترض الله عليه.
وإن كنت تسأل عن الخالق، فهو الجواد إن أعطى، وهو الجواد إن منع، لأنّه إن أعطاك أعطاك ما ليس لك، وإن منعك، منعك ما ليس لك.
ورد في كتاب مطالب السّؤل أنّ رجلاً من أهل السواد كان يلزم الإمام الصادق (عليه السّلام) ففقده، فقال له أحدهم منتقصاً ذلك الرّجل المفقود: إنّه نبطيّ يا ابن رسول الله.
فقال (عليه السّلام): أصل الرجل عقله، وحسبه دينه، وكرمه تقواه، والناس في آدم متساوون.
فاستحيا ذلك القائل ممّا فرط منه.
ورد في كتاب معالم العترة أنّ سلمى مولاة الإمام الباقر (عليه السّلام) قالت: كان إخوانه يدخلون عليه، فلا يخرجون منه حتّى يطعمهم الّطعام الّطيّب، ويلبسهم الثّياب الحسنة، ويهب لهم الدّراهم.
فأقول له في ذلك ليقلّ منه.
فيقول: ما يؤمّل في الدّنيا بعد المعارف والإخوان؟
يا سلمى ما حسنة الدّنيا، إلاّ صلة المعارف والإخوان.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة