هو مشرف الدين بن مصلح الدين السعدي، ولد في مدينة شيراز حوالي عام580هـ وتوفى عام691هـ (القرن السابع الهجري) . والسعدي هو الاسم الذي اشتهر به نسبة الي سعد بن زنكي حاكم شيراز.
رحل إلى بغداد قبل سنة 623 هـ ودرس في المدرسة النظامية، وأخذ عن عدد من علماء بغداد منهم عمر بن محمد السهروردي. بسبب هجمات المغول آثر الشيرازي الرحيل والسياحة فذهب إلى دمشق والقدس ومكة وشمالي أفريقيا. ويذكر أنه حين فارق بلاد الشام نحو سنة 634 هـ وقع أسيرا في يد الفرنجة، ففرضوا عليه أن يعمل في جبل الطين ونقل الحجارة، إلى أن لقيه أحد رؤساء حلب فافتداه. ثم عاد إلى مسقط رأسه شيراز سنة 654 هـ، وتوفي فيها بين سنة 690 و694 هـ.
ومع أن الشاعر قد طبقت شهرته الآفاق منذ نشأته، وسمع عن فضله منذ شبابه، وجرت أشعاره على الألسنة. فإن أهم ما قام به في ذلك العهد أنه نهض للتأليف والتدوين. وأول منظوماته الهامة والمشهورة هي (بوستان) وهو ديوان يشتمل على قصص شعري غاية في الإبداع، وهو في هذا الديوان شاعر إنساني ومعلم اخلاقي، وبعد سنة من إتمامه، ألّف ديوانه الآخر (كلستان) وهو أجود ما كتب في النثر الفارسي، وأسلوب كلستان يطابق عنوانه (روضة الورد).
وتنتظم فيه القصص، والأمثلة، والحكم، والنصائح الأخلاقية والاجتماعية في عبارات لطيفة متينة حتى لتستطيع أن تقول إن الكلستان شعر منثور، أو نثر مجرد عن الزوائد والحشو.
أما غزليات السعدي فيمكن أن تقول إنه مبتكر فيها، فقد تضمنت أبدع الاحساسات، في روح صوفية، فلم يبلغ شاعر آخر ما بلغه فيها. مع أنه يتضح من حكايات السعدي، وحكمه أنه اندمج في زمرة رجال الصوفية، لكن لم يكن من أولئك الذين نقضوا أيديهم من شؤون الحياة، ولا من الذين لجأوا إلى الاعتزال، بل كان له لطافة أفكارهم، وإشراق نفوسهم، في حياة معتدلة، وعمل متزن.
وقد أبدع سعدي الشيرازي روائع لازال الأدب الفارسي يحتفى بها، أخرج إلى الناس أجمل النصوص الأدبية التي تمزج بين الفائدة والمتعة، وجعلها قمة بلاغية، سهلة ممتنعة، سهلة حين تقترب منها، لكنها ممتنعة حين تتجرأ على مجاراتها، فأضحى سعدي مدرسة أدبية قائمة بذاتها، إذ اعتبر أب النثر الفارسي، استطاع كذلك أن يمزج بين خلاصات تجاربه، بعد ثلاثة عقود تنقل فيها بين الكثير من البلدان والثقافات، لذلك تأهل ليكون رمز المحبة الإنسانية، واستحق أن يزين مبني مقر الأمم المتحدة في نيويورك بأبياته الشهيرة:
بني آدم اعضـاي يكديگـرنـد
كـه در آفرينش زيك گوهـرنـد
چـو عضوي بـدرد آورد روزگار
دگـر عضـوها را نمـاند قـرار
تـو گر محنت ديگران بي غمـي
نشايد كـه نامت نهند آدمـي
أي:
«بنو آدمٍ جسد واحد
إلى عنصر واحدٍ عائد
إذا مس عضواً أليم السقام
فسائر أعضائه لا تنام
إذا أنت للناس لم تألم
فـكيـف تسميـت بالآدمـي
وقدم سعدي نماذجا رائعا للوحدة الحضارية بين الايرانيين والعرب، وما هوالا رمز من رموز وحدتنا الحضارية ، فمزجه بين اللغتين العربية والفارسية هو من مظاهر اهتمامه بهذه الوحدة، وفضلا عن خطابه الذي يتجاوز حدود الزمان والمكان، واستطاع ان يقدم النموذج الرائع للامتزاج الحضاري بين هاتين الامتين.
كتب عنه الفيلسوف الفرنسي ديدرو واقتبس منه هوغو ولافونتين، وأشاد به الشاعر الأمريكي امرسن بينما وضع الفيلسوف الأمريكي الكت آثاره إلي جانب أعمال سقراط وأفلاطون ودانتي وشكسبير وملتون. وشبهه الشاعر بايرون بالشاعر الغنائي الروماني كاتولوس وتأثر به غوته، في المقابل ظل سعدي الشيرازي إلي اليوم غريبا بين المثقفين العرب.
ونقل جبرائيل بن يوسف المخلّع كلستان إلى العربية، وطبعت الترجمة بعنوان «كتاب ترجمة الجلستان الفارسي العبّاره، المشير إلى محاسن الآداب بألطف إشاره»، وطبعت في مطبعة بولاق سنة 1236 هـ.كما نقل كلستان الشاعر محمد الفراتي بعنوان «روضة الورد» وصدرت عن دار طلاس (دمشق). كما نقلها الهندي سجاد حسين. أما «بوستان»، فقد نقله محمد موسى هنداوي بعنوان «سعدي الشيرازي شاعر الانسانية»، (القاهرة، 1951 م) مع مقدمة ودراسة مطولة عن حياة الشيرازي وآثاره ونقله أيضا المصري محمد خليفة التونسي.
كما ترجم كلستان إلى الهنديه عدة مرات. وأما في اللغة التركية، فقد دخلت آثاره مبكرا، حيث ترجم التفتازاني (ت. 792 هـ) بوستان إلى التركية، وبقيت تأثير وأصداء شعر سعدي إلى فترة الأدب الحديث في تركية.
أما في الغرب، فقد ذاع صيت كلستان أول ما ذاع بفضل الترجمة الفرنسية للمستشرق دي ريير (باريس، 1634 م). ثم أعقبت هذه الترجمة بنسخة لاتينية (بقلم Gentiuss، أمستردام، 1651 م) وثم إلى الألمانية بقلم أولياريوس سنة 1651 م. وثم بالهولندية (نقلا عن ترجمة أولياريوس) وبالإنكليزية بقلم Sullivan (لندن، 1774 م). ووصل ديوانه بوستان إلى اوروبا في القرن السابع عشر الميلادي. فقد ذُكر أن الإنكليزي توماس هايد نقلها، وأول ترجمة مطبوعة ظهرت بالهولندية، نقلها هاڤرث (D.H. Avart)، وكان ذلك سنة 1688 م.
ومرقد الشيخ مشرف الدين بن مصلح الدين سعدي الشيرازي يقع على مسافة ٤ كيلومترات الى الشمال الشرقي من مدينة شيراز عاصمة محافظة فارس الايرانية وهذا المرقد يقع في سهل جبل في نهاية طريق البوستان والى جوار حديقة غناء، وكان مرقد سعدي في البداية تكية للشيخ كان يقضي فيها اواخر عمره حتى مات ودفن فيها ومنذ ۳۰۰ عام.