الخِلابة: الخِداع.
والصُّدود:
يضرب في الجمع بين شرين.
أول مَنْ قاله جرير بن عطية بن الخَطَفى.
ومِن خبره أنّ الحجاج أراد قتل جرير
فمشت إليه مُضر، فقالوا: أصلَحَ الله الأميرُ لسانَ مُضر وشاعرها. هبه لنا.
فوهبه لهم.
وكانت هند بنت أسماء بن خارجة
مِمَّن طلب فيه، فقالت للحجاج: إئذن
لي، فاسمع من قوله.
قال: نعم.
فأمر بمجلس له جلس فيه هو وهند، ثم بعث إلى جرير، فدخل وهو لا يعلم بمكان الحجاج، فقالت له هند: يا ابن الخَطَفى. انشدني قولك في التشبيب.
قال: والله ما شببت بإمرأة قط، وما خلق الله شيئاً أبغضَ إليَّ مِن النساء.
ولكنِّي أقول في المديح ما بلغت، فان شئت اسمعتُكِ.
قالت: يا عدو نفسه فأين قولك:
يجري السِّواكُ على أغَرَّ كأنَّه
بَرَدَ تَحدَّر مِن متون غَمامِ
طرقتكَ صائدةُ القلوبِ وليس ذا
وقتَ الزيارة فارجعي بسلام
لو كنتِ صادقةَ الذي حدَّثتِنا
لَوصلتِ ذاك فكان غيرُ رِمامِ
قال جرير: لا واللهِ ما قلت هذا، ولكنِّي أقول:
لقد جَرَّدَ الحجّاج بالحقِّ سيفَهُ
ألا فاستقيموا لا يميلَنَّ مائلُ
ولا يستوي داعي الضلالةِ والهُدى
ولا حُجَّةُ الخَصَمينِ حقٌّ وباطِلُ
فقالت هند: دع ذا عنك، فأين قولك:
خليلَيَّ لا تستشعرا النومَ إنَّني
أُعيذُكُما باللهِ أنْ تجدا وَجدي
ظَمِئتُ إلى بَرْدِ الشرابِ وغَرَّني
جَدا مُزْنةٍ يُرجى جداها وما تُجِدي
قال جرير: بل أنا الذي أقول:
ومَنْ يأمنَ الحَجّاجَ أمّا عِقابُهُ
فَمَرٌّ وأمّا عَقْدُهُ فَوَثيقُ
لَخِفْتُكَ حتى أنزلَتنْي مخافَتي
وقد كان مِنْ دوني عَمايَةُ نِيقُ
يُسِرُّ لكَ البَغضاءُ كُلُّ مُنافِقٍ
كما كُلُّ ذي دينٍ عليكَ شفيقُ
قالت: دع ذا عنك ولكنْ هات قولك:
يا عاذِلَيَّ دعا الملامَةَ واقصِرا
طال الهوى وأطَلتُما التَفنيدا
إنِّي وجدتُكِ لو أردتِ زيادةً
في الحب منِّي ما وجدتِ مزيدا
أخَلِبْتِنا وصَدَدْت أُمَّ مُحَمَّدٍ
أفَتَجْمَعينَ خِلابةً وصُدُودا
لا يستطيع أخو الصَّبابةِ أنْ يُرى
حَجَراً أصَمَّ وأنْ يكونَ حَديدا
شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم