وأن الإمام الرضا عليه السلام كان يدرك ذلك بوضوح فرفض ولاية العهد، إلا انه ارغم على الدخول فيه، وما كان يجد بداً للخلاص من الخطة السياسية التي وضعها المأمون واتضح من خلال ذلك ان المأمون ليس ذاك الشخص الذي كان زاهدا في الملك والسلطة، فقد قتل أخاه الامين من أجله، وقتل من خدموه وخدموا سلطة أبيه الرشيد، أمثال طاهر بن الحسين، والفضل بن سهل، وأخرين ممن ساهموا في تنفيذ خطط المأمون وتثبيت سلطته.
فكان طبيعياً ان يلقى الامام الرضا عليه السلام مثل هذه المعاملة وهو من أكثر الناس خطرا وأشدهم فاعلية في مجرى أحداث المرحلة السياسية التي عاشها. يضاف الى ذلك ما كان للصراع والوشايات والوقيعة التي كانت تمارسها الحواشي أمثال الحسن والفضل بن سهل وضغوط رجالات بني العباس.
لذلك فان التاريخ يحدثنا ان المأمون قد دس السم في بعض طعام الامام الرضا عليه السلام (في العنب او الرمان) فاغتاله، كما يرى مؤرخون آخرون ان الامام مات حتف أنفه من غير ان يدس له السم.
وقد أحس المأمون في نفسه خطورة الحدث وفداحة المصاب وخاف تحسس العلويين وجماهير الامة وانقلاب الرأي العام وتحركه ضده، واتهامه بقتله، فمازالت الذاكرة تحتفظ بمحنة اهل البيت عليهم السلام ومعاناتهم من بني العباس، ومازال صوت الناعي الذي عزّى المسلمين بشهادة الامام موسى بن جعفر يثير الاحزان ويشجي النفوس، لذلك كتم المأمون خبر وفاة الامام يوما وليلة، ثم استدعى محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر- عم الامام الرضا- وجماعة من آل ابي طالب فلما أحضرهم عرض عليهم جسد الامام وأكد لهم انه مات موتاً طبيعيا وها هو صحيح الجسد لا أثر لأي عدوان على جسده .
ويذكرنا هذا الموقف بموقف الرشيد ابي المأمون من جثمان الامام الكاظم عليه السلام ابي الامام الرضا عليه السلام حين ادخل السندي بن شاهك مدير شرطته الفقهاء ووجهاء الطالبيين على جنازة الامام الكاظم عليه السلام ليدفع عن نفسه عملية الاغتيال.
ويذكر المؤرخون ان الناس اتجهوا الى اتهام المأمون، وقالوا لقد قتل واغتال ابن رسول الله، وكثر اللغط والضجيج بين الناس، وهم يجتمعون حول البيت الذي فيه جثمان الامام، فخاف المأمون هياج الرأي العام وتحرك الناس واستغلال الموقف -فطلب المأمون من عم الامام (محمد بن جعفر) ان يخرج الى الجماهير المحتشدة ويصرفها الى وقت آخر، حيث أجل تشييع الجثمان وتوديعه الى رياض النعيم. فقد نقل الشيخ الصدوق في ذلك: (فلما اصبح اجتمع الخلق وقالوا: ان هذا قتله واغتاله يعنون المأمون، وقالوا: قتل ابن رسول الله، واكثر القول والجلبة وكان محمد بن جعفر استأمن المأمون وجاء الى خراسان، وكان عم ابي الحسن، فقال المأمون: يا جعفر أخرج الى الناس واعلمهم ان أبا الحسن لا يخرج اليوم، وكره أن يخرجه فتقع الفتنة فخرج محمد بن جعفر الى الناس، فقال: ايها الناس تفرقوا فان ابا الحسن لا يخرج اليوم فتفرق الناس، وغسل ابو الحسن في الليل ودفن).
وهكذا رحل الامام وهو يردد كلام الله وينطق بآخر كلمة في حياته (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم). وكانت شهادته في اليوم الاخير من شهر صفر سنة203هـ. بمدينة طوس التي دفن فيه، في دار حميد بن قحطبة الى جوار قبر الرشيد في جهة القبلة، ومقام الامام اليوم مقام شامخ تفد اليه الملايين ويزدحم حول ضريحه الوفادون، وقد عظمت المدينة التي دفن فيها وصار اسمها(مشهد) وتقع في الشمال الشرقي من ايران.
فسلام عليه يوم ولد
ويوم استشهد
ويوم يبعث حياً