لا يوجد لحزب الله مكتب رسمي في ألمانيا، لكن الشرطة الألمانية حددت أربعة مكاتب مرتبطة بحزب الله في برلين ودورتموند وبريمن ومونستر. وبحسب ما ورد، فقد بدأت الشرطة الألمانية اعتقال أعضاء يشتبه في أنهم من حزب الله في لبنان في وقت مبكر من صباح الأمس. ويتوقع مسؤولون أمنيون ألمان أن يكون 1050 من أعضاء حزب الله اللبناني متمركزين في ألمانيا.
في تبرير هذه الخطوة، اعتبرت الحكومة الألمانية أن انحياز حزب الله وحلفائه المقربين إلى العنف ضد "إسرائيل" وعدم اعترافه بوجود هذا الكيان، سبب هذا الإجراء.
علي الرغم من أن هذا الادعاء ينقض بوضوح الحقائق التاريخية والدائمة للعدوان الصهيوني والعنف ضد لبنان، لكن عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني والصراع بين حزب الله وتل أبيب لم يتغير منذ عقود. لكن لماذا اختارت الحكومة الألمانية هذه المرحلة لاعتبار حزب الله إرهابياً؟
إن دراسة العلاقة بين التطورات في لبنان والمنطقة هذه الأيام، مع الضغوط المتزامنة من الدول الغربية والعربية ضد المقاومة اللبنانية، تشير إلي خطة معقدة ودولية تحاك للبنان.
السيناريو الغربي المعقد للبنان
بالنظر إلى التطورات الحالية في لبنان، يمكن ملاحظة أن تحرك ألمانيا ضد حزب الله والترحيب السريع من الولايات المتحدة والسعودية والكيان الصهيوني بهذا الإجراء، لا يمكن أن يكون صدفةً وغير مخطط له بأي شكل من الأشكال.
إن الفوز الباهر للمقاومة في لبنان في الانتخابات البرلمانية 2018، والذي زاد شعبية وتأثير خطاب المقاومة وحركة حزب الله في لبنان، بدا وكأنه تحذير لمصالح الغرب وجبهة التسوية في المنطقة، بعد إنفاق الكثير من الأموال لمنع مثل هذا الحدث.
وفي هذه الظروف، وبالنظر إلى أن توزيع المناصب السياسية حسب الدستور اللبناني يقوم على المحاصصة الدينية المحددة، فقد بقي منصب رئيس الوزراء الذي يكون من نصيب أهل السنة، في يد "سعد الحريري" زعيم تحالف 14 آذار وحزب المستقبل، كشخصية قريبة من الغرب ومناهضة للمقاومة في لبنان.
الحريري وبسبب الضغوط الخارجية وخاصةً من السعودية، سعي للسيطرة على الآثار التي لا يمكن تجنبها لفوز المقاومة في الانتخابات، على السياسات الداخلية والخارجية للحكومة.
في هذه الأثناء، ظهور الاحتجاجات العامة ضد قرار الحكومة بفرض المزيد من الضرائب على الإنترنت، وضياع الخدمات العامة في النزاعات السياسية أواخر العام الماضي، دفعا الجبهتين الداخلية والخارجية المناهضتين لحزب الله، إلى اغتنام فرصة الاحتجاجات، على الرغم من استمرار الأزمة الاقتصادية في لبنان لسنوات عديدة والديون الخارجية المتراكمة لهذا البلد، للتخلص من وجود حزب الله في الحكومة، باستخدام خدعة تشكيل حكومة تكنوقراط.
الحريري وأنصاره الذين كانوا مقتنعين بأنه بدونه لن يتمكن حزب الله من تشكيل حكومة جديدة، استقال من منصبه كرئيس للوزراء في أكتوبر 2019، حتى يضطر حزب الله لقبول الانسحاب والتراجع.
ولكن في حدث لم يتوقعه مصممو هذا السيناريو، وبعد ترشيح بعض الشخصيات، أخيرًا نجح حسن دياب في تشكيل الحكومة من دون وجود قوي تابعة للحريري. وخلال فترة ولايته القصيرة كرئيس للوزراء منذ فبراير، وضع دياب الإصلاح الاقتصادي ومكافحة الفساد على جدول أعماله.
وقد أثار ذلك مخاوف جدية بشأن نتائج نجاح دياب على مستقبل الحريري السياسي، وكذلك مزيد من النجاح لحزب الله في مستقبل لبنان، بالنسبة للدول التي تدعم الكيان الصهيوني وتعارض خطاب المقاومة.
وفي هذا السياق، وبعد عودة الحريري من زيارة فرنسا في 1 مايو وبعد أسابيع قليلة، بدأت جولة جديدة من الاحتجاجات ضد حكومة دياب وضد السياسة النقدية للحكومة لتعويض الديون الواسعة النطاق للبنوك، بمركزية المصرف المركزي.
وفي مثل هذه الظروف، فإن اعتبار حزب الله حركةً إرهابيةً، هو بالتأكيد جزء آخر من سيناريو خلق الأزمة في لبنان، وإفشال جهود الحكومة القريبة من المقاومة في تنفيذ برامج حل الأزمات الاقتصادية.
ضرب محور المقاومة من خلال نزع سلاح لبنان
ليس هناك شك في أن زيادة الإجراءات المضادة لحزب الله في الدول الغربية وبعض الدول العربية في السنوات الأخيرة، وخاصةً محاولات نزع سلاح حزب الله، هي جزء من تكتيك لمنع التحول في ميزان القوى في معادلة الشطرنج في غرب آسيا لصالح المقاومة، وكانت نقطة التحول في هذه المنافسة في السنوات الأخيرة هي الصراع الدولي بين القوى الإقليمية والدولية في الأزمة السورية.
ففي حين أن الجبهة المنافسة لمحور المقاومة، حاولت من خلال خلق الأزمة وانهيار سوريا بوصفها جسراً للمقاومة في العقود الماضية، إخراج دمشق من دائرة المقاومة في المنطقة بكل الوسائل، وبالتالي ضرب قوة هذا التحالف، ولكن بعد تضحيات وشجاعة القوات المدافعة عن سوريا، وتحالف محور طهران - موسكو – دمشق في الحرب ضد الإرهاب في هذا البلد، فشلت الخطط الغربية والعبرية والعربية، وزادت قوى المقاومة في حزب الله من قدراتها اللوجستية والعسكرية، وكذلك تواجدها في الحزام الأمني المعادي للصهيونية.
إن هزيمة المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة في سوريا ثم العراق، دفعت البيت الأبيض إلي إطلاق موجة من الإجراءات الهجومية ضد الأذرع الإقليمية للمقاومة في هذه البلدان. حيث مارس البيت الأبيض ضغطاً واسع النطاق على الحكومات الأوروبية لاعتبار حزب الله إرهابياً.
وفي هذا السياق، أقرت بريطانيا قوانين في فبراير من العام الماضي، صنفت حزب الله على أنه منظمة إرهابية، والآن وبعد أن فرضت ألمانيا قيودًا على حزب الله عدة مرات، استسلمت أخيرًا لضغوط البيت الأبيض.
وكان أعضاء الكونغرس قد بعثوا رسالةً جديدةً إلي ألمانيا في عام 2019، تحثها على اعتبار ليس فقط الجناح العسكري بل أيضًا حزب الله بأكمله منظمةً إرهابيةً، وذلك وفق الاتفاقيات الأمنية المشتركة. وجاءت هذه الرسالة بعد أن فشل البوندستاغ (البرلمان الألماني) في تمرير قرار يعتبر حزب الله مجموعةً إرهابيةً.
والآن، وبعد مسايرة ألمانيا وبريطانيا، تأمل الولايات المتحدة والقادة الصهاينة في أن يعلن الاتحاد الأوروبي، الذي اعتبر في عام 2013 رسمياً الجناح العسكري لحزب الله منظمةً إرهابيةً، أن جناحه السياسي إرهابي أيضاً.
علامات زوال الغدة السرطانية في المنطقة
من المؤكد أن الدور الذي تقوم به المنظمات الصهيونية ولوبيات الحكومة الصهيونية في الغرب، هو دور حاسم في تشكيل مثل هذه الإجراءات. لأنه نظراً لعزلتهم الدولية والإقليمية، يرى الصهاينة أنفسهم دوماً بحاجة إلى الدعم السياسي والعسكري من الدول الغربية.
ومع ذلك، فإن زيادة القوة العسكرية للمقاومة في فلسطين ولبنان من ناحية، والتي وضعت حداً لأسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر، ومن ناحية أخرى نمو الوعي العام في العالم وخاصةً في المجتمعات الغربية، حيال خداع الحكومات الغربية في دعم جرائم الكيان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، واعتداءاته على سوريا ولبنان، قد جعلا القادة الصهاينة يمارسون المزيد من الضغوط على الحكومات الغربية لدعمهم.
وفي السنوات الأخيرة، حذر المسؤولون السياسيون والعسكريون الإسرائيليون مرارًا وتكرارًا من زيادة القدرات العسكرية لحزب الله، وخاصةً الصواريخ المتقدمة للحزب، والقادرة على استهداف أي نقطة على الأراضي الإسرائيلية.
من ناحية أخرى، من أجل فهم الوضع غير المستقر للكيان الصهيوني، يكفي الانتباه إلى حقيقة أن قرار الحكومة الألمانية ضد حزب الله، يأتي عشية انطلاق المسيرات المعادية للكيان الإسرائيلي في "يوم القدس"، والتي تنتشر وتتوسَّع حول العالم عامًا بعد عام.
المصدر: الوقت