الْحَمْدُ لِلَّهِ اَلْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ، واَلْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ مَنْصَبَةٍ، خَلَقَ اَلْخَلاَئِقَ بِقُدْرَتِهِ، واِسْتَعْبَدَ اَلْأَرْبَابَ بِعِزَّتِهِ وسَادَ اَلْعُظَمَاءَ بِجُودِهِ، وهُوَ اَلَّذِي أَسْكَنَ اَلدُّنْيَا خَلْقَهُ، وبَعَثَ إِلَى الْجِنِّ وَالإِنسِ رُسُلَهُ، لِيَكْشِفُوا لَهُمْ عَنْ غِطَائِهَا، ولِيُحَذِّرُوهُمْ مِنْ ضَرَّائِهَا، ولِيَضْرِبُوا لَهُمْ أَمْثَالَهَا، ولِيُبَصِّرُوهُمْ عُيُوبَهَا، ولِيَهْجُمُوا عَلَيْهِمْ بِمُعْتَبَرٍ مِنْ تَصَرُّفِ مَصَاحِّهَا، وأَسْقَامِهَا، وحَلاَلِهَا وحَرَامِهَا، ومَا أَعَدَّ اَللَّهُ لِلْمُطِيعِينَ مِنْهُمْ، واَلْعُصَاةِ مِنْ جَنَّةٍ ونَارٍ، وكَرَامَةٍ وهَوَانٍ، أَحْمَدُهُ إِلَى نَفْسِهِ كَمَا اِسْتَحْمَدَ إِلَى خَلْقِهِ، جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا، ولِكُلِّ قَدْرٍ أَجَلاً، ولِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاباً.
وفي فضل القرآن:
قال عليه السلام: فَالْقُرْآنُ آمِرٌ زَاجِرٌ، وصَامِتٌ نَاطِقٌ، حُجَّةُ اَللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ، أَخَذَ عَلَيْهِ مِيثَاقَهُمْ، واِرْتَهَنَ عَلَيْهِمْ أَنْفُسَهُمْ، أَتَمَّ نُورَهُ، وأَكْمَلَ بِهِ دِينَهُ، وقَبَضَ نَبِيَّهُ صَلََّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ، وقَدْ فَرَغَ إِلَى اَلْخَلْقِ مِنْ أَحْكَامِ اَلْهُدَى بِهِ، فَعَظِّمُوا مِنْهُ سُبْحَانَهُ مَا عَظَّمَ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُخْفِ عَنْكُمْ شَيْئاً مِنْ دِينِهِ، ولَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً رَضِيَهُ أَوْ كَرِهَهُ إِلاَّ وجَعَلَ لَهُ عَلَماً بَادِياً، وآيَةً مُحْكَمَةً، تَزْجُرُ عَنْهُ، أَوْ تَدْعُو إِلَيْهِ، فَرِضَاهُ فِيمَا بَقِيَ وَاحِدٌ، وسَخَطُهُ فِيمَا بَقِيَ وَاحِدٌ، واِعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرْضَى عَنْكُمْ بِشَيْءٍ سَخِطَهُ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، ولَنْ يَسْخَطَ عَلَيْكُمْ بِشَيْءٍ رَضِيَهُ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وإِنَّمَا تَسِيرُونَ فِي أَثَرٍ بَيِّنٍ، وتَتَكَلَّمُونَ بِرَجْعِ قَوْلٍ قَدْ قَالَهُ اَلرِّجَالُ مِنْ قَبْلِكُمْ، قَدْ كَفَاكُمْ مَئُونَةَ دُنْيَاكُمْ، وحَثَّكُمْ عَلَى اَلشُّكْرِ، واِفْتَرَضَ مِنْ أَلْسِنَتِكُمُ اَلذِّكْرَ.
الوصية بالتقوى:
وأَوْصَاكُمْ بِالتَّقْوَى، وجَعَلَهَا مُنْتَهَى رِضَاهُ، وحَاجَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ، فَاتَّقُواْ اللَّهَ اَلَّذِي أَنْتُمْ بِعَيْنِهِ، ونَوَاصِيكُمْ بِيَدِهِ، وتَقَلُّبُكُمْ فِي قَبْضَتِهِ، إِنْ أَسْرَرْتُمْ عَلِمَهُ، وإِنْ أَعْلَنْتُمْ كَتَبَهُ، قَدْ وَكَّلَ بِذَلِكَ حَفَظَةً كِرَاماً، لاَ يُسْقِطُونَ حَقّاً ولاَ يُثْبِتُونَ بَاطِلاً، واِعْلَمُوا أَنَّهُمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً مِنَ اَلْفِتَنِ، ونُوراً مِنَ اَلظُّلَمِ، ويُخَلِّدْهُ فِيمَا اِشْتَهَتْ نَفْسُهُ، ويُنْزِلْهُ مَنْزِلَ اَلْكَرَامَةِ عِنْدَهُ، فِي دَارٍ اِصْطَنَعَهَا لِنَفْسِهِ، ظِلُّهَا عَرْشُهُ، ونُورُهَا بَهْجَتُهُ، وزُوَّارُهَا مَلاَئِكَتُهُ، ورُفَقَاؤُهَا رُسُلُهُ، فَبَادِرُوا اَلْمَعَادَ، وسَابِقُوا اَلْآجَالَ، فَإِنَّ اَلنَّاسَ يُوشِكُ أَنْ يَنْقَطِعَ بِهِمُ اَلْأَمَلُ، ويَرْهَقَهُمُ اَلْأَجَلُ، ويُسَدَّ عَنْهُمْ بَابُ اَلتَّوْبَةِ، فَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي مِثْلِ مَا سَأَلَ إِلَيْهِ اَلرَّجْعَةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وأَنْتُمْ بَنُو سَبِيلٍ عَلَى سَفَرٍ مِنْ دَارٍ لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ، وقَدْ أُوذِنْتُمْ مِنْهَا بِالاِرْتِحَالِ، وأُمِرْتُمْ فِيهَا بِالزَّادِ، واِعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا اَلْجِلْدِ اَلرَّقِيقِ صَبْرٌ عَلَى اَلنَّارِ، فَارْحَمُوا نُفُوسَكُمْ فَإِنَّكُمْ قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ اَلدُّنْيَا.