وقرر الشيخ عيسى عام 1992 مغادرة البحرين إلى مدينة قم في إيران لتعميق دراساته الدينية، وبقي عيسى في إيران حتى عودته إلى البحرين في 8 مارس/آذار 2001 إثر إقرار "ميثاق العمل الوطني" بين الحكومة والمعارضة باستفتاء شعبي نـُظم يوميْ 14-15 فبراير/شباط 2001.
ويعتبر عالم الدين البحريني آية الله الشيخ عيسى قاسم، أكبر مرجع ديني لاتباع اهل البيت عليهم السلام في البحرين، والذي أسقط نظام آل خليفة جنسيته بمزاعم واهية، ما أثار انتقادات دولية واسعة.
سيرته
وُلد آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم عام 1940 في قرية الدراز شمال غرب المنامة عاصمة البحرين. ونشئ فيها، تلقى تعليمه في المدارس الحكومية وحصل على الشهادة الثانوية في العاصمة المنامة، ثم دخل كلية المعلمين ونال إجازة التعليم، والتحق بمهنة التعليم عام 1960، وعمل مدرسا لمادتي التربية الإسلامية واللغة العربية. توفي والده وهو في الرابعة من عمره فرعته أمه وإخوته.
وتعلم آية الله عيسى قاسم القرآن الكريم في الكتاتيب، وفي عام 1951 دخل مدرسة البديع الابتدائية للبنين ثم ثانوية المنامة حيث حصل على الشهادة الثانوية عام 1958، والتحق بكلية المعلمين فنال منها إجازة التعليم.
وإلى جانب دراسته النظامية تعلم الفقه في البحرين على يد علوي الغريفي، ثم غادر بلده للدراسة في كلية الفقه بالنجف الاشرف جنوبي العراق ومنها نال شهادة الليسانس في العلوم الإسلامية والشرعية.
العودة إلى البحرين والمسؤوليات
وبعد إكماله المرحلة الثانوية انخرط عيسى عام 1959 في سلك التدريس مدرسا لمادتيْ اللغة العربية والتربية الإسلامية. وفي 1972 أسس "جمعية التوعية الإسلامية" فترأسها ثلاث دورات خلال 1972-1983. كما أسس عام 2005 "المجلس الإسلامي العلمائي" الذي ترأسه دورة واحدة، وهو عضو في الهيئة العليا للمجمع العالمي لأهل البيت.
وشارك الشيخ "عيسى قاسم"، بصفته عضوا في المجلس التأسيسي لوضع دستور للبحرين عام 1971. ومع الشروع في قيام المجلس التأسيسي لوضع دستور دولة البحرين استدعاه جمع في البحرين للقدوم والترشيح لهذا المجلس، وفاز بأعلى الأصوات، وكان له مع المجموعة الإسلامية في المجلس التأثير البارز في إدخال كثير من المواد الإسلامية في الدستور.
وفي سنة 1971 رشح نفسه للمجلس الوطني واعتبر نفسه رئيساً للكتلة الدينية في المجلس، حتى تم حل المجلس، كان من أبرز المؤسسين جمعية التوعية الإسلامية في عام 1971م.
ومنذ عودته إلى البحرين، شرع في تأسيس "المجلس الإسلامي العلمائي"، وتم ترشيحه لقيادة مجلسه في دورته الأولى حتى توجه بتركيزه إلى مكتب البيان للمراجعات الدينية التابع له وذهبت رئاسة مجلسه إلى السيد مجيد المشعل عبر تصويت لمجلس الإدارة.
شعبيته ونشاطاته السياسية
ويمتلك آية الله الشيخ "عيسى أحمد قاسم" أكبر قاعدة شعبية في البلاد وتعتبره الأغلبية في البحرين قائدا لها، وله العديد من المواقف الوطنية، كما يحظى الشيخ قاسم بشعبية كبيرة في عموم الخليج الفارسي والمنطقة. وينظر إليه باعتباره طالب بالمساواة والإصلاح السياسي في البلاد.
وقد عارض نظام آل خليفة منذ بدء الثورة الشعبية في البحرين عام 2011، وانتقد بشدة الأسرة الحاكمة في البلاد.
وتتهمه الحكومة البحرينية بالوقوف وراء المظاهرات في البحرين ومحاولة تأسيس نظام بديل، وقررت وزارة الداخلية في المملكة تجريده، من الجنسية البحرينية، بزعم سعيه "لإثارة الانقسام المذهبي في البلاد".
وفي عام 1996 اتهمته السلطات البحرينية بالضلوع في "مؤامرة" لقلب نظام الحكم وتأسيس مجموعة معارضة، وبالوقوف وراء المظاهرات في البحرين، حسب زعمها.
في 1962 بدأ آية الله الشيخ عيسى قاسم رسميا مساره العلمي الديني بالدراسة على مشايخ بلده، ثم سافر للدراسة في الحوزات العلمية بالعراق فدرس على مشايخ كبار في مقدمتهم آية الله محمد باقر الصدر، وعاد إلى وطنه نهائيا عام 1971.
وترشح عيسى لانتخابات "المجلس التأسيسي" الذي سيتولى وضع دستور الدولة ففاز بمقعد فيه، وكان ذلك الفوز إيذانا ببدء مرحلة جديدة في حياته ألقت به في معترك السياسة وتجاذباتها المحتدمة.
ففي عام 1973 انتخِب لعضوية المجلس الوطني (البرلمان) وظل كذلك إلى أن حُل المجلس عام 1975. وفي 1984 أغلِقت "جمعية التوعية الإسلامية" التي أسسها وفـُرضت عليه الإقامة الجبرية بعد استجوابه أمنيا، وبقي كذلك حتى بداية التسعينيات.
وقرر الشيخ عيسى عام 1992 مغادرة البحرين مجددا ولكن هذه المرة إلى مدينة قم في إيران لتعميق دراساته الدينية، وبقي عيسى في إيران حتى عودته إلى البحرين في 8 مارس/آذار 2001 إثر إقرار "ميثاق العمل الوطني" بين الحكومة والمعارضة باستفتاء شعبي نـُظم يوميْ 14-15 فبراير/شباط 2001.
ودشن بعودته تلك عهدا جديدا أصبح فيه يمثل المرجعية الدينية والسياسية لاتباع اهل البيت (عليهم السلام) فيها؛ إذ أسس "مكتب البيان للمراجعات الدينية" و"المجلس الإسلامي العلمائي" في 2005، ودعا في العام نفسه لتنظيم مسيرة كبرى اعتراضا على قانون حكومي للأحوال الشخصية، كما كانت له مواقف سياسية مؤيدة لاحتجاجات البحرين منذ فبراير/شباط 2011.
ففي خطبته للجمعة في جامع الصادق بمنطقة الدراز يوم 25 فبراير/شباط 2011؛ أعلن عيسى رفضه "فكرة الحوار من أجل الحوار، لأن الحوار الذي يستهدف حلا شكليا لا يصلح اليوم، ولا بد أن يكون الحوار جذريا مقتنعا بروح التغيير ومستجيبا للمطالب العادلة".
وفي 24 يونيو/حزيران انتقد محاكمة ثمانية معارضين من قبل محكمة عسكرية بتهمة التآمر لقلب النظام، قائلا إن أحكامها "قاسية وغير عادلة" ومطالبا السلطات بالتراجع عنها.
واعتبر هذه الأحكام سدا يحول دون المشاركة في الحوار الذي دعا إليه ملك البلاد حمد بن عيسى آل خليفة، ووصف هذا الحوار بأنه "فاشل قبل أن يبدأ".
وفي 23 أغسطس/آب 2011 أرسل وزير العدل خالد بن علي آل خليفة خطابا إلى قاسم يتهمه فيه بـ"إثارة الفتنة الطائفية والعنف"، وبأنه يستخدم منبره في خطب الجمعة لدعوة أنصاره إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية التكميلية (أجريت يوم 24 سبتمبر/أيلول من نفس العام).
واعتبر علماء بارزون في البلاد ما جاء في ذلك الخطاب إهانة وتهديدا مباشرا لآية الله قاسم، وتعهدوا بتوحيد صفوفهم ودعوا أتباعهم إلى الانضمام إليهم في صلاة جمعة موحدة في نفس الأسبوع بقرية الدراز.
وفي 17 مايو/أيار 2013 اكدت جمعية الوفاق المعارضة ان قوات الأمن البحرينية قامت باقتحام وتفتيش منزل عيسى في الدراز و"ترويع النساء والأطفال"، مشيرة إلى أنه لم يكن في بيته وقت الاقتحام.
إسقاط الجنسية والانتقادات الدولية
الاثنين 20 يونيو/ حزيران 2016، أسقطت السلطات البحرينية، الجنسية عن الشيخ "عيسى أحمد قاسم"، وطالبته وعائلته بالخروج الفوري، وهددته بالترحيل القسري.
وفي 20 يونيو/حزيران 2016 أعلنت وزارة الداخلية البحرينية أن مجلس الوزراء أصدر قرارا بالموافقة على إسقاط الجنسية البحرينية عن "المدعو عيسى أحمد قاسم"، وانتقد مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشدة هذا القرار وقال إنه "غير مبرر" وفقا للقانون الدولي.
وقال مركز البحرين لحقوق الإنسان إن إسقاط الجنسية عن عيسى قرار "اعتباطي"، وإن الخطوة تشكل "ضربة أخرى توجه لحرية التعبير في البحرين".