البث المباشر

بحث حول الصابئة

الإثنين 15 أكتوبر 2018 - 19:38 بتوقيت طهران
بحث حول الصابئة

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

ان القول بجريان أحكام أهل الذمة أو عدم جريانها عليهم يحتاج إلى زيادة فحص في ادلة الحكم وايضاً إلى بحث وتتبع جادين في معرفة الموضوع؛ اذ عمدة الاشكال في حكمهم ناشى ء من عدم المعرفة بحالهم وحقيقة دينهم واعتقادهم، ولابد اولاً من نقل الكلمات فيهم.

اقوال الفقهاء

1- قال الشيخ المفيد(1): «وقد اختلف فقهاء العامة في الصابئين ومن ضارعهم في الكفر سوى من ذكرناه من الأصناف الثلاثة فقال مالك بن انس والاوزاعي: كلّ دين بعد دين الاسلام سوى اليهودية والنصرانية فهو مجوسية وحكم اهله حكم المجوس.»

ثم استمر في نقل الكلمات في تسويتهم مع المجوس. ثم قال (رحمه الله): «فأما نحن فلا نتجاوز بايجاب الجزية إلى غير من عددناه؛ لسنة رسول الله (ص) فيهم والتوقيف الوارد عنه في احكامهم.» ثم قال (رحمه الله) في مقام استبعاد ما ذكره القوم من تسوية الصابئة للمجوس: «فلو خلينا والقياس لكانت المانوية والمزدقية والديصانية عندي بالمجوسية اولى من الصابئين؛ لانهم يذهبون في اصولهم مذاهب تقارب المجوسية وتكاد تختلط بهما.»

ثم ذكر بعض النحل المهجورة، وبين قربها من النصرانية أو من مشركي العرب، ثم قال (رحمه الله):

«فأما الصابئون فمنفردون بمذاهبهم ممن عددناه؛ لان جمهورهم يوحد الصانع في الازل، ومنهم من يجعل معه هيولى في القدم صنع منها العالم فكانت عندهم الاصل. ويعتقدون في الفلك وما فيه الحياة والنطق وانه المدبر لما في هذا العالم، والدالّ عليه، وعظموا الكواكب وعبدوها من دون الله عز وجل وسماها بعضهم ملائكة وجعلها بعضهم آلهة وبنوا لها بيوتاً للعبادات، وهؤلاء بالقياس إلى مشركي العرب وعباد الاوثان اقرب من المجوس؛ لانهم وجهوا عبادتهم إلى غير الله سبحانه في التحقيق وعلى القصد والضمير، وسموا من عداه من خلقه باسمائه جل عما يقول المبطلون...» إلى آخر كلامه الشريف الذي سلك فيه مسلك الفقيه المتكلم، وعمد إلى ابطال حجة فتوى الخصم بكون الصابئة من اهل الذمة، من طريق الخدشة في مشابهة المقيس والمقيس عليه.

وهو في غاية الجودة والاتقان اذا فرض ان ما نسبه (رحمه الله) إلى الصابئة من العقائد هي العقائد المقبولة لديهم وهي التي تشكل اصول دينهم ونحلتهم، وسوف تعرف الكلام في ذلك.

2- وقال الشيخ (رحمه الله) في الخلاف(2): «الصابئة لا يؤخذ منهم الجزية ولا يقرّون على دينهم، وبه قال ابو سعيد الاصطخري، وقال باقي الفقهاء: انه يؤخذ منهم الجزية، دليلنا اجماع الفرقة واخبارهم، وايضاً قوله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)(3) وقال: (فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب)(4)، ولم يأمر بأخذ الجزية منهم، وايضاً قوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)(5)، فشرط في اخذ الجزية ان يكونوا من أهل الكتاب، وهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب.» انتهى كلامه رفع الله مقامه.

فاستناده إلى الآيتين بضميمة انه لم يأمر بأخذ الجزية منهم، بمنزلة تأسيس اصل عام في معاملة الكفار، وحاصله: ان مقتضى الآيتين قتال الكفار الا من امر بأخذ الجزية منهم، وهؤلاء لم يرد الأمر بالجزية في حقهم.

واما استناد ذلك إلى آية الجزية فهو متوقف على امرين:

الأول: دلالتها على عدم الجزية بالنسبة لغير من اوتي الكتاب ولو بضميمة رواية عبدالكريم الهاشمي(6).

الثاني: اثبات كون الصابئة من غير «الذين اوتوا الكتاب » أو قل: عدم احراز كونهم من الذين اوتوا الكتاب، وسوف نذكر في ذلك ما هو المؤدي اليه نظرنا ان شاء الله تعالى.

3- وقال الطبرسي (رحمه الله) في تفسير قوله تعالى: (ان الذين آمنوا ... والصابئين)(7) بعد نقل كلمات الفقهاء واهل اللغة في معنى الصابئة وما هم عليه من الاعتقاد: «والفقهاء باجمعهم يجيزون اخذ الجزية منهم، وعندنا لا يجوز ذلك؛ لانهم ليسوا باهل كتاب.(8)» انتهى. واستدلاله يشبه ما مر من الخلاف.

4- وفي تفسير علي بن ابراهيم في بيان قوله تعالى: (ان الذين آمنوا والذين هادوا...)(9)، قال (يعني علي بن ابراهيم): «الصابئون قوم لا مجوس ولا يهود ولا نصارى ولا مسلمون، وهم يعبدون الكواكب والنجوم(10).»

5- وفي الجواهر بعد ما نقل عن ابن الجنيد تصريحه بأخذ الجزية منهم، قال: ولا باس به ان كانوا من احدى الفرق الثلاث. ثم اخذ في ذكر اقوال من صرحوا بكون الصابئة داخلة في احدى تلك الفرق، مع ما فيها من التضارب. ثم قال: وحينئذ يتجه قبول الجزية منهم. ثم ذكر بعده اقوال من ينسبهم إلى عبادة النجوم وامثالها، واضاف: وعليه يتجه عدم قبولها منهم. إلى آخر كلامه(11).

ولكن الظاهر من كلام ابن الجنيد (رحمه الله) المذكور في مختلف العلامة رحمه الله انه حكم بدخول الصابئة في من يؤخذ منهم الجزية كفرقة مستقلة عن الفرق الثلاث المذكورين قبلها، لا كجزء منها، كما ان هذا ينبغي ان يكون هو المراد في كلام من يعتقد بأخذ الجزية من الصابئة؛ والا فأخذ الجزية من جميع الديانات الثلاث مما لا يختلف فيه اثنان(12).

محصل الأقوال

والذي يتحصل من الاقوال:

اولا: انه ليس في المسألة اجماع من اصحابنا؛ وذلك لمخالفة ابن الجنيد (رحمه الله) الذي هو من الذين لابد ان يعتنى بقولهم في تحقق الاجماع وعدمه، ولان فتوى العلماء بعدم اخذ الجزية من الصابئة انما تنشأ مما وصلوا اليه في تشخيص الموضوع؛ اعني كون هؤلاء من غير أهل الكتاب، كما عرفت ذلك في كلام المفيد والقمي والطبرسي وغيرهم إلى صاحب الجواهر (رحمه الله)، واين هذا من الاجماع الحجة الذي يحكي عن حكم الله تعالى في موضوع محدد معلوم؟!

وثانياً : ان الموضوع في هذه المسألة مما لم ينقح من قبل فقهائنا، لا بالفحص الخارجي بالتتبع في احوال منتحلي هذه النحلة واستماع عقائدهم منهم أو فهمها من كتبهم واسفارهم، ولا بمقارنة ما قيل عنهم بتاريخهم أو بعضها ببعض حتى يحصل من ذلك ما يمكن الركون اليه في معرفة هذه الفرقة التي ذكر اسمها في القرآن الكريم ثلاث مرات.

نعم ربما يوجد في بعض كتب الملل والنحل ما يلقي الضوء على شطر من عقائدهم ونبذة من تاريخهم، وان كان هذا غير كاف في احراز الموضوع في مسالة عصمة الكافر واخذ الجزية منه وعدمها، ولعل هذا الإعراض أو قلة الاهتمام في احراز الموضوع جاء نتيجة لعدم الابتلاء كثيراً بحكمه، لا سيما لأمثال فقهائنا الكرام الذين كانوا بمعزل عن الحكم وادارة شؤون المجتمع وغير مبتلين بمسالة اخذ الجزية من الكافر أو محاربته، لا في العمل ولا حتى في الإفتاء وبيان الحكم.

1. المقنعه: 270.
2. الخلاف 5: 542.
3. التوبة: 5.
4. محمد (ص): 4.
5. التوبة: 29.
6. و هي الصحيحة المذكورة في الباب 9 من أبواب جهاد العدو من الوسائل، الحديث2، و محل الاستدلال فيها قوله (ع) بعد تلاوة آية الجزية: «فاستثناء الله تعالى و اشتراطه من أهل الكتاب، فهم والذين لم يؤتوا الكتاب سواء؟!... الحديث» حيث إنّ الظاهر من استفهام الإمام (ع) ـ الذي وقع في مقام الاستنكار ـ أنّ مفهوم اللقب في الأية الشريفة حجّة.
7. البقرة:62.
8. مجمع البيان1: 249. ط ـ دار التقريب.
9. البقرة: 62.
10. تفسير علي بن إبراهيم: 48.
11. جواهر الكلام21: 230 ـ 231.
12. راجع كلام ابن الجنيد في المختلف 4: 431. ط ـ مؤسسة النشر الإسلامي.

 

 

التحقيق في المسألة

ثم بعد ما ثبت انه ليس هناك اجماع يمكن الركون اليه، فتنقيح المسألة يتوقف تارة على الفحص عن الادلة اللفظية من العمومات والاطلاقات التي ربما يتحصل منها قاعدة كلية شاملة لمثل المقام، أو ما يمكن الاستدلال به أحياناً في خصوص هذا المورد، أو ما هو مقتضى الأصول العملية على فرض خلو المسألة عن الدليل الاجتهادي.

وأخرى على زيادة تتبع وتنقيب لمعرفة الموضوع وإلقاء الضوء على الزوايا المعتمة منه.
فهناك محوران للبحث:

فالمحور الأول منهما يتضمن اربعة امور كبروية كما يلي:

1- هل المراد بالكتاب في باب الجزية كتاب خاص؟ أو يعم جميع الكتب المشرعة دون غيرها؟ أو يشمل مطلق الكتاب السماوي، سواء المشرعة منها وغيرها؟

2- لو شك في كون الصابئة اهل كتاب فهل يجري في حقهم حكم من له شبهة كتاب ام لا؟ وبعبارة اخرى: هل وجود شبهة الكتاب يوجب دخولهم في من يقرّ على دينه، واندراجهم تحت عنوان اهل الذمة؟

3- لو شك في عقائدهم من جهة التوحيد والشرك وامثالهما، فهل يجوز التمسك بدعواهم في ذلك، فيكون ما يقولونه عن انفسهم وعقائدهم حجة على غيرهم؟

4- لو بقي الشك في امرهم قائماً، فما هو مقتضى القاعدة في ذلك؟ وهل هناك اصل لفظي أو عملي يعمل بمقتضاه؟

والمحور الثاني يتضمن عدة نقاط صغروية تلقي الضوء على جوانب من الموضوع، وهي:

1- هل هناك ما يمكن الاستدلال به على ان الصابئة اهل كتاب؟

2- هل يعدون من شعب الاديان الثلاثة (اليهود والنصارى والمجوس)؟

3- هل العقائد المنسوبة اليهم تمنع من انعقاد الظن بكونها إلهية؟

4- هل يشتمل اسمهم على شي ء ينافي كونهم ذوي دين سماوي؟

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة