بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدلله رب العالمين وافضل الصلاة وازكى التسليم على حبيب الله العالمين مولانا ابي القاسم محمد وعلى الله الغر الميامين. السلام عليكم مستمعينا الافاضل، واهلاً بكم في حلقة اخرى من هذا البرنامج.

يقول تعالى في الآية التاسعة والسبعين بعد المئة من سورة آل عمران:

ما كان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه، حتى يميز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجنبي من رسله من يشاد فأمنوا بالله ورسله وان تؤمنوا وتتقوا فلاكم اجر عظيم

هذه الآية هي آخر آيه حول حرب احد في سورة آل عمران، ويستفاد من هذه الآية ان الله تعالى يمحص المؤمنين في ايمانهم ويختبرهم وهكذا يتضح المؤمن الحقيقي من المؤمن المزيف لكن لا ينبغي ان لا يغيب عن الذهن هنا ان الله تبارك وتعالى هو عالم الغيب والشهادة وانه خبير بما في القلوب لكن سنته في الخلق هي التي اقتضت الأمتحال والأبتلاء ليتميز الخبيث من الطيب ان الغيب من مختصات الذات الالهية المقدسة ولا يطلع الله على غيبه الا من يشاء من عباده المخلصين فهذا الغيب بالأصالة له وحده لا شريك له وبالتبعيه الأيفياء والرسل والاوصياء والأولياء طبق مقتضى حكمته جل وعلى.

وفي عودة الى قضية الأختبار الالهي لابد ان نقول ان حرب احد كانت اختباراً الهياً حيث ثم التعرف بواسطة هذه الحرب على المنافقين والذين في قلوبهم مرض وثمة دروس نتعلمها هنا وهي:

اولاً: ان الله سبحانه وتعالى كما مر علينا في الآية 178 من سورة آل عمران يمهل الكافرين ولا يهملهم حيث ان لهم في الآخرة عذاب اليم.

ثانياً: الغيب من مختصات الله تعالى

ثالثاً: ان علينا الأيمان والتقوى والعمل الصالح لا غير.

ويقول تعالى في الآية الثمانين بعد المئة من سورة آل عمران:

ولا يحسبن الذين يبخلون بما اتهم الله من فضله هو خيراً لهم ، بل هو شرلهم، سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير

بعد الآيات السابقة التي تحدثت عن الحرب والجهاد والتضحية بالنفس في سبيل الله، تأتي هذه الآية والأيات التي تليها لتتحدث عن الأنفاق في سبيل الله، فالأنسان المؤمن لابد ان يهتم بابناء جنسه من المحرومين والفقراء والمعوزين.

ويستفاد من هذه الآية ضرورة الأنفاق حتى وان كان الانسان يدخر المال من اجل المستقبل فالبخل امر مرفوض وهو مذموم في الدنيا وفي الاخرة وانما المال هو من فضل الله على خلقه يؤتيه من يشاء وان الانسان اذا ما انفق من ماله فأن الله تبارك وتعالى ينميه ويجعل البركة فيه وفي مستقبل الأنسان وآتيه.

ونتعلم من هذه الآية ان كل شيء عائد لله تعالى، وان الانسان اذا مات خرج من الدنيا كما جاء اليها مجرداً من كل شىء، انه لا يحمل معه الى آخرته الا العمل الصالح الذي يفيده في دنياه وينفعه في آخرته، فتزودوا فان خير الزاد التقوى واتقون يا اولي الألباب. وكما قال الشاعر:

يا من بدنياه اشتغل

قد غره طول الأمل

الموت يأتي بغتة

والقبر صندوق العمل

ويقول تعالى في الأيتين الحادية والثمانين والثانية والثمانين بعد المئة من سورة آل عمران المباركة:

لقد سمع الله قول الذين قالوا ان الله فقير ونحن اغنياء، سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت ايديكم وان الله ليس بظلام للعبيد

الذي يستفاد من روايات اسباب نزول آيات الذكر الحكيم ان الرسول الأكرم محمد (ص) كان قد كتب رسالة الى احدى قبائل اليهود التي كانت تسكن ضواحي المدينة يدعوهم فيها الى الأسلام واقامة الصلاة واتيان الزكاة والأنفاق في سبيل الله.

ولما وصل مكتوب النبي (ص) الى كبير هذه القبيلة اخذ يستهزأ به وقال ان الله لنا محتاج ونحن عنه في غنى.

هنا انزل الله تعالى على رسوله الخاتم (ص) هذا النص القرآني الكريم الذي اشار الى هذه الأدعاءات الزائفة عند اليهود وما الفه اسلافهم من قتلهم انبياء الله.

ويتوعد القرآن هؤلاء الكفرة بالعذاب الشديد يوم الحساب جزاءاً بما كفروا وما كانوا يفعلون.

ونتعلم هنا الدروس التالية:

اولاً: الأنفاق في سبيل الله هو نوع من اداء الأمانة فالأموال التي في ايدينا هي ملك لله تعالى، وان ملكية الأنسان للأشياء ملكية اعتبارية لا حقيقية وانما المالك الحقيقي هو الله تعالى بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير

ثانياً: لابد من حفظ حرمة المقدسات وان اهانه المقدسات الدينية اعاذنا الله فيه سخط وغضب الهي كبير.

لكن هذا السخط والغضب الألهي هو جزاء ما يكسب الأنسان، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرأ يره، وما ربك بظلام للعبيد

وفي الختام نسأل الله تبارك وتعالى ان يعيننا على فعل الخيرات ويوفقنا لخير العمل الذي فيه الفوز بجفات النعيم والرضوان الالهي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.