في يوم الثلاثاء 5 نوفمبر 2019، أبرمت السعودية اتفاقاً بين الحكومة اليمنية والانفصاليين، جاء نتيجة خطة إماراتية، للبقاء بشكل غير مباشر في اليمن، وكانت الغاية المعلنة من الاتفاق هي إنهاء النزاع السياسي/العسكري جنوب اليمن، وإعادة تشكيل الحكومة الشرعية وتنظيم عمل القوات العسكرية جنوب وغرب اليمن، بحيث تُدمج هذه القوات ضمن المؤسسات الرسمية للحكومة، ويتم تفعيل مؤسسات الدولة في عدن، العاصمة المؤقتة لليمن، لكن هل هذه هي الحقيقة؟.
نعتقد جازمين بأن الابتسامات ومسك الأيادي والمصافحات الحارة التي شهدناها على شاشات التلفزة خلال توقيع بنود هذا الاتفاق، تخفي خلفها خبايا وأسرار ستتكشف تباعاً في جنوب اليمن، لأن تذليل العقبات بين أتباع السعودية والإمارات في جنوب اليمن، هو أمر شبه مستحيل لأن الرؤى والنهج والأهداف والطموحات مختلفة تماماً بين الجانبين.
دلائل فشل هذا الاتفاق مستقبلاً
أولاً: المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يحلم بتقسيم اليمن لا يمثل شعب الجنوب ولا يكاد يمثل سوى نفسه والإمارات ويعمل على تحقيق ما تصبو له الأخيرة فقط وليس هناك أي هدف آخر، وبالتالي فإن تغييب بقية فئات الشعب الجنوبي سيشكل ثغرة وهوة كبيرة ستظهر خلال الايام المقبلة.
ثانياً: الامارات تبحث بكل جوارحها عن إيجاد طريقة لشرعنة المجلس الانتقالي الجنوبي، وادخاله في مفاصل الحكم في جنوب اليمن لتنفيذ ما تريده لاسيما موضوع السيطرة على الموانئ بشكل رسمي أمام المجتمع الدولي، وبالتالي أهداف الإمارات من هذا الاتفاق واضحة، صحيح أنها أعادت النقاط التي سيطرت عليها إلى السعودية والقوات التابعة لها، إلا أن هذا الأمر تم على شكل مسرحية "هزلية" غايتها الأساسية هي "شرعنة" الانفصاليين الذين تدعمهم الإمارات وادخالهم في السلطة بشكل شرعي، وهذا ما نجحت الإمارات به، وبالتالي يمكننا القول إن الإمارات انتصرت مرتين على حليفتها السعودية.
ثالثاً: أصبح توقيع "الاتفاق" ضرورة ملحّة لكل من السعودية والإمارات، والأهداف هنا تختلف طبعاً بين البلدين، لكن الاتفاق سيكون في مصلحة الطرفين على الأقل خلال الفترة المقبلة، فالسعودية تبحث عن حفظ ماء وجهها في اليمن، بعد الانقلاب الذي قادته الفصائل التي تعمل تحت إمرة الإمارات على اتباع السعودية في جنوب اليمن في اغسطس الماضي، إلا أن الإمارات عادت وتقاسمت كعكة الجنوب مع السعودية ليس حباً بالسعودية وإنما لتحقيق مجموعة من الأهداف.
رابعاً: منح الانقلابين في الجنوب صبغة "شرعية" سيكون له أثر كبير على مستقبل اليمن، وسيؤدي لا محالة إلى الانفصال، لأن هؤلاء أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من معادلة الجنوب، وأصبح لهم 12 وزيراً شرعياً، وبالتالي عليكم أن تتخيلوا ماذا سيفعل هؤلاء عند استلامهم للسلطة.
خامساً: دعونا نعود إلى بداية الحرب اليمنية ونسأل عن الدافع الذي حرض آل سعود لشنّ حربهم الإجرامية على اليمنيين، نجد أن "أنصار الله" هم السبب بحجة أن آل سعود يجدون في "أنصار الله" تهديداً لليمن ويجب التخلص منهم لإعادة الشرعية لليمن، إذا كان الأمر كذلك، لماذا تعترف اليوم السعودية بالانقلابين الجنوبيين الذين انقلبوا على الشرعية وسيطروا على مراكز قوتها وقاتلوا أنصار السعودية وتعاملوا معهم على أنهم أعداء؟.
السؤال الأبرز حول قدرة الاتفاق الأخير الذي أبرم في الرياض على إحلال الأمن والاستقرار في الجنوب، في ظل اختلاف المصالح بين السعودية والإمارات، لمن يذكر فإن أنصار الإمارات انقلبوا على الحليفة السعودية، وجرت تلك الاشتباكات بين قوات المجلس الانتقالي وقوات تابعة للرئيس، عبد ربه منصور هادي، وهذه التطورات العسكرية، جرت نتيجة تراكمات تمتد لفترات زمنية طويلة، تداخلت فيها مصالح أطراف عديدة داخلية وخارجية.
من خلال الوقائع على الأرض، يبدو أن الإمارات لم تكن تريد أن تنهي دورها وطموحاتها في اليمن، وإنما التكيُّف مع الضغوطات التي تتعرض لها، أبو ظبي أرادت تحويل الوجود العسكري المباشر، إلى وجود سياسي غير مباشر، عبر القوى المحلية التابعة لها، والقوات العسكرية التي تنوي إبقاءها.
الإمارات أعطت الضوء الأخضر إلى قوات المجلس الانتقالي والنخبة الشبوانية بالسيطرة على أكبر قدر ممكن من مناطق الجنوب، وبالذات محافظة عدن، بهدف فرض أمر واقع يتم بمقتضاه الاعتراف بسيطرة هذه القوات (المجلس الانتقالي، والنخبة الشبوانية) على مناطق الجنوب.
لقد كان الذهاب إلى المفاوضات يهدف إلى ترسيخ هذا الوجود بشكل شرعي، وإجبار الرئيس هادي، على تعيين مسؤولين لهذه المناطق تابعين للمجلس الانفصالي، وإعادة تشكيل السلطة الشرعية، من خلال تعيين أنصار الإمارات من الانفصاليين الجنوبيين، وأعضاء المؤتمر الشعبي الموالين لها في الحكومة الشرعية.
يمكن للاتفاق تحقيق أهداف صغيرة وجزئية، كتجميد الصراع العنيف في المناطق الجنوبية، ومحاصرة بؤر النزاع المتوقع حدوثها سيتحقق هذا الهدف حال كان الوجود العسكري والسياسي والإداري السعودي كثيفاً وفاعلاً بما يكفي.
أما الأهداف الكبيرة، ومنها إنهاء النزاع السياسي/العسكري بين الأطراف الجنوبية المتصارعة، فإنه أمر في غاية الصعوبة، كون الصراع معقَّد، وله جذور تاريخية، ومن الصعوبة تنفيذ بنود الاتفاق المتعلقة بإعادة تشكيل القوات العسكرية والأمنية وضمِّها لوزارتي الداخلية والدفاع.
ما سيحدث هو تشكيل قوات الوزارتين من القوى المتصارعة، ومن الصعب دمج القوى المتصارعة داخل مؤسسات الدولة وتحويلها إلى قوات محترفة، تؤدي حالات كهذه إلى إضعاف المؤسسات الرسمية وتفكيكها، وخلق الانقسام داخلها عبر تعدد الولاءات.
ولا يُتوقع أن ينجح الاتفاق في تفعيل عمل مؤسسات الدولة في عدن كما نص على ذلك؛ لأنَّ عملاً من هذا القبيل يتطلَّب فترة زمنية طويلة من الاستقرار والهدوء.
المصدر: الوقت