نص الحديث
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "حسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم"..
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسد احد اشكال الصور البلاغية، مما ينتسب الى احد اشكال التشبيه، ان التشبيه قد يتم من خلال ادواته الاربع: (الكاف) (كأنّ) (مثل) (مَثَل). او ما يقوم مقام احدها من التعبيرات المعروفة من نحو (يشبه) (يحسب) (يخال) (بمنزلة) الخ. هنا نواجه تشبيهاً قد اعتمد اداة (درجة) وهي تتماثل مع مصطلح (بمنزلة)، فقوله صلى الله عليه وآله وسلم للامام عليّ عليه السلام: "انت منّي بمنزلة هارون من موسى" يتماثل في صياغته مع عبارة (درجة) اي: ان (المنزلة) و(الدرجة) مثماثلتان في دلالتهما، والمهمّ هو ملاحظة هذه الاداة التشبيهية (بدرجة) وما يواكب دلالتها من نكات، وهذا ما نبدأ بتوضيحه.
بلاغة الحديث
اذا كان التشبيه غالباً يضطلع بالمقارنة بين طرفين (المشبّه والمشبّه به)، فان درجات التشبيه تتفاوت فيما بينهما، فقد تكون المشابهة 75% فصاعداً، حينئذ فان اداة (مثل) تضطلع بهذا، كقوله تعالى بالنسبة على لسان هابيل "اعجزت أن اكون مثل هذا"، واذا كانت المشابهة 50% فصاعداً، فان اداة (الكاف) تضطلع بهذا من نحو قوله تعالى: "كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ"، وقد تضطلع كلمات خاصة بهذه المستويات: مثل كلمة (بمنزلة) أو (يحسب)، او (بمثابة)، وبالنسبة الى كلمة (درجة)، فان التشبيه الذي نتحدث عنه يقدم مقام الاداة (مثل)، وهذا يعني: اعلى درجات التشابه بين (حسن الخلق) و(الصيام والقيام) اي: قيام الليل أو قيام الصلاة الخ، اذن: ثمة درجة خطيرة يكتسبها الشخص في حسن خلقه، فما هي مصاديق هذه السمة؟.
من الواضح، ان حسن الخلق يكشف لدى علماء النفس عن سمات الشخصية المتسمة بالسواء، اي: بعدم وجود الامراض النفسية لديها، بصفة ان حسن الخلق هو: تعبير عن اعماق الشخصية حيال الآخرين، اي الشخصية التي (تحبّ) فتصدر حبها الى الآخر، بعكس الشخصية العصابية المرضية التي تنكمش على ذاتها، ولا تملك قابلية الحب حتى تصدره الى الخارج بقدر ما تمتلك (الكراهية) و(الحقد) و(العدوان) وسائر السمات السلبية المريضة.
وفي ضوء هذه الحقيقة نتبين اهمية التشبيه المتقدم، حيث ان حسن الاخلاق: كمن يبتسم ويصافحك، ويسأل عنك، ويساعدك، ويشفق عليك، ويأسى لأساك، ويفرح بفرحك الخ، بخاصة: البشاشة ولين الكلام، حيث ان الله تعالى وصف بذلك النبي العظيم (اي: اكبر شخصية في عالم الموجودات)، وصفه بهذه الصفة "وانك لعلى خلق عظيم".
اذن امكننا ان ندرك اهمية الخلق الحسن، سائلين الله تعالى ان يجعلنا كذلك، وأن يوفقنا الى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.