لا نريد هذا المنهاج الذي يمس بعقيدتنا، نريد منهجاً يستند إلى القرآن الكريم"، تصرخ مجموعة فتيات صغيرات وهن يلوّحن بكتاب يحاولن تمزيقه.
هذا المشهد جرى تداوله على نطاق واسع في الأيام القليلة الماضية في الأردن، حيث شهدت إحدى المدارس الحكوميّة وقفة احتجاجية نظمتها تلميذات في الصف الرابع الابتدائي بفناء المدرسة، تنديداً بمادة العلوم، لما احتوته من نصوص "تتنافى مع القيم والبيئة الأردنيّة"، على حدّ قولهنّ.
فقد انقسم الأردنيّون بين مؤيّد لمطالب التلميذات يدعو إلى تنقيح المناهج، وآخر يستنكر احتجاجهنّ ويصفه بأنه بـ "تحريض من التيار المتشدّد".
ودفع الجدال برابطة علماء الأردن إلى التدخّل، إذ انتقدت في بيان لها التعديلات على مناهج التعليم، محذّرةً مما وصفته بـ "توغّل مؤسّسات العولمة الغربية" في المدارس الأردنيّة.
ويتناقل مغردون صوراً لكتب مدرسية قالوا إنها تتضمّن إيحاءات جنسية، وصوراً أخرى تبين "حذف آيات قرآنيّة كانت موجودة في المنهج القديم".
ويذيّل هؤلاء تدويناتهم بوسم #لا_لمنهاج_كولينز، ويستنكرون أن تستبدل بالمناهج القديمة أخرى يرونها خطيرة، مؤكّدين رفضهم وتصدّيهم القاطع لما سمّوه "الإملاءات الأجنبيَّة على الحكومة الأردنيَّة لتغيير التعليم".
وفي مواجهة الآراء التي تنتقد المناهج، تتعالى أصوات أخرى تنبّه إلى ما يسمونه "أسلمة التعليم"، وتطالب بمحاسبة المعلمات اللاتي سمحن للتّلميذات بتنظيم الاحتجاج.
وقد اعتبر تربويّون وخبراء أنّ الفيديو زجّ بالفتيات في صراعات أيديولوجيّة وسياسيّة بطريقة لا تتناسب مع أعمارهنّ، مضيفين بأنّ التلميذات استخدمن كأدوات لمهاجمة المناهج عوضاً عن أهاليهم ومدرّسيهم.
وترى منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية أن إلقاء الكتب بهذه الطريقة سيؤثّر سلبيّاً في توجهات التلاميذ واختياراتهم في المستقبل، مشيرةً إلى أن "نقد المناهج يجب أن يكون نقداً علميّاً ومهنيّاً".
من جهة أخرى، نفى نشطاء ما يتردّد عن وجود إيحاءات جنسية في الكتب المدرسية الجديدة، بل إن بعضهم وجَّه انتقادات لاذعة للمناهج الأردنية، واتهموها بـ "ترويج الفكر المتشدّد، وإلغاء التفكير النقدي، وتكريس الصورة النمطية للمرأة".
ويتساءل بعضهم عن جدوى فرض مادة التربية الإسلامية وحصص التجويد على التلاميذ المسيحيّين.
وترفض نقابة المعلّمين الأردنيّين الزجّ بالأطفال وتجييشهم، وتشدّد على إبقاء الأمر في إطاره العلمي المهني وتقييمه أكاديمياً، حتى لا يخرج عن إطاره العلمي إلى الإطار الشعبوي التعبوي.
إن عملية إعداد المناهج التربوية للأطفال، لابدّ لها وأن تنطلق من دراسة عميقة وشاملة للظروف والمعطيات التي تتصل بتحديات الواقع وثقافته وما يؤثر فيها، ووضع كتب ومناهج تراعي القيم والمفاهيم الاجتماعيّة والدينيّة بشكل منفتح، من دون الخلل بمداليلها والتصرف بثوابتها الأصيلة، مراعاة لذهنية الطفل وهويته وانتمائه، والانتفاع بكل الوسائل التي تأخذه إلى الإبداع والتقدم بحكمة ودراسة تتناسب مع الهوية الدينيّة والاجتماعيّة، لا أن تكون عاملاً للضغط عليها أو التلاعب بها.
وعن التخطيط التربوي ووسائله، يقول العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله "رض":
تحتاج عملية التخطيط التربوي إلى تطور ثقافي عام، لأن العلوم تدعم بعضها بعضاً، ويفتح بعضها أمام البعض آفاقاً جديدة. وهو أمر غير متوافر اليوم، بينما كان تطوّر النظريات التربوية قد انطلق من التطور الثقافي العام الذي عاشه الإسلام خلال المرحلة التي عاشها سواء في المشرق أو في المغرب.
إن الإسلام قدّم لنا الخطّ العام الذي يفترض أن نستهدي به للوصول إلى أسلوب تربويّ يتفق مع ذهنيّة الطفل، ومع تطور الوسائل والمناهج الموجودة، لننتقل من التلقين الساذج إلى الانفتاح بعقل الطفل على الإبداع.
في مناهج التربية وأساليبها ووسائلها وحقولها، لا عقدة لنا من الأخذ عن الآخرين، الإسلام يؤمن بالتفاعل الحضاري الذي لا يتنافى مع القاعدة التي ينطلق منها كدين. علينا أن ندرس ما يقدِّم الغرب من وسائل وتقنيّات تعليميّة، ونأخذ ما يتناسب معنا، ويخدم أهدافنا التعليمية"