نص الحديث
قال الامام الصادق (عليه السَّلام): البخيل من بخل بالسَّلام.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم من الوضوح بمكان، لعلك تسال عن البعد البلاغي فيه، وسبب انتخابنا لا لقاء الإنارة عليه، ونجيبك، لقد ربط هذا الحديث ظاهرة عدم السلام بظاهرة البخل مع ان السلام هو نشاط لفظي، والبخل سمة نفسية، اذن، ما هو الرابط بينهما؟ من البين ان ثمة صلة بين المظهر الخارجي للانسان وبين المظهر الداخلي له، فمثلاً عندما تصدر كلمات قاسية من فمك فهذا تعبير عن قساوة الداخل وهو القلب، وهكذا عشرات الانماط من السلوك. وبالنسبة الي السلام فهو نشاط لفظي، ولكنه تعبير عن سمة داخلية، احد مصاديق ذلك، هو البخل، ان البخل هو انغلاق نحو الذات، وبعكسه السخاء هو انفتاح من الذات نحو الاخر، والملاحظ ان علماء النفس طالما يشيرون الي ان احد مظاهر الشخصية السوية هو انفتاحها نحو الاخر، وبالعكس احد مظاهر الشخصية العصابية هو انغلاقها نحو الاخر وفي ضوء هذه الحقيقة نتجه الي الامام الصادق (عليه السَّلام) لملاحظة ذهابه الي ان البخيل هو من يبخل بالسَّلام وهي مقولة يتعين علينا الآن ان نعالجها بلاغياً ايضاً.
بلاغة الحديث
من حيث البعد البلاغي لهذا الحديث، يمكن الذهاب الي ان الامام (عليه السَّلام) خلع - كما اشرنا - طابعاً نفسيا علي ما هو سمة لفظية ومما لا ترديد فيه ان التعبير البلاغي يتميز بكونه كلاماً غير مباشر، كالتشبيه والاستعارة والرمز، لذلك عندما يشير الامام (عليه السَّلام) الي ان البخيل، هو من يبخل بالسلام، انما يشير الي صورة بلاغية، هي التمثيل او الاستعارة، بمعني اعارة شيء وسحبه علي شيء آخر، والنكتة، هي بما ان البخيل منغلق علي ذاته ولا يملك نافدة علي الخارج، حينئذ فإن عدم سلامه علي الآخر يعني عدم انفتاحه علي الخارج، وانغلاقه داخل ذاته، وهو قمة المرض النفسي، كما هو واضح، والنكتة الاشد رمزاً، هي ان البخيل مع كونه يحمل سمة نفسية الا ان الغالب علي سلوكه، هو التعامل المادي، اي ما يرتبط بالأكل والشرب والمال وكل ما هو يرتبط بالجانب الغريزي، ولكن بما ان الجذر هو نفسي كما اشار الامام (عليه السَّلام) حينئذ يظل ما يصدر منه من سلوك لفظي او معنوي تعبيراً عن السمة النفسية، بل ان البخل الأشد ظهوراً، هو انّ ما هو نفسي لا يكلف صاحبه نفس ما يكلفه السلوك المادي، ولذلك ورد في حديث آخر ان ابخل البخل، هو البخل بالسَّلام.