السلام عليكم أيها الأحبة، تحية طيبة نستهل بها لقاء اليوم من هذا البرنامج داعين الله في مطلعه أن يعيننا على التخلق بأخلاقه الكريمة عملاً بما أوصانا حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله حيث قال: (تخلقوا بأخلاق الله). والخلق الذي نتناوله اليوم هو مجازاة الحسنة بأحسن منها، وهو من أكرم أخلاق الله عزوجل وكلها كريمة ومن أعظمها بركة على الخلق وكلها عظيمة البركة. ومن أوضح مصاديق هذا الخلق الكريم هو مجازاة الله للحسنة عموماً بعشر أضعافها كحدِ أدنى ومجازاته للإنفاق في سبيلهِ بمئة ضعفٍ كحد أدنى كما نصت على ذلك الآيات الكريمة في سورة البقرة وغيرها.
ومن الآثار المهمة لهذا الخلق هو أنه يقوي في قلب المتخلق به روح الزهد في الدنيا فيما يقوي في قلب الطرف المقابل روح حب الأعمال الصالحة ويشعره بقيمتها. وها نحن نسعى لبعث روح حب التخلق بهذا الخلق في قلوبنا وتعلم سبل الوصول الى ذلك من خلال التدبر في سيرة أهل بيت النبوة عليهم السلام، وما أخترناه منها لهذا اللقاء فكونوا معنا.
الرواية الأولى ننقلها من كتاب قرب الإسناد عن إمامنا الباقر عليه السلام، قال: جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله سائل يسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هل من أحد عنده سلف {أي قرض}؟، فقام رجل من الأنصار من بني الجبلي فقال: عندي يارسول الله، قال: فأعط هذا السائل أربعة أو ساق تمر. فأعطاه. ثم جاء الأنصاري بعد إلى النبي صلى الله عليه وآله يتقاضاه فقال صلى الله عليه وآله له: يكون إن شاء الله. ثم عاد إليه الثانية فقال له: يكون إن شاء الله. ثم عاد إليه الثالثة فقال: يكون إن شاء الله. فقال: قد أكثرت يارسول الله من قول (يكون إن شاء الله)، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: هل من رجل عنده سلف؟ فقام رجل فقال له: عندي يارسول الله، قال صلى الله عليه وآله وكم عندك؟ قال: ما شئت قال: فأعط هذا ثمانية أو سق من تمر. فقال الأنصاري: إنما لي أربعة يارسول الله!، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأربعة أيضاً.
ونلاحظ هنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد جازى الأنصاري بالضعف على الرغم مما رأيناه من موقفه غير اللائق مع رسول الله صلى الله عليه وآله. ومن السيرة النبوية الى سيرة مولانا الإمام الحسين عليه السلام، فقد روى الشيخ الجليل علي بن عيسى الأبلي في كتاب كشف الغمة قال: قال أنس: كنت عند الحسين عليه السلام فدخلت عليه جارية فحيّته بطاقة ريحان، فقال لها: أنت حرة لوجه الله، فقلت: تجيؤك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها؟ قال: كذا أدبنا الله، قال الله " وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا... " (سورة النساء۸٦) ، وكان أحسن منها عتقها.
وروى الحافظ الحلبي المازندراني في كتاب المناقب أن عبد الرحمن السلمي علّم ولد الحسين عليه السلام سورة الحمد فلما قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار والف حلة وحشا فاه درا، فقيل له في ذلك. قال: وأين يقع هذا من عطائه، يعني تعليمه. ثم أنشد الحسين عليه السلام:
إذا جادت الدنيا عليك فجد بها
على الناس طرا قبل ان تتفلت
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت
ولا البخل يبقيها إذا ما تولت
وفي الرواية التالية أعزاءنا المستمعين نتعلم من إمامنا السجاد عليه السلام درساً بليغاً في حسن مجازاة من دفع الإساءة بحسنةٍ تعبر عن جميل ظنه بالله عزوجل؛ فقد نقل العلامة المجلسي في بحار الأنوار عن عبد الله بن عطا قال: أذنب غلام لعلي بن الحسين عليه السلام ذنبا استحق به العقوبة فأخذ له السوط وقال: "قل للذين آمنوا يغفروا للذين لايرجون أيام الله" . فقال الغلام: وما أنا كذلك إني لأرجو رحمة الله وأخاف عذابه، فألقى السوط وقال: أنت عتيق.
ويبقى أعزاءنا أن نشير هنا الى ان الإمام السجاد عليه السلام قد كافئ الغلام على حسن خوفه ورجائه لرحمة الله عزوجل بأن أعتقه، الأمر الذي سيجعل هذا الإرتباط السليم بالله نبراساً ينير له الدرب لأنه كان سبب عتقه.
وبهذا ينتهي اخوتنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، لقاء اليوم مع برنامج (من أخلاق الله)، شكراً لكم ودمتم في رعاية الله.