السلام عليكم مستمعينا الأكارم، يسرنا أن نلتقيكم على بركة الله في حلقةٍ أخرى في هذا البرنامج الذي نسعى فيه الى التعرف على أخلاق الله عزوجل كمقدمة للعمل بالوصية المحمدية الواردة في الحديث الشريف المشهور (تخلقوا بأخلاق الله). والخلق الذي نتطرق له في هذه الحلقة هو (ترك الظلم بجميع مصاديقه وفي جميع الأحوال). وقد تحدثت كثيرٌ من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة عن تنزه الله عزوجل عن جميع أشكال الظلم مهما كان يسيراً، وتخلق الإنسان بهذا الخلق الإلهي السامي مدعاة للإرتفاع بالمجتمع الإنساني الى أعلى مراتب الأمن والسلام. لأن القسم الأعظم من المشاكل والأزمات الإجتماعية ناشئة عن أشكال الظلم صغارها أو كبارها. وقد تجلى هذا الخلق الإلهي بأسمى صوره في سادات المتخلقين بأخلاق الله محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، والمهم أن التأمل في سيرتهم عليهم السلام يعلمنا أن نتخلق بهذا الخلق بالصورة التي نتمكن معها من إجتناب الظلم بمختلف مصاديقه صغيره وكبيره وفي جميع الأحوال. وهذا ما نشاهد فيما إخترناه لهذا اللقاء في سيرة النبي المصطفى ووصيه المرتضى عليهما وآلهما أفضل الصلاة والسلام تابعونا مشكورين. لنتأمل معاً مستمعينا الأكارم في الحادثة التالية في السيرة المحمدية، وقد رواها الشيخ الصدوق في كتاب الأمالي بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: إن يهوديا كان له علي رسول الله صلي الله عليه وآله دنانير فتقاضاه، فقال له: يايهودي، ما عندي ما أعطيك. قال: فإني لا أفارقك يامحمد حتي تقضيني. فقال صلي الله عليه وآله: إذن أجلس معك. فجلس صلي الله عليه وآله معه حتي صلي في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة. وكان أصحاب رسول الله يتهددونه ويتواعدونه، فنظر رسول الله صلي الله عليه وآله إليهم فقال: ما الذي تصنعون به؟ فقالوا: يارسول الله، يهودي يحبسك! فقال صلي الله عليه وآله: لم يبعثني ربي عزوجل بأن أظلم معاهدا ولاغيره. فلما علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لاإله إلا الله، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، وشطر ما لي في سبيل الله، أما والله مافعلت بك الذي فعلت إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة، فإني قرأت نعتك في التوراة: محمد بن عبد الله، مولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب، ولا متزين بالفحش ولا قول الخنا، وأنا أشهد أن لاإله إلا الله، وأنك رسول الله، وهذا ما لي فاحكم فيه بما أنزل الله، وكان اليهودي كثير المال. ونشير هنا أيها الاخوة والأخوات الي بركة إضافية للتخلق بخلق ترك الظلم تظهرها هذه الرواية وهي تأثير ذلك في فتح قلوب الناس علي الدين الحق. وننتقل بكم أيها الأعزاء الي سيرة الوصي المرتضي عليه السلام، فقد روى الشيخ المفيد في كتاب الإمالي بسنده عن ربيعة وعمارة وغيرهما: أن طائفة من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مشوا إليه عند تفرق الناس عنه وفرار كثير منهم إلي معاوية طلبا لما في يديه من الدنيا، فقالوا له: يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال، وفضّل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش علي الموالي والعجم، (وفضل) من تخاف خلافه عليك من الناس وفراره إلي معاوية. فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: " أتأمروني أن أطلب النصر بالجور؟ لا والله لا أفعل ما طلعت شمس، وما لاح في السماء نجم. والله لو كانت أموالهم لي لواسيت بينهم، فكيف وإنما هي أموالهم " . وندعوكم أعزاءنا المستمعين الي التدبر في الوصية التالية التي أوصي بها بحزم مولانا الوصي المرتضي عليه السلام وهو علي فراش الشهادة بعد عملية إغتياله الغادرة، فطبق ماجاء في كتاب نهج البلاغة أنه عليه السلام قال: "يابني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون قتل أمير المؤمنين، ألا لاتقتلن بي إلا قاتلي انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا يمثل بالرجل فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور" . وأخيراً نشير مستمعينا الأكارم الي نقطةٍ تربوية مهمة وهي أن التخلق بهذا الخلق الإلهي يزكي النفس ويكبح جماحها وأهوائها فهو من المصاديق البارزة لجهاد النفس وهو الجهاد الأكبر، وفقنا الله وإياكم له.